فساد التحالف في العراق 5.7 مليارات دولار!

اليوم، أصبحت أسوأ مخاوف المجتمع الدولي أكيدة. فرغم القرار 1483 الصادر عن مجلس الأمن وتعيين هيئة رقابة على إدارة السلطة المؤقتة للتحالف للخزانة العراقية، فقد صادرت إدارة بوش بصورةٍ غير شرعية 1.7 مليار دولار، في حين حوّلت زمرة بوش لصالحها 4 مليارات  دولار. إنّ نهب الاقتصاد العراقي لا يتواصل إذن لصالح الولايات المتحدة فحسب، بل بصورةٍ خاصة للصالح الخاص لزمرة بوش.

بوش وبريمر الثالث!

أثناء الجدال الحامي الذي سبق هجوم التحالف على العراق، رفع معارضو الحرب قضيةً على الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، اتهموهما فيها بمحاولة الاستيلاء على الموارد العراقية، وخاصةً الاحتياطي النفطي. بعد الحرب، أفشل هذا الشكّ النقاشات في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. والمحصلة أنّه تمّ تذكير سلطة التحالف المؤقتة بواجباتها، المحدّدة بقانون لاهاي لعام 1907 واتفاقات جنيف لعام 1949، التي تنص على أنّها لا تستطيع استرداد نفقات الحرب عبر نهب البلاد. إنّ تسوية هذه القضية لا تزال بعيدة، وسوف تبرز بالتأكيد من جديد، إذ إنّ الولايات المتحدة قد أقامت منذ الآن ستاراً دخانياً سمح لها بمصادرة أو تحويل 5.7 مليار دولار من الخزينة العراقية. 

القرار 1483 الذي صدر عن مجلس الأمن وجرى إقراره في 22 أيار 2003 «أخذ علماً» بإنشاء سلطة التحالف المؤقتة لصندوق تنمية العراق المكلّف بإدارة موارد البلاد بالتوافق مع «مصالح العراقيين».

هذا الصندوق ملكٌ للمصرف المركزي العراقي، لكنّ إدارته تعود لـمصرف نيويورك الاحتياطي الفدرالي الأمريكي، الذي يترأسه بيتر ج. بترسون. وقد نصّ القرار 1483 على أن يعمل هذا الصندوق في إطارٍ من «الشفافية»، وأن تخضع حساباته لخبراء محاسبة مستقلين، ينبغي أن يخضع اختيارهم لمجلسٍ دوليٍّ للاستشارة والمراقبة يضمّ بصورةٍ خاصة ممثلين عن الأمين العام للأمم المتحدة والمدير العام لصندوق النقد الدولي والمدير العام للصندوق العربي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية ورئيس البنك الدولي. غير أنّ الصندوق يعمل في إطارٍ من أشدّ أشكال التعتيم، وذلك على الرغم من هذه الالتزامات وهذا الترتيب.

وقد زوّد الصندوق على الفور بالأموال الوفيرة كما يلي: 

1.5 مليارات دولار أتت من الواردات النفطية المستثمرة في إطار برنامج «النفط مقابل الغذاء» والتي كانت الأمم المتحدة قد أمرت بمصادرتها؛ 

2.5 مليارات دولار واردة من الحسابات العراقية في الخارج المحتجزة منذ العام 1991 (بعد ضمّ الكويت)، عدا الحسابات المجمّدة في الولايات المتحدة الأمريكية؛

1.5 مليارات دولار واردة من استثمار الموارد النفطية بعد الحرب.

أي ما مجموعه 5 مليارات دولار. 

يتم إخراج الأموال على يد وزير المالية العراقي، بتعليماتٍ من حاكم التحالف، ل. بول بريمر III. 

يتّخذ هذا الأخير قراره بعد استمزاج رأي مكتب فحص البرامج المؤلف من 11 عضواً مقرِّراً (من بينهم سبعة أمريكيين 

وواحد بريطاني وآخر أسترالي 

ووزير المالية العراقي) و10 أعضاء استشاريين 

(6 أمريكيين و4 ممثلين لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي والسكرتير العام للأمم المتحدة والمجلس الدولي للاستشارة والمراقبة). وينبغي أن تعلن جميع المناقصات والتفاصيل الدقيقة للاجتماعات باللغة العربية. 

لكن حتى هذا اليوم، وفي انتهاكٍ لهذه الالتزامات، لم ينشر أيٌّ من هذه الوثائق. 

علاوةً على ذلك، فإنّ السلطة المؤقتة للتحالف قد أقامت مجلساً دولياً للتنسيق مكلفاً بطلب المساعدة الدولية من أجل تمويل صندوق تنمية العراق. بالتعاون مع الحكومة الإسبانية وصندوق الأمم المتحدة للتنمية، نظّم هذا المجلس مؤتمر المانحين لإعادة إعمار العراق، الذي انعقد في مدريد يومي 23 و24 تشرين الأول 2003.

في وثيقةٍ تحضيرية، قدّر صندوق الأمم المتحدة للتنمية الحدّ الأدنى للاحتياجات بمبلغ 56 مليار دولار؛ علماً بأنّ هذا التقدير اعتمد على سعرٍ معقول للأشغال التي ستنفذها شركاتٌ محلية. من المناسب أن نضيف إلى ذلك تسديد 120 مليار دولار من الديون التي تراكمت على العراق، بصورةٍ خاصة أثناء الحرب التي شنتها على إيران لحساب الغربيين سياسياً؛ باعتبار أنّ العراق هو البلد ذو المديونية الأكبر في العالم بالنسبة لعدد سكانه. 

ويصبح المجموع 176 مليار دولار.

لكن ليس هناك دولةٌ في العالم، ولا حتى المملكة المتحدة، رغبت في أن تدفع أدنى مبلغٍ لصندوقٍ يديره بحكم الواقع بول بريمر وحده. قبل ثلاثة أيام من مؤتمر مدريد، وافق البيت الأبيض على إنشاء صندوقٍ مستقل للمانحين، تحت رعاية البنك الدولي، هو الصندوق الدولي لإعادة إعمار العراق.

في مدريد، جمع المجلس الدولي للتنسيق وحكومة أثنار 300 شركة خاصة (134 من الاتحاد الأوروبي و19 من الولايات المتحدة و25 شركة عراقية)، و73 دولة، و20 مؤسسة دولية. على الرغم من تلك الأرقام الكبيرة، فإنّ القوى العظمى قاطعته في واقع الأمر، وقصرت تمثيلها فيه على أدنى مستوى. فعلى سبيل المثال، لم ترسل فرنسا سوى وزيرها المندوب لشؤون التجارة الخارجية، فرانسوا لوس، ورفضت دعم شركاتها الوطنية التي رغبت في المشاركة. وهكذا، اضطر المصرف الفرنسي المسمى BNP-Parisbas للتوجه مباشرةً إلى الحكومة الإسبانية كي يلتحق بالمؤتمر.

بعد انتهاء خطابات النوايا الحسنة، تبيّن أنّ مجموع المبالغ التي قدّمت الوعود بصددها هو بحدود 20 مليار دولار، على شكل قروض أو هبات، تتنوّع تواريخ تسديدها. وهي تشمل  المساعدة الإنسانية مع المساعدة لإعادة الإعمار، وقروض التصدير مع تمويل المشاريع الخاصة. 

اليابان هي ثاني الدول المانحة بعد الولايات المتحدة، ومجموع وعودها نحو

 5 مليارات دولار، تنقسم إلى 1.5 مليارات من الهبات لعام 2004 و3.5 مليارات من القروض ذات الفائدة الضعيفة، تتم جدولتها حتى العام 2007. تحتل الكويت المرتبة الثالثة بين الدول المانحة، بمبلغٍ قدره 1.5 مليارات دولار، وتأتي بعدها المملكة العربية السعودية بمليار دولار، والمملكة المتحدة بـ0.5 مليار دولار. 

لم يعرض الاتحاد الأوروبي سوى 231 مليون دولار، ولم تعلن فرنسا أو ألمانيا، اللتان تساهمان بوفرة في الهبات الأوروبية، أيّ جهدٍ إضافي. كما امتنعت الفدرالية الروسية عن عرض أيّ مبلغ.

حتى هذا اليوم، ليس هناك أيّة ضمانة كي تُدفَع الهبات الموعودة يوماً ما، وفي ما يتعلّق باليابان، من المرجح أن تُنسى لدى حصول تغييرٍ حكومي. 

لإخفاء فشل مؤتمر مدريد، احتسب وزير الخارجية كولن باول العشرين مليار دولار التي خصصها الكونغرس لتدعيم قوات الاحتلال ضمن الهبات والقروض التي جرى الحصول عليها لإعادة إعمار العراق. علاوةً على ذلك، فقد قدّم الرئيس جورج بوش الميزانية الإضافية ومقدارها 87 مليار دولار، التي صوّت عليها الكونغرس، بوصفها مخصصة لإعادة إعمار أفغانستان والعراق، في حين أنّ الأمر يتعلّق بميزانيةٍ عسكرية أساساً. وقد أثار بذلك انتقاداتٍ في بلاده، حيث يستنكر دافعو الضرائب أن يتوجب عليهم الدفع من أجل عراقيين لا يبدون أيّ عرفانٍ بالجميل بعد «تحريرهم».

غير أنّه إذا كانت هذه البهلوانيات في الأرقام تخلق وهماً إعلامياً، فإنّها لا تبدّل الحقيقة. فقد رفض العديد من البلدان الاستثمار في العراق لأنّ الأمن فيها غير مضمون ولأنّ الاعتداءات الأخيرة قد برهنت على عدم إمكانية كسب المال في الوقت الراهن. كما أنّ تلك البلدان نفسها لم ترغب في تقديم المال لصندوق تنمية العراق الذي تديره الولايات المتحدة، ولا للصندوق الدولي لإعادة إعمار العراق بإدارة البنك الدولي، وذلك لتشكيكها في نزاهة سلطة التحالف المؤقتة. 

أولاً، لم تصل الحسابات العراقية المجمّدة في العام 1991إلى مبلغ 2.5 مليارات دولار، بل 4.2 مليار دولار. ويتوافق الفارق، أي 1.7مليار دولار، مع الحسابات الموجودة في الولايات المتحدة والتي صادرتها إدارة بوش بصورةٍ غير مشروعة كي يجري دفعها للخزينة الأمريكية. 

ثانياً، يصل مجموع المبالغ المدفوعة لصندوق تنمية العراق إلى 5 مليارات دولار، في حين أنّ ملياراً واحداً فقط يظهر في الحسابات العامة. وقد جرى تحويل الفارق، أي 4 مليارات دولار، إلى حساباتٍ خاصة على يد الحاكم ل. بول بريمر III لصالح زمرة بوش فقط. وهو مبلغ ربما يستخدم جزئياً لتمويل الحملة الانتخابية الرئاسية. 

 

لقد قامت الولايات المتحدة إذن بنهب5.7 مليارات دولار من الشعب العراقي، لأهداف خاصة أو عامة، في انتهاكٍ للاتفاقيات الدولية وللقرار 1483 الصادر عن مجلس الأمن 

آخر تعديل على الأحد, 20 تشرين2/نوفمبر 2016 15:34