من «تراجيديا الجلبي».. الى «كوميديا الغادري»: غزو أمريكي.. وبيادق سورية!! «خبراء» لم يسبق أن سمع بهم و«بنضالاتهم» أحداً.. التموا حول المائدة الصهيونية ــ الأمريكية

«قال الشر: ألبسوني ملابس الخير والصلاح.. وقال الخداع: ضعوا تاج الأمانة على هامتي.. وقال الظلم: أعطوني صولجان التسامح.. وقال الاستبداد: ألبسوني رداء الحرية..

عند ذلك قال الحق: اتركوني عرياناً فأنا لاأخجل»!!.

■ الشاعر الانكليزي روبنسون

استكمالاً لمسلسل الإرهاب الأمريكي في إعادة تصنيع العالم وفق شخصية «الكاوبوي»، تواصل الإدارة الأمريكية حربها على العالم من تفكيك خرائط الجغرافيا السياسية وتركيبها.. تحقيقاً لحلمها المأفون في زعامة الكون...

وأمام المقاومة الوطنية الشاملة لهذا الحلم الدموي، يبحث رعاة صقور إدارة بوش عن أتباعٍ ودمى لتلبسهم لبوس «الخير والصلاح.. والحرية»، كبدائل عن القوى الحية في دائرة الوطن والخارج، ليكونوا أدوات طيعة ورخيصة بأيديهم في الزمان والمكان المناسبين...

 «ديمقراطيون».. على الطريقة الأمريكية

لم يكن قرضاي (أفغانستان) أولَهم.. وجلبي (العراق) آخرهم... فهاهو المدعو فريد الغادري الذي أطل علينا مؤخراً من واشنطن ليعلن تأسيس «حزب الاصلاح السوري» بعد أن تعهد لأسياده الأمريكان والصهاينة بأن يكون «قوة ضاغطة» بأيديهم لتنفيذ مخططاتهم العدوانية المبيتة على سورية... 

وفي خطوة جديدة تصب في زيادة الضغوطات الأمريكية على سورية،اختتم في واشنطن  اجتماع لما سّمي: «معارضين سوريين مع مسؤولين أمريكيين»، في معهد «إيباك» ـ لجنة الشؤون العامة الإسرائيلية ـ المختصة بشؤون الإعلام والدعاية والضغط لصالح الحركة الصهيونية في الولايات المتحدة.. (للمزيد عن منظمة «Aipac» والغادري، أنظر العدد «205» من «قاسيون»).

«خبراء» لم يسمع بهم أحد!!

و«المعارضون السوريون» المشاركون في هذا الاجتماع والذين اعتبرتهم وسائل الإعلام الأمريكية بـ: «خبراء في الشأن السوري» تحت اسم «اتحاد القوى الديمقراطية السورية» بزعامة الغادري وحزبه... هؤلاء «الخبراء» الذين لم يسبق أن سمع بهم و«بنضالاتهم» أحد من قبل، والذين التموا حول المائدة الصهيونية ـ الأمريكية، ليكونوا شيئاً بعد أن فقدوا ذواتهم ووجوههم.. وكل ما يدل على الملامح الوطنية..، هؤلاء «الخبراء»  الذين ابتدعوا أسماءً لأحزاب وحركات ما أنزل الله بها من سلطان.. من ممثل العشائر السورية.. إلى ممثلة النساء والأولاد السوريين.. مروراً بالحداثة لنعرف أنهم جد معاصرين، وصولاً (للمحفل) ليتباركوا  من المحفل الماسوني.. ولم ينسوا أن يلصقوا عبارة «الديمقراطية» كذيل لتلك الأسماء.. ولوثوا اسم سورية بإضافتها في أخر مسمياتهم...

عقد هذا الاجتماع بإشراف بول وولفوويتز، وبمشاركة فلينت ليفرت المسؤول السابق في مجلس الأمن القومي الأمريكي، وأجروا لقاءات مع عدد من أعضاء مجلس الشيوخ والكونغرس الأمريكي، منهم: إكسلر وإنجل وسام براونباك...

تمخض الجبل فولد غدراً

تمخض الجبل فولد غدراً.. حيث أصدر المجتمعون قبل بدء اجتماعهم المبجل دعوة تحت  عنوان: «العصيان المدني أقوى أسلحتنا»، داعين لتجنيد كافة الوسائل والقدرات.. من أجل: «كسب الشارع السوري قلباً وقالباً عبر مكاشفته بمشروع التغيير من أجل إيجاد (البديل الثالث) للتغيير وتسريعه وتقويته».. هذا «البديل الثالث» يتم بالاعتماد على (المعارضين) والتنسيق معهم في الخارج.. «بالتوافق مع القوى الخارجية التي تشجع وتحاول مساعدة السوريين على إرجاع الديمقراطية»!!..

وفي ختام اجتماعهم أصدروا ماسموه بـ «وثيقة التحالف الديمقراطي السوري» التي حملت عشر نقاط، تبدأ «بتغيير النظام القائم في سورية.. والدعوة لتشكيل حكومة جديدة مؤقتة».. مروراً بـ «عقد صلح دائم مع كافة دول الجوار، وإقامة علاقات تجارية واقتصادية من أجل تحقيق الأمن والاستقرار».. و«اعتماد سياسة اقتصاد رأسمالي حر، وإلغاء كافة قرارات التأميم والقوانين المكبلة»... وصولاً الى التغيير الجذري للمناهج التعليمية والجيش بعد إلغاء الخدمة العسكرية...

وانتخب المجتمعون الغادري رئيساً للتحالف الجديد لمدة ستة أشهر..

هشاشة مسلحة!

وقد أجمع الكثير من المحللين على هشاشة هذا التحالف الناجمة عن هشاشة القوى والأفراد المنضوين تحته... والذي يعبر، في نهاية المطاف، عن عدم قدرة الولايات المتحدة الأمريكية على كسب معارضين حقيقيين  وذوي شأن في الساحة السورية.. إلاّ أن خطورة هذه القوى تتمثل في دعم المؤسسات الكبرى والصانعة للقرار والخبر.. حيث أن معهد واشنطن لدراسات الشرق الادنى هو معهد نشيط في المجال الاعلامي ويساهم العاملون فيه بكثير من البرامج التلفزيونية ويقدمون تعليقات على معظم الاحداث الهامة في المنطقة ، ولهم نشاط واضح في اشهر الصحف الاميركية مثل: «النيويورك تايمز»، و«الواشنطن بوست»، و«وول ستريت جورنال»، و«لوس انجلوس تايمز»، وغيرها..

والأكثر خطورة هنا هو علاقة المعهد الوثيقة بالكيان الاسرائيلي، حيث انه يقيم اكثر من اربعين ندوة سياسية سنويا، يساهم فيها رؤساء وزراء هذا الكيان مثل: اسحاق رابين، شمعون بيريز، بنيامين نتنياهو، ايهود باراك، آرائيل شارون... بالإضافة الى العديد من وزراء خارجيتهم.. 

كما أن المعهد يستضيف سنويا برنامجاً باسم «رفاق السلاح» ، يجتمع فيه عدد من كبار المسؤولين في القوات المسلحة الأمريكية، والإسرائيلية، والتركية والأردنية بهدف تقوية الروابط بين هذه الدول.. ويصدر هذا المعهد اكثر التقاريرعداءً وتطرفا ضد سورية...

نماذج.. من زمن بوش

لم يكن الرئيس بوش، الذي يصفه مواطنوه بأنه «أبله ومعتوه»، صدفة طارئة في ظل الزمن الأمريكي الرديء الذي يخيم على العالم.. وإنما هذا الزمن الرديء بحاجة لأشخاص أكثر رداءة لتكتمل الصورة الشوهاء «لرجالات» هذا العالم.. فبعد سعي إدارة الحرب الأمريكية لشطب مفهوم «سيادة الدولة الوطنية» من القاموس السياسي، وإعادة تقسيم العالم حسب مصالح الاحتكارات الكبرى، كان لابد لها من شطب مختلف القيم والمصطلحات الأخرى.. لتصنّع «قادة وأحزاباً وزعماءً ودولاً» وفق وصفة رعاة البقر..

مفارقات فريدة!!

وفي موضوعنا هنا، كان الغادري نموذجاً فريداً لقواد عالم اليوم.. ونحن لانظلمه أو نجافي الحقيقة في ذلك... فالذي لايعرفه، عرفه من خلال برنامج «من واشنطن» الذي بثته محطة الجزيرة الفضائية يوم 20/11/2003، تحت عنوان: «المعارضة السورية في الخارج والابتزاز السياسي»، والذي شارك فيه الغادري وبعض أركانه في «اتحاد القوى الديمقراطية السورية».. فقد كشف هذا اللقاء عن السوية الوضيعة للسيد غادري التي تصل الى حد الجهل المطبق في الثقافة السياسية وركاكة الطرح.. فهو لايعرف إلاّ مالقنه إياه أسياده بإحلال المشروع الأمريكي الصهيوني على الأرض السورية.. وفي هذا الصدد، نقتطف بعض إجابات الغادري في هذا البرنامج:

■ «نحن بنعتبر إنه.. إنه الوضع الحالي بسوريا مو محمول، ما بقى نقدر نتحمل، الشعب السوري ما بقى يقدر يتحمل، ونحن ها التحالف الديمقراطي اللي وصلنا لإله، أهدافه إنه نعطي الشعب السوري الحرية والديمقراطية، ونقدر نوصل لإله، لها الشعب السوري، ليعرف بنفسه إنه فيه قوى من الخارج عم تعمل عن الطرق السلمية، عن طريق السلام»..

■ «نحن موجودين في واشنطن، دُعينا إلى واشنطن للعمل، لهذا العمل، ونحن بيشرفنا إنه نقدر نتعامل، نتعاون مع بلد ديمقراطي لكي.. لكي ندخل الديمقراطية إلى سوريا.. أميركا ديمقراطية مو بحاجة لإلي لأغيرها لأميركا، وأنا بيسعدني وبيسرني إنه أعرف ها البلد هايدا، وتعلَّمت منه الديمقراطية والحرية»..

■ «ما لازم أنا سماني مرتزقة الأخ هيثم، بس أنا مش راح أجاوب عن الموضوع هايدا، أنا الأساس أنا جاي كسوري إنسان سوري مواطن سوري رايد أحرر الشعب السوري من حزب البعث، لما الأخ.. الأخ هيثم بيحكي بالديمقراطية بسوريا، وما فيه أي إنسان بيقدر ليقوم بأي عمل.. عمل.. عمل سياسي بسوريا، الناس مظلومين بسوريا، شيء.. شيء مضحك هذا الشيء»...

■ «أنا.. أنا.. نحن بنعتبر إنه الطريقة الوحيدة اللي بنقدر نسترد فيها الجولان هي عن طريق السلام، مو عن طريق الحرب، سوريا وحزب البعث اختاروا الحرب من أربعين سنة لحد اليوم ما استردوا الجولان، نحن بنعتبر إن إحنا بنؤمن.. بنصدق إنه إذا.. إذا استخدمنا السلام مع إسرائيل هنحصل على الجولان».

بين «معارضة».. والمعارضة!

ومما زاد الغادري حرجاً في الندوة التلفزيونية، مداخلة الأستاذ هيثم مناع، التي نقتطف منها:

● «.. عليَّ أن أطرح وجهة نظر أساسية في العمل الديمقراطي والنضال من أجل الديمقراطية في تراث البشرية وفي يومنا وفي كل مكان وزمان، النظام الديمقراطي عملية تراكمية، هذه العملية لها تاريخ ولها جغرافيا، لها طعم ورائحة، وأخلاق وقيم، ولا يمكن أن تُبنى بمرتزقة جدد، ولا يمكن أن نتحدث بها بخطاب لرئيس دولة أخرى، لا يمكن أن تنبع إلا من أعماق المجتمع ومن تربية أبناء هذا المجتمع، ومن نضال أبناء هذا المجتمع، وبالتالي فأي اعتماد أو طريقة تفكير خارجية هي بالأساس عملية غير ديمقراطية»..

● «.. ما يقدِّمه الجلبي، أي الأصل، كان مشروعاً كارثياً، فكيف بالكاريكاتير؟»..

● «.. كيف يمكن أن نساوم أو نناقش لإرضاء الإدارة الأميركية في هذا الموضوع، الحقيقة أنا أخجل من أن يحمل أشخاص الجنسية السورية ويقولون هذا الحديث بهذا الخنوع»..

● «..لايمكن أن ندخل ببرنامج أميركي في الأراضي السورية، هذه عملية غزو من الإدارة الأميركية عبر أشخاص سوريين»..

● «لا يمكن إقامة صرح الديمقراطية بحجارة الفساد لابد من إقامة الصرح الديمقراطي بمناضلين ديمقراطيين»..

بين الروبوت.. والشعوب!

■ سبق لليابانيين أن نجحوا في تصنيع روبوتات آلية تسير وفق الطلب.. فهل تنجح أمريكا في صنع روبوتات «بشرية» تمسح الوجدان والذاكرة الوطنية لدى الشعوب؟!.. 

■ إن تَحقَقَ  ذلك على بعض القطع «الفريدة»، هل نفهم أن التجربة ستنجح؟!!

■ لأمريكا أن تجرّب خياراتها عبر أوراقها الصفراء..

■ وللشعوب حكاية بدأتها الجدات منذ القدم.. لم تنته بعد...

■ كمال مراد

 

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.