الفحش الأنجلو أمريكي جريمة ضد الإنسانية
لم يبق أحد في العالم لم يسمع بالممارسات الشائنة التي مورست ضد المعتقلات والمعتقلين العراقيين. ولكن الأكثرية الساحقة في العالم لم تشاهد الصور الأكثر وحشية وإثارة للتقزز واستنفاراً للمشاعر، صور تمثل العنصرية حتى في الجنس. هناك صور اغتصاب جنسي واضح تماماً. رجال ونساء يمسكون نساء عراقيات ليغتصبهن وحش (ديمقراطي) قد يكون من واشنطن دي سي أو من مزرعة تكساس التي يملكها الرئيس الأميركي. ولا شك أن عدم النشر مرده إلى التستر على الوحوش لا مراعاة الذوق العام!
وربما لا يوجد احد في العالم لا يعرف أن الجندي تم استجلابه لتنفيذ وإطاعة الأوامر المطلوبة منه، وإذا شذ عن ذلك فبشكل محدود ووقت محدود. وعليه فإن الجنود الاميركيين والبريطانيين الذين مارسوا ضد المعتقلين العراقيين عاماً كاملاً ما كان القتل نزوة منهم أو صدفة أو خروجا على القاعدة، بل بناء على ما هو مطلوب منهم، هذه أوامر دولتهم. وهل يُعقل ان يقبل جنود ذكورا وإناثاً التقاط صور لهم وهم في حالات اغتصاب للأسرى والأسيرات العراقيين ويسمحون بذلك لو كانوا يشعرون انهم مخالفون للاوامر والتعليمات؟
ولكي لا نعزل القانون والأخلاق في أمريكا وبريطانيا عن السلوك الشخصي، فقد يقول قائل إن الاغتصاب والجنس هناك مفتوح ومفضوح ومكشوف، وبالتالي ربما لم يقصد هؤلاء الجنود والمجندات الاغتصاب بحد ذاته أي أنهم مارسوا ما تربوا عليه. ولكن هذا غير صحيح، فحتى لو تربى البعض على هذا، فإن اغتصاب النساء والرجال في العراق مقصود به تحطيم السجين نفسياً باعتباره جزءاً من مشروع إلحاق الهزيمة بالشعب العراقي وهو المشروع الذي ربتهم عليه حكومة بلادهم. أي أن هذا الاغتصاب السياسي والقيمي والثقافي هو ما تريده الطبقة الحاكمة في بريطانيا وأمريكا لكي تستتب لها السيطرة على العراق. انه الشبق للنهب والرعب من المقاومة.
لقد رفض الرئيس الأميركي الاعتذار واكتفى بالالتفاف على الأمر «ببلاغة بلهاء». وهذا موقف كافٍ للحكام العرب ولكنه ليس كافياً للأمة. وإذا صح تنبؤ الاستطلاعات، وهي غالباً ما تكون صحيحة في الغرب، فإن ثلثي الشعب الأميركي لا يريد من وزير الحرب الأمريكي رامسفيلد الاستقالة بسبب الفضيحة الفاحشة، إذا صح هذا فمعناه أن علينا دفع التهمة باتجاه أمة بأكملها وليس فقط الدولة كسلطة.
لقد رفض الكثير من المثقفين والساسة العرب الإقرار بأن الاستعمار ذاهب لاستباحة العراق. وغضوا أبصارهم عن الاستباحة العامة حينما جرى نهب الآثار العراقية. وفي اعتقادنا إن هذا الإغضاء كان مقصوداً وهو ينحط إلى درجة الخيانة المقصودة بإصرار. وهو نفسه الذي يشجع الاميركيين والبريطانيين وكل الغرب على التقليل من شأننا. وربما إن هذا ما يفسر أن الفضائيات الغربية رفضت نشر صور الفحش الاميركية مع أن هناك قنوات خاصة بالجنس في تلك البلدان. لذا، فلا علاقة للمنع بأنه سيؤذي الذوق العام، ولكن المنع متعلق باستصغار شأن العرب. هذا هو موقف القاعدة العقائدية للعنصرية أي أوروبا رأس المال.
إنها جرائم دولة لأن رئيس الأركان المشتركة الأميركي ريتشارد مايرز اعترف (وهذا ليس كل شيء) بأنه على علم بما حصل لكنه لم يناقش الموضوع حفاظاً على الجيش الأميركي. لكن رئيس الأركان الحضاري الأبيض لم يقل لنا لماذا أرسل جنوده إلى هناك، ولم يفهم أن في العراق بشراً!
لقد اعتبرت الدولة الاميركية ان التمثيل بسماسرة الشركات في الفلوجة جريمة شعب فانقضت على المدينة بكل الوحشية الممكنة لذبح أهلها جميعاً. أما محمد بحر العلوم عضو المجلس المعين من المحتل الأميركي فقلل من الجرائم الاميركية والبريطانية مركزاً الهجوم على حكم الرئيس صدام حسين.
لقد أثبتت الفلوجة لرئيس أركان القوات الاميركية المشتركة ريشاد مايرز ما أثبته تاريخ البشرية أن الإنسان في النهاية هو الأقوى. فنظرية مايرز في العدوان تقوم على أن تشن أميركا الحرب من السماء، بل من الفضاء. وهكذا كان العدوان على العراق 1991 قبل مجيئه والعدوان على يوغسلافيا ومن ثم على أفغانستان والعراق مؤخراً في عهده. ولكن في النهاية مشى الوحش الأميركي على قدميه فعجز على أبواب الفلوجة. فإن جنوده لم يتغلبوا على عقدة الخوف من أصحاب الحق في العراق، فوقفوا جبناء على أبوابها.
ولكن هل الجريمة كلها غربية رأسمالية؟ في الحقيقة لا. كدت أُدهش من قرار المحكمة العليا في بريطانيا، وكدت أُدهش أن يقف 50 من أعضاء الكونجرس ليرفضوا شجب الفحش الأعمى لجنودهم في العراق، مما يؤكد أنها جريمة دولة. أما والأمر هكذا، فإن الحكمة من معالجة هذه الفظائع هي في التوجه إلى الشارع العربي ليحذر من الطابور الخامس في أوساطه سواء أكان الطابور سياسياً أو ثقافيا أو اقتصاديا.
■ د. ثابت عكاوي