اتفاق جنيف والتفريط بالثوابت الوطنية الفلسطينية
مادخلت القيادة الفلسطينية في مفاوضات مع الإسرائيليين إلا وخرجت منها خاسرة، وذلك بتقديم تنازلات جوهرية لصالح المحتلين الصهاينة، والانتقاص من حقوق الشعب الفلسطيني وكان اتفاق أوسلو المشؤوم خير نموذج على ذلك، إذ تنازلت عن قضايا الحل النهائي وقبلت بالقضايا الفرعية.
وقد خرجت إسرائيل كالعادة هي الرابحة بعد أن كانت انتفاضة الحجارة التي دامت ثماني سنوات قد أنهكتها داخلياً وعزلتها دولياً. وقال شمعون بيريز بعد أن اتفاقية أوسلو: «لقد خوزقنا الفلسطينيين» لكن الشعب الفلسطيني رد على ذلك بالقيام بانتفاضة القدس والتي دخلت عامها الرابع بشكل أوسع لاسترداد حقوقه التي ترفض إسرائيل إعادتها إلى أصحابها الشرعيين.
مبادرة جنيف
وفي الفترة القريبة الماضية وقع نحو خمسين شخصاً من المفاوضين الإسرائيليين والفلسطينيين غير الرسميين شكلاً في الأردن على وثيقة سميت بـ «مبادرة جنيف» للحل النهائي بقضاياه الخمس: الدولة الفلسطينية، القدس، اللاجئون، المستوطنات، الحدود.
وكان صاحب المبادرة «يوسي بيلين» الوزير السابق وأحد مهندسي اتفاقية أوسلو، ومعه أشخاص آخرون، وشارك في التوقيع من الجانب الفلسطيني ياسر عبد ربه رئيس الوفد القريب من ياسر عرفات وقد لقي الترحيب والدعم من مهندسي اتفاقية أوسلو محمود عباس وأحمد قريع، ومباركة صامتة من ياسر عرفات.
الرابح والخاسر
ولمعرفة من الرابح و من الخاسر من اتفاق جنيف الذي سيوقع عليه بعد العشرين من شهر تشرين الثاني الحالي، لابد من استعراض القضايا الخمس الأساسية للحل النهائي:
1. الدولة الفلسطينية:
ينص الاتفاق على أن الدولة الفلسطينية ستشمل قطاع غزة و 97.5% من أراضي الضفة الغربية في تبادل أراض بنسبة 1.1% مع تمتع الدولة الفلسطينية بتواصل إقليمي عن طريق «رواق آمن» ولكن «تحت السيادة الإسرائيلية» و «تحت الإدارة الفلسطينية» ومع أن هذه الدولة تصل ظاهرياً إلى 100 % من الأراضي التي احتلتها إسرائيل في 4 حزيران 1967، لكن ذلك ينطوي على مغالطة وخداع، لأنه لاتحسب المساحة التي اقتطعتها إسرائيل من الضفة الغربية وضمتها إلى نطاق حدود بلدية القدس، وأقامت عليها مدناً استيطانية، وستكون الدولة الفلسطينية مجردة من السلاح من طرف واحد، وستفرض عليها قيود على نوع السلاح و حجمه الذي يسمح له، كما يحظر عليها إنتاج السلاح، ولايحق لأي شخص أو منظمة باستثناء الشرطة الفلسطينية حيازة السلاح، أو حمله، ويعمل الطرفان على وقف «الإرهاب» أي المقاومة، وهذا طلب إسرائيلي أمريكي بحت، ويعطي الاتفاق لإسرائيل الحق في استخدام سلاح الجو الإسرائيلي للمجال الجوي للدولة الفلسطينية لأغراض «التدريب» أو بالأصح «الترهيب».
2. القدس:
تقسم القدس حسب الاتفاق، وحسب مقترحات كلينتون سابقاً على النحو التالي:
■ الأحياء الإسلامية والمسيحية والأرمنية تنقل إلى الفلسطينيين.
■ الحي اليهودي وحائط المبكى يبقيان بيد إسرائيل.
■ الحرم والمسجد الأقصى وقبة الصخرة تحت السيادة الفلسطينية ورقابة أمنية دولية.
■ السيادة على البوابات:
· باب العمود والساهرة والأسباط تحت السيادة الفلسطينية.
· باب داوود والمغاربة تحت السيادة الإسرائيلية.
· باب الخليل سيكون تحت السيادة الفلسطينية وبإشراف دولي.
3. المستوطنات:
■ كل مستوطنات غزة تنقل إلى الفلسطينيين.
■ أما في الضفة الغربية فستكون مستوطنة «أريئيل» خارج حدود إسرائيل وكذلك مستوطنات كريات ... في الخليل، أي مسمار جحا في جسد الدولة الفلسطينية؟.
■ ستتبادل إسرائيل مع الفلسطينيين الأراضي التي ستضم المستوطنات في «غوش عيصون» و «اللطرون» ولكن المستوطنات في محيط القدس فستبقى في يد إسرائيل، وبذلك تكون إسرائيل قد حققت مشروع «القدس الكبرى».
4. اللاجئون:
لاينص الاتفاق على عودة اللاجئين إلى وطنهم وديارهم حسب قرار مجلس الأمن 194، وهو أحد الثوابت الفلسطينية وأن ما اتفق عليه فيعتبر الحل النهائي لمشكلة اللاجئين ووضع الاتفاق اللاجئين أمام خمسة خيارات:
■ التوطن في البلدان العربية التي استضافتهم كالأردن وسورية ولبنان.
■ أو التوطن في الأراضي التي ستنتقل إلى الفلسطينيين في النقب.
■ أو الهجرة إلى الدولة الفلسطينية.
■ أو الهجرة إلى دولة ثالثة توافق على استيعاب لاجئين.
■ أو الهجرة إلى إسرائيل، والحكومة الإسرائيلية ستنظر في إمكانية استيعاب عدد من اللاجئين وهو متوسط ما تستوعبه باقي الدول.
5. الحدود:
تطبق ترتيبات خاصة على الحدود بين فلسطين والأردن وبين فلسطين ومصر. وكل نقاط الحدود تشرف عليها قوة متعددة الجنسيات. وبعد خمس سنوات سيعاد فحص الموضوع بما في ذلك نقل الإشراف إلى الحكومة الفلسطينية بموافقة الطرفين.
دولة فلسطينية منقوصة السيادة
إن وثيقة جنيف تعتبر أول وثيقة فلسطينية خول فيها موقعوها حق التنازل عن قرارات الشرعية الدولية والثوابت الوطنية وخاصة القرار الدولي 194 الذي أعطى اللاجئين الحق في العودة إلى وطنهم وديارهم، أما المطروح في الاتفاق فهو حق العودة إلى الدولة الفلسطينية أو فرض خيار التوطين على الجماهير الفلسطينية في الشتات.
كما أن التنازل عن هذا الحق وضع مستقبل أكثر من مليون وربع فلسطيني المعروفين باسم عرب 48 والذين ظلوا صامدين ومرابطين وظهرهم إلى الجدار كما قال محمود درويش في فلسطين، ودفعوا لتثبيت هويتهم الوطنية والقومية وحقوقهم تضحيات ودماء زكية ومازالوا متخندقين في مواجهة كل الأشكال العنصرية المتصاعدة على هويتهم ووجودهم.
إضافة إلى ذلك فإن القبول بالشروط الإسرائيلية سيحول الدولة الفلسطينية إلى مجرد محمية إسرائيلية منقوصة السيادة لاتملك سوى جزء يسير من رموز الاستقلال وتفتقد لأي مضمون من السيادة الوطنية، أما التبادل الذي فرضته إسرائيل للأراضي فقد حقق لها الأهداف التي أرادت المستوطنات أن تحققها كثمرة لاحتلالها باقي الأراضي الفلسطينية عام 1967 وبذلك تكون إسرائيل قد انسحبت شكلاً إلى حدود 4 حزيران عام 1967، وليس إلى المناطق التي يجب أن تنسحب إليها.
وما تقسيم القدس الشرقية والتنازل عن قسم من أحيائها ا لمحتلة عام 1967 وشطرها إلى قسمين إلا تفريط آخر بأحد أهم الثوابت الوطنية.
ولاشك أن توقيع ما يسمى باتفاق جنيف ثم وضعه موضع التنفيذ سيؤدي إلى إجهاض المقاومة الفلسطينية الثانية والتي قدمت تضحيات هائلة من أجل الحريةو الاستقلال.
الشعب الفلسطيني صاحب الكلمة النهائية:
إن التنازلات التي قدمها الوفد الفلسطيني المفاوض تتنافى كلياً مع ثوابت الشعب الفلسطيني، وإن الشعب الفلسطيني هو صاحب الكلمة الأولى والأخيرة، وهو قادر على منع القيادة الفلسطينية من متابعة طريق التنازلات حيث لا بديل عن متابعة النضال من أجل الاستقلال وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس.