الجميع ينهبون العراق الأمريكان.. الإسرائيليون.. وقوى عربية متواطئة
بدأت مع الاحتلال الأمريكي للعراق، رؤوس الأموال العالمية بالتحرك باتجاه بلاد الرافدين، في سباق محموم للنيل من موارد البلد واقتطاع الحصة الأكبر من الاستثمارات الخصبة والغنية، ومن بين هذه الدول كانت اسرائيل.
وقد نشر بوعز غاؤون مقالاً، حول الغزو الاقتصادي الذي تقوم به اسرائيل للعراق تحت عنوان «جنودنا في العراق»، وهذا عرض موجز لما جاء فيه.
نقطة البداية: الاشكالات
البداية كانت من نائب مدير عام التجارة الخارجية في وزارة المالية، داني كطريبس. مهندس صياغة إعلان نتانياهو في 21 تموز 2003، الذي ألغي بموجبه حــظر التجــارة مــع العراق، كان لهذا الإعلان صدى واسع في مختلف وسائل الإعلام العربية والعالمية. ورأت واشنطن فيه، مادة سياسية متفجرة، قد تسلح مؤيدي نظريات المؤامرة ليصبح بوش ناطقاً باسم مكتب رئيس الحكومة شارون.
الرد الرسمي للحكومة الانتقالية العراقية على لسان وزير التخطيط العراقي، كان: «الاسرائيليون سيستقبلون بترحاب في العراق، بعد احراز تسوية مع الفلسطينيين» إلا أن ذلك لم يمنع الكثير من العراقيين من أن يتنبؤوا «بسيطرة صهيونية سريعة» تجر العرب الى «نكبة ثانية» يتحول العراق فيها الى استيطان ضخم وتبدو معه إسرائيل الحالية كنقطة لحرس الحدود.
بعد اشهر من اعلان نتنياهو نشرت أميركا قائمة الدول التي ستتنافس على مناقصات التعمير. غابت عن القائمة الدول التي عارضت الحرب، ودولة واحدة دفعت الى الحرب، ولكنها اسقطت من القائمة، كي لا تشيط الطبخة العراقية. هذه الدولة هي إسرائيل. وبذلك ناقض اعلان وزارة المالية، الموقف الرسمي لواشنطن. كما ناقض موقف واشنطن كل التسريبات القادمة من طرف شالوم ونتنياهو أمن المعقول أن يكون الموقف منقسماً إلى هذا الحد؟
إلاّ أن الأمر لم يطل، ففي الاحتفالات بمرور عام على النصر الأمريكي المزعوم في العراق كتب كول «مدير قسم الاعلام» في «سلطة التحالف المؤقتة»: «كل ما يتصل بالمناقصات الممولة بأموال المساعدة الاضافية التي امضاها الكونغرس لتعمير العراق والتي تبلغ الـ 18.4 مليارات دولار، تستطيع الشركات الاسرائيلية ان تعمل فيها كمقاول ثانوي، ويسمح لها بان تفوز بمناقصات للتزويد بالخدمة والمعدات». وبما أن ذلك كان مناقضاً للانطباع الذي جهد اسياده الموجودون في واشنطن للايحاء به. فإنه كان إيذاناً بتسريع الموقف.
عسكر بأقتعة تجارية
فوراً عبر الكثير من رجال الأعمال عن استعدادهم لإقامة علاقات مع العراق، وعرضوا القدرة التجارية الكامنة في ذلك. رفضت وزارة المالية البوح بهوية «رجال الأعمال» المتجهين شرقاً. ورفض كطريبس مهندس الإعلان إجراء مقابلات حول كل ذلك. ومن ذلك اليوم وبالرغم من كل التغيرات يبدو أن ما تعلنه الهيئات الأمريكية إلى العلن يناقض تماماً الوقائع.
إلاّ أنه اليوم توجد ما بين 70 - 100 شركة إسرائيلية تسوِّق إنتاجا إسرائيليا في السوق العراقية المدنية، المخصصة لمواطني العراق، أو تلك العسكرية، المخصصة لجنود الولايات المتحدة وللجنود العراقيين الذين تدربهم.
العديد من مدراء الشركات الإسرائيلية رفضوا الإعلان عن أسماء شركائهم في الصفقات التي تحصل كي لا يحرقوا شركاءهم أو تتوقف هذه الشراكة، ومن هذه الشركات شركة «شريونيت حوسم»: للمنتجات الأمنية، وشركة سونول لتزويد القوات بالوقود وشركة «نعان - دان» التي تعمل على تزويد العراق بمعدات الري، بحجم يصل الى قرابة 15 مليون دولار.
وفي مقابل هذه الشركات كانت هناك شركات أكثر وضوحاً كشركة «نطافيم» التي سوقت حلولا في مجال المياه للعراق حتى في ايام صدام حسين، في اطار خطة «الغذاء مقابل النفط»، للأمم المتحدة. وشركة «عيتس كرميئيل»، التي توشك على ابرام صفقتين عراقيتين كبيرتين. لتزويد منتجات لإقامة اربع محطات حدودية بمشاركة شركة خليجية. ولتزويد 61 ألف باب في إطار مشروع بناء 12 الف شقة للحرس المدني العراقي. الصفقة الأولى 1.6 مليون دولار. الصفقة الثانية 2.2 مليون دولار.
أما شركة «ترليدور» المتخصصة بإنتاج النوافذ، وتتمتع بخبرة واسعة في التجارة مع العالم العربي، خاصة مصر. تحدث مديرها اهارون غال: «قبل شهر ونصف التقينا سرا في فندق دان تل أبيب عراقيين يسكنان في لندن، لإجراء مشروعات تجارية. يبدو هذا واعدا، ولكن الصفقة الحقيقية ستبدأ فقط بعد إن يكون هناك هدوء في العراق».
بينما باعت شركة «تنور غاز» الطبرانية التي تنتج «أدوات طبخ كاملة لمؤسسات كبيرة مثل السجون، المستشفيات والمدارس»، أربع إرساليات، لرجل عراقي يقيم في لندن بحجم يصل إلى مليون دولار. وقد اقترح الرجل العراقي شراء المصنع الاسرائيلي كما هو لنقله إلى شمالي العراق.
في العراق .. وغيره قوى السوق والسوء الجديدة إلى أين؟؟
هناك شركات إسرائيلية أخرى تبيع المنتجات للعراق دون معرفته. من خلال صفقات مع تجار إسرائيليين، من أصل يهودي أو عربي، عبر الأردن ومن ثم إلى العراق. في المنطقة الصناعية - الزرقاء، في قلب منطقة التجارة الحرة مع الأردن، أقيم في العام الأخير مكتبان على الأقل متخصصان في نزع كل لوحة إسرائيلية عن السيارات المستعملة التي وصلت إلى إسرائيل، لإرسالها إلى سوق السيارات الخاصة العراقية. بعد أن أصبحت الحاجة الآن إلى محو كل رمز إسرائيلي عن المنتجات المسوقة في العراق أمراً ضرورياً خاصة بعد الفضيحة التي حصلت منذ ما يقرب من نصف عام: فقد اكتشفت مجموعة من التجار الإسرائيليين أن الـ 1500 المكيف التي أرسلت إلى الزرقاء في طريقها إلى العراق، وصلت بعنوان بالعبرية. سارع التجار الأردنيون لنشر الفضيحة، وهددوا التجار العراقيين، بأن من يقترب من المكيفات سيصور وتنشر صوره في بغداد كمتعاون مع الإسرائيليين. وبعد أشهر من تراكم الغبار الأردني عادت المكيفات إلى إسرائيل وبيعت بخسارة كبيرة. حجم الخسارة يقرب ربع مليون دولار. وسببت إيقاف صفقة أخرى، لتسويق علب المشروبات في العراق. تمت إعادة تشكيل هذه العلب الإسرائيلية، واشتملت على آية من القرآن تعلقت بأهمية سقاية العطشى. وتبخر المشروع بعد فضيحة المكيفات.
40 مليون دولار الأرباح الإسرائيلية من العراق!
سوق التحويل (وهي شركات تستوعب البضائع المستوردة في ميناء حيفا لتوزيعها)، وهي الأسواق الأكثر ربحاً من الخيار العراقي. إحداها شركة «ترانسكلال». وفي مكاتبها، يجري وضع شهادة الدفعة الأولى للشركة إلى العراق في ملف بتاريخ 3 آب 2003. تحتوي دفعة تزن 9 أطنان على «منتجات الكترونية ومنتجات استهلاك أخرى». وقد كُتب في فرع «ارض الغاية» كلمة العراق صراحة.
استوعبت أكثر شركات التحويل إنشاء علاقات تجارية مع شركات تحويل أردنية تجمع البضائع الإسرائيلية (أو المستوردة لإسرائيل) في معبر الشيخ حسين، وتحولها باتجاه العراق، ولكن ليس قبل أن تُحزم البضاعة من جديد من اجل إخفاء البصمات الصهيونية. قيمة البضائع التي نقلت إلى العراق من إسرائيل في السنة الأخيرة تقدر بقرابة 40 مليون دولار. بشكل نسبي، ليس هذا كثيرا، ولكن مع أخذ الظروف بالحسبان فليس هذا قليلا.
معوقات جديدة كالمنافسة العربية!
يشاي سوريك، مدير عام مكتب تجارة إسرائيل - الأردن، يرى في السوق العراقية فرصة لتعزيز العلاقات التجارية بين إسرائيل والأردن. ويرى أن الإغلاق المرتقب للموانئ السورية، في إطار الضغط الأمريكي على سورية. سيحول ميناء حيفا إلى باب الدخول الأكثر منطقية من ناحية اقتصادية إلى العراق. وستزدهر شركات التحويل الإسرائيلية، وهذا يذكرنا بالصلة الغامضة بين «إمبراطورية الامبريالية» (أمريكا) وبين «الكيان الصهيوني» (إسرائيل).
لكن شارون ترانسكلال وشاؤول اغيش تحدثا عن مشكلة جديدة هي قتل السائقين الأردنيين الذين ينقلون البضاعة الإسرائيلية إلى بغداد مما أدى إلى ارتفاع أجورهم إلى ما يقرب 1300 دولار شهريا، وهو مبلغ ضخم بالمعنى الأردني.
ويضيف رجل أعمال آخر أن المشكلة ليست في كل ذلك، فيمكن تغطية البضائع الإسرائيلية والتستر عليها لكن المشكلة الأساسية في المنافسة الاقتصادية الكبيرة من جانب تركيا والصين والكويت والعربية السعودية.
حتى المراحيض إسرائيلية!
طُلب إلى كاتس مؤخرا، وهو مدير إحدى الشركات الإسرائيلية، تحديد بضع مئات من الحافلات مع مراحيض، لرفاهية الشيعة الإيرانيين الذين تدفقوا على النجف. فالسفر من إيران إلى العراق ليس قصيرا، يتراسل كاتس مع تاجر عراقي كل يوم، ويلتقيه في عمان مرة كل أسبوعين تقريبا. عندما يلتقيان فان الزميل العراقي يزوده بالسكاكر العراقية التي تدعى «المن». في عيد المساخر الأخير، اتصل رجل الأعمال العراقي بكاتس وتمنى له مساخر سعيدا.
أعمال، لا سياسة!
على عكس التصور المسبق هناك من يقول يصل العراقيون إلى عمان «مع حقائب مليئة بالنقد»، والسبب هو أن النظام المصرفي في العراق انهار، ولأنه كان من الأكثر أمانا في فترة صدام إخفاء الدولارات تحت البلاطة. هل يتحدث التجار الإسرائيليون مع العراقيين عن السياسة؟ «لا تقريبا»، أجاب (مثل أكثر الإسرائيليين الذين تحدثنا إليهم). «إنهم يريدون إجراء الأعمال، ولا تهمهم السياسة».
مارك تسيل من مكتب محامي «تسيل غولدبرغ»، هدف محبب لأسهم نقد مراسلي «الجزيرة»، يرون فيه تجسيداً للصلة الصهيونية - الأمريكية، في ما يتعلق بالكوبونات الاقتصادية من الحرب. إسرائيلي - أمريكي يعتمر القبعة الدينية يقطن وراء الخط الأخضر، أقام قبل ما يقرب من نصف عام مكتب محامي «آي.آي.ال.جي» ويسوق نفسه كـ «الباب المتخصص للعراق الجديد». شركاؤه الرئيسيون أبناء عائلة احمد جلبي، رئيس «المؤتمر الوطني العراقي». في أعقاب لقاءات وافق تسيل على استثمار ما يقرب من 100 ألف دولار لإقامة شركة مشتركة مع الجلبيين. وكان رجل الاتصال هو سالم ابن شقيق أحمد الجلبي.
مع إقامة المكتب في حي الجادرية في بغداد، (تم إجراء ما يقرب من مائة لقاء مع محامين عراقيين)، لم يكمل تسيل والجلبيون. وتابع عمله مع آي.آي.ال.جي رجال اعمال عراقيون آخرون. رفض تسيل، إجراء لقاء من اجل التقرير، لأسباب أمن شخصي. كما رفض آخرون بحزم إجراء اللقاء، أو الحديث سرا أو إرسال بطاقة معطرة إلى جهاز «معاريف».
وجبة سبت في قصر صدام!
أ. هو رجل أعمال إسرائيلي، ذو جواز سفر أمريكي. كان تتويج سفره الأول للعراق، في تموز الماضي، زيارة الى قصر الرئاسة لصدام، الذي تحول إلى قاعدة للجيش الأمريكي. وقد دُهش إذ اكتشف انه وراء كرسي الرئاسة لصدام يعلق درع ظهرت في داخله صواريخ سكود منتصبة. من الجهة الثانية للقاعة الرئاسية، ومقابل صواريخ السكود تماما، كان هناك درع حُفرت في داخله صورة المسجد الأقصى. استنتج رجل الأعمال بأن حلم صدام كان بأن يقصف القدس بالصواريخ.
لم تكن هذه هي التجربة الأكثر إثارة في الحقيقة لرجل الأعمال ذلك في أثناء زيارته. كان أوج الرحلة التجارية المشرقية عندما نجح رجل الأعمال في ان يجمع حوله مجموعة جنود أمريكيين يهود، لوجبة سبت. «وجبة سبت يهودية في قصر صدام!»، قال متأثرا، «ماذا أقول لك، كان هذا رائعا».
الشركات الإسرائيلية الكبرى في العراق
قائمة جزئية بأسماء شركات إسرائيلية كبرى تصدر منتوجاتها للعراق، بعد أن تعيد تغليفها كي لا يكشف النقاب عن مصدرها:
● شركة «دان» التي تصدر حافلات قديمة.
● شركة «ربينتكس» المصدرة للمعاطف الواقية من الرصاص.
● شركة «شريونيت حوسيم» المصدرة للأبواب المتينة.
● شركة «عيتس كرميئيل» المصدرة للأبواب ومنتوجات أخرى للمواقع الحدودية.
● شركة «طمبور» للدهانات.
● شركة «ثميون» المصدرة للبيرة والمشروبات الخفيفة الأخرى.
● شركة «تامي - 4» المنتجة لأجهزة تنقية المياه.
● شركة «ترليدور» المنتجة للأسلاك الشائكة.
● شركة «تنور غاز» المنتجة للمطابخ.
● شركة «غايه كوم» المنتجة للهواتف.
● شركة «سكال» للمنتوجات الالكترونية.
● شركة «نعان - دان» المنتجة لمعدات ري.
● شركة «سونول» للوقود.
● شركة «دلتا» المنتجة للمنسوجات.