الفلوجة تهزم القوات الأمريكية

هذا العنوان هو أحد الشعارات التي رددتها جماهير الفلوجة ومقاوموها الأبطال بعد أن شرعت القوات الأمريكية بالانسحاب من محيط المدينة.

لقد وجدت القوات الأمريكية نفسها بعد معارك ضارية دامت أكثر من عشرين يوماً، وبعد مفاوضات طويلة مع ممثلي المقاومة مضطرة إلى الانسحاب جزئياً من أطراف المدينة، فهي لم تستطع الدخول إلى المدينة بفضل صمود مقاتليها وتكبيدهم قوات العدو خسائر فادحة في الجنود والعتاد. وادعى الجنرال أبو زيد أن الانسحاب الجزئي لقواته من الفلوجة يشكل فرصة ـ وليس انسحاباً ـ حفظاً لماء الوجه «لوضع حد للمعارك».

أما اضطرار القوات الأمريكية إلى وقف القتال والتفاوض مع المقاومين كان في الواقع تراجعاً واضحاً، وإذا ما فكروا في مهاجمة النجف لن يفشلوا فقط، بل  أيضاً لن يبقى حليف لهم، بمن فيهم خصوم الصدر ذاته، فهم لايريدون مواجهات مع قوات الاحتلال، غير أنهم، إذا ماوقعت المواجهة فسيقفون مع المقاومة ضدهم، ولايبقى  للمحتلين غير اللصوص الذين جاؤوا معهم من الخارج، وعلى ظهور دباباتهم.

لماذا تصعيد القتال؟

ولو تساءلنا: ماالهدف الذي رمت إليه قوات الاحتلال من تصعيد أعمالها العدوانية في العراق، وفي الفلوجة خصوصاً؟ هناك أسباب عدة منها:

1. فعلى صعيد حركة مقتدى الصدر كان الهدف تصفية وجود الصدر سياسياً، وإنهاء قدرته على المعارضة أو التشويش أو المشاغلة، ولكنها تنسى أن عملاً كهذا سيعطي مفعولاً عكسياً، وسيرغم قيادات الأحزاب الشيعية أن تتخذ مواقف، تحت ضغط جماهيرها ضد القوات الأمريكية، وبالتالي تصعيد المقاومة وشموليتها، وهذا ماتحاول واشنطن تجنبه.

2. أما في الفلوجة فغايتها ضرب عدة عصافير بحجر واحد:

■ تدمير مركز تجمع قتالي واستخباراتي

■ إنهاء قدرة هذا التجمع على التحكم بواحد من أهم الطرق الموصلة إلى الأردن.

■ ثم  إن هذا الطريق يمثل أهم شريان حيوي للجهد العسكري للقوات الأمريكية.

وتساءل أحد الخبراء العسكريين العراقيين:

 هل استطاعت قوات الاحتلال أن تحقق هدفها التعبوي والاستراتيجي المباشر وغير المباشر من الاعتداء على الفلوجة؟ ورد على السؤال بقوله: إن أمريكا ومن معها من دول التحالف الأخرى أخفقت إخفاقاً ذريعاً، وأضاف خبير آخر: إن كل ماتملكه القوات الأمريكية من أسلحة وتكتيكات وخيارات قد سقطت أمام إرادة المقاتل العراقي الذي عرف كيف يستخدم سلاحه، والأهم، كيف يناور، وكيف يستثمر عنصر المفاجأة. إلى جانب قدرة كبيرة تمتع بها المقاتلون، وهي الجانب الاستخباراتي والأمني، إذ تمكنوا من الحفاظ على قدر كبير من سرية تحركاتهم وحشودهم ومناوراتهم ومفاجآتهم، كما تمكنوا من إحباط محاولات الجانب الأمريكي لإحداث خرق أمني بين المقاتلين، إذ تم اكتشاف خونة عدة نالوا جزاءهم.

لماذا أخفقت قوات الاحتلال؟

أما لماذا أخفقت قوات الاحتلال في معركة الاحتلال فله أسباب عدة:

1. عجزت عن تحقيق تسليم المقاومين الذين قتلوا الجنود الأربعة كما عجزت عن إجبار المقاتلين على تسليم أسلحتهم الثقيلة.

2. أخفقت القوات الأمريكية في تأمين حركة آمنة على خط المرور السريع باتجاه الأردن.

3. كما فشلت في تفكيك خلايا المقاومة للقضاء عليها وتصفيتها.

4. لم تستطع فرض الحصار الكامل على الفلوجة ومنع الدخول إليها والخروج منها، وقد كان على حق عندما قال أحد المقاومين: نحن الذين كنا نحاصر القوات الأمريكية لا هم كما يدعون.

نجاحات المقاومة

أما في الجانب الآخر فقد حقق مقاومو الفلوجة الأبطال نجاحاً كبيراً برز من خلال النتائج التالية:

● إسقاط مقولة التفوق العددي والنوعي والعملي والكيفي للقوات الأمريكية.

● إجبار القوات الأمريكية على فتح حوار مباشر مع أهالي الفلوجة لوقف القتال والانسحاب.

● سقوط الرهان على الطائفية، فقد كان التعاون وثيقاً بين المقاتلين في الفلوجة والداعمين لهم من الخارج بالأسلحة والمساعدات وحتى القتال إلى جانبهم أيضاً، لقد تكاتف الجميع في جبهة متراصة واحدة.

● تنامي القدرات القتالية لدى المقاومين مما أجهض على نحو واضح إمكان الادعاء بالتفوق الهجومي للدبابات أو طائرات الأباتشي التي أصبحت هدفاً سهلاً للمقاتلين الذين استخدموا سلاح الـ آ.ر.بي.جي 7 الروسي المضاد للدرع.

● عودة الأمريكيين، مضطرين إلى الاستعانة بأنصار صدام مدنيين وعسكريين سابقين بعد أن رفضوهم قبلاً وسرحوهم من وظائفهم وأوقفوا العمل بقانون اجتثاث البعث.

● إن أي حكومة مؤقتة لايمكن أن تنهض منذ الآن وتؤدي واجباً بمعزل عن موقف واضح ومحدد من الفلوجة.

الدعوة إلى «حل العربي»

بعد غرق الأمريكيين في المستنقع العراقي أخذ الحديث يدور عن «حل عربي» لإخراج إدارة بوش من الورطة التي وقعت فيها، وهذا الحل هو دعوة العرب لإرسال قوات من بلدانهم إلى بلاد الرافدين، لا لإنقاذه من الاحتلال، بل للقتال إلى جانب القوات الأمريكية ضد أشقائهم، أي أنها دعوة لقتل العرب بيد العرب، ولكن هل الاقتراح لم يلق حتى الآن صدى في العالم العربي وقد عبر عن هذا الرفض الرئيس اللبناني أميل لحود حين وصفه بقوله: «إنها دعوة إلى القيام بدور الممسحة لأعمال الأمريكيين القذرة».

هل ستسير الأمور نحو الهدوء والاستقرار؟

إن جميع الدلائل تشير إلى أن الوضع في العراق لايوحي بالتفاؤل والاتجاه نحو الهدوء والاستقرار، لأن الإدارة الأمريكية لاتفكر في الانسحاب. وتصر على البقاء إلى أجل غير مسمى، وكان المبعوث الدولي الأخضر الإبراهيمي قد تحدث عن «سم» الاحتلال الإسرائيلي الذي يعقد مهمته في العراق، وقال مقتدى الصدر كلاماً مماثلاً وقارن بين محنة العراقيين في وطنهم، ومحنة الفلسطينيين في ديارهم تحت نير الاحتلال الإسرائيلي. ففي كلا البلدين فإن الحل الذي سيؤدي إلى السلام والاستقرار لن يمر إلا عبر الانسحاب الكامل لقوات التحالف من العراق والقوات الإسرائيلية من الأراضي الفلسطينية ودون ذلك فلن يكون هناك هدوء أو سلام أو استقرار.

 

■ وحيد الشامي