الاحتلال الأمريكي يجذب كل من يريد الثأر

دخلت الإدارة الأمريكية في سباق مع الزمن في سعيها المحموم لاحتواء التداعيات السياسية السلبية لتدهور الوضع الأمني في العراق، على المعركة الرئاسية المقبلة، وعلى الرئيس بوش ذاته ـ بعد أن تزايدت اعترافات عدد من المسؤولين الأمريكيين بأن القوات الأمريكية في العراق عاجزة عن وضع حد للمقاومة، وأقروا بصعوبة الوضع الأمني في العراق، مما يدفع الرئيس بوش وبطانته لبذل جهود محمومة «لضبط» الوضع وخفض حجم الخسائر في صفوف جنودهم.

تسليم الأمن للعراقيين..

وبعد أن أخفقت إدارة بوش في جعل احتلالها شرعياً في الأمم المتحدة. وجر أكبر عدد ممكن من الدول لإرسال قوات إلى العراق للتخفيف من خسائر قواتها، لأن الشعوب تعارض ذلك، أخذت هذه الإدارة تركز على الإسراع في تسليم قضايا الأمن للعراقيين نيابة عنها، ويحذر خبراء من أن فشل خطط زيادة عدد القوات العراقية للقيام بالمهمات الأمنية، سيضعف بشكل كبير حجم التأييد داخل الولايات المتحدة لبقاء القوات الأمريكية في العراق، وسيضع إدارة بوش في وضع حرج، ولذلك كثرت تصريحات مسؤولين أمريكيين في البنتاجون بأنه لابديل عن وضع المسؤوليات الأمنية على عاتق العراقيين، بعد أن سدت المنافذ الأخرى.

الاستعداد للهرب من العراق

وقالت مراسلة صحيفة «الغارديان» البريطانية في واشنطن أكثر من ذلك حين كتبت في مقالتها: إن الإدارة الأمريكية تشن حملة علاقات عامة لإقناع الرأي العام الأمريكي بهدفين متناقضين ظاهرياً هما: إعادة الأمن إلى العراق و سحب القوات الأمريكية وإعادتها إلى الوطن، وأضافت الصحفية: إن السياسة التي تتبعها إدارة بوش تعيد للأذهان السياسة التي اتبعها قبله الرئيس ريتشارد نيكسون قبل انسحابه من فيتنام، وإنها تعطي الانطباع باستعداد الإدارة الأمريكية للفرار من العراق، بعد أن تأكد لديها جدوى  عمليات المقاومة ضد قواتها وعجزها عن وضع حد لها، وتبين أن خيارات الإدارة أصبحت محدودة.

السلوك الأمريكي يزيد النار اشتعالاً

ومما يزيد الأمور سوءاً هو سلوك القوات الأمريكية الشائن تجاه السكان المدنيين الآمنين، إذ تلجأ إلى اعتقال أقارب من تشتبه بأنهم نفذوا هجمات عليها، وبينهم نساء، كمن يصب زيتاً على النار ويزيدها اشتعالاً، ونقلت صحيفة «الواشنطن بوست» عن «نصر الله مخلف» أحد شيوخ قبيلة «أبو الفهد» المنتشرة حول منطقة الخالدية قوله: هناك خطان أحمران لا يمكن اختراقهما، ولكن القوات الأمريكية اخترقتهما منذ سقوط نظام صدام حسين: قتل الأبرياء، وإساءة معاملة أقرباء الشخص، وأضاف: من غير الممكن أن نترك هذا يمضي من دون رد، علينا الانتقام.

المقاومة تطور أدواتها وتكتيكاتها

ومما يزيد الموقف الأمريكي حرجاً في العراق هو أن المقاومة تتصاعد باستمرار وتطور نشاطها وأساليبها، إذ تصل عملياتها باعتراف الأمريكيين أنفسهم إلى معدل 25 عملية، وصار عملها يشمل إسقاط الطائرات المروحية، والهجوم بالصواريخ على مقرات قيادات عسكرية، وتفجير ألغام أرضية تحت الدوريات المحمولة، إضافة إلى نصب كمائن وبث ألغام في جميع الأماكن التي تتحرك فيها قوات الاحتلال، وليس مستبعداً أن تتوسع العمليات لتشمل استخدام قناصة وعمليات خطف للجنود الأجانب، وخصوصاً الأمريكيين مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية.

وإذا كانت قوات الاحتلال عاجزة عن تأمين الحماية لنفسها فهي عاجزة أكثر عن تأمين الحماية للمتعاونين معها، ومن أحدث إفرازات هذا الوضع المتردي هو استقالة عدد من المسؤولين العراقيين في عدد من مناطق العراق احتجاجاً على انعدام الأمن، وحملة الاعتقالات العشوائية التي شملت حتى شخصيات عامة لها صلات بقوات الاحتلال.

مفرزات الاحتلال وإرهابه

إن الاحتلال الأمريكي للعراق والسلوك الذي يتبعه الجنود الأمريكيون تجاه الشعب العراقي، جعل الشعب كله يحمي المقاومين وبرفض الإخبار عنهم. وفي تقرير لأحد الخبراء الأمريكيين قال فيه: «إن عمليات الانتقام ليست موجهة إلى الجندي الأمريكي لأنه احتل أرض العراق فقط، بل أيضاً لأنه تواطأ مع إسرائيل لاحتلال مصر وسورية ولبنان، وقد تحول الوجود الأمريكي في العراق إلى عامل جذب لكل الذين لهم ثأر عند الأمريكيين، وانتظرت وصول جنودهم إلى العراق لتنتقم منهم، وهذا ما يحدث الآن».

إن كل رصاصة تطلق في العراق، من أي قوى كانت، ضد القوات الأمريكية المحتلة، وكل طائرة تسقط، وكل جندي يقتل، وكل آلية تدمر أو تحرق ليست إلا مسماراً في نعش الإمبريالية الأمريكية. والذي سيقصر عمرها ويجعلها أقل إمبريالية عمراً في التاريخ من حيث الزمن والبقاء.        

■ محرر الشؤون العربية

 عادل الملا

 

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.