مع تصاعد المواجهات في الأراضي المحتلة.. دول العالم و3000 منظمة غير حكومية توجه: صفعة.. للولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل

فيما أعلن الوفدان الأمريكي والإسرائيلي انسحابهما الشائن والمذل من مؤتمر دوربان لمناهضة العنصرية والتمييز العنصري بما يشكل انتصاراً مسبقاً للقوى المناهضة للصهيونية العالمية بغض النظر عن صيغة البيان الرسمي الختامية، تتواصل في الأراضي العربية المحتلة سلسلة المجازر الإسرائيلية بحق أصحاب الأرض الفلسطينيين، وذلك في الوقت الذي تتواصل فيه عمليات التباعد في تنسيق وتوحيد المواقف العربية بما ينسجم مع مقتضيات المواجهة.

مسلسل الجرائم الإسرائيلي

فبعد ارتكاب جريمة اغتيال القائد الوطني الفلسطيني أبو علي مصطفى الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وبعد المحاولة الفاشلة لاغتيال قيس أبو ليلى أحد قياديي الجبهة الديمقراطية، أقدمت الحكومة الإسرائيلية، وأيضاً عبر أجهزتها العسكرية والأمنية، على اغتيال نائب مدير الاستخبارات العامة في السلطة الفلسطينية، وذلك ضمن إطار حرب التصفية المفتوحة غير المعلنة التي يلجأ إليها الاحتلال الإسرائيلي والتي تشمل استهداف قادة النضال الوطني الفلسطيني ورموز السلطة الفلسطينية على حد سواء إلى جانب مواصلة سياسة قصف المدن وتطويقها وإعادة احتلالها مع اقتلاع المنازل والأشجار بما يفوق أبشع الممارسات التي شهدها تاريخ البشرية.

وإزاء ذلك ولأن الفلسطينيين ليس لديهم ما يخسرونه تواصل الانتفاضة الفلسطينية الباسلة فعالياتها النضالية وتصديها بالسلاح الخفيف للدبابات الإسرائيلية الغازية مجدداً إلى جانب العمليات الاستشهادية التي أوقعت عدداً من القتلى والجرحى في صفوف الإسرائيليين والتي كان من بينها العمليات التي نفذتها كتائب الشهيد أبو على مصطفى مؤخراً..

الصراع: عربي - إسرائيلي

أما سياسياً ومع تداول التصريحات لوجود وساطتين أوربية ومصرية لعقد لقاء بين رئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات وشمعون بيريز وزير الخارجية الإسرائيلي ومع عدم توقع ياسر عرفات لانعقاد ذاك اللقاء قريباً حسب قوله تنعقد بعض الآمال على الزيارة المرتقبة التي سيجريها الأخير إلى دمشق باتجاه إعادة التنسيق «الرسمي» الفلسطيني معها بما يعيد الصراع إلى حقيقته صراعاً عربياً إسرائيلياً لا فلسطينياً إسرائيلياً مجتزأً.

وعلى الجانب الآخر يكاد يجمع معظم المحللين أن استقبال موسكو بوتين لرئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون يعكس تخبطاً في السياسة الخارجية الروسية ولكن دون توقع أن يتمكن مجرم الحرب من تحصيل انقلابات كبرى في سياسة الكريملين لصالح تل أبيب في الوقت الذي تحاول فيه روسيا استرجاع بعض من هيبتها ووزنها المكافِئ دولياً.

تخاذل مكشوف

غير أن المفارقة تكمن في المواقف المتخاذلة لدى بعض الأطراف العربية ومنها ممن يُعتبرون من أصحاب الأوزان الفاعلة في المنطقة، وتجلى ذلك على سبيل المثال في اجتماع وزراء خارجية الدول العربية الذي انعقد في الدوحة والذي أصرت فيه بعض الجهات على إبقائه مغلقاً لأنها لا تريد له الخروج بنتائج محددة وملموسة وملزمة للأطراف كافة..

كما أن مصر، المحكومة باتفاقات كامب ديفيد ورغم كل التقارب القائم بينها وبين سورية، لا تزال تلعب مناوراتها التوفيقية التضليلية من لعب دور الوساطة بين الفلسطينيين ودولة الاحتلال الإسرائيلي، إلى محاولة تمرير بنود تقرير لجنة ميتشيل بديلاً عن مرجعيات الشرعية الدولية، وصولاً إلى المداخلة الخجولة التي قدمها وزير الخارجية المصري أحمد ماهر في مؤتمر دوربان رافضاً فيها (واستكمالاً لتصريحات رسمية نشرتها الصحف القاهرية) المطالبة بإعادة مساواة الصهيونية بالعنصرية بل مقتصراً على إدانة الممارسات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين والممارسات العنصرية الغربية بحق العرب والمسلمين.

الشعوب لا تنسى..

ولكن الضربة القاسية التي تلقتها الولايات المتحدة وربيبتها إسرائيل وكل من لفّ لفهما جاءت بداية على يد البيان الختامي لاجتماع المنظمات غير الحكومية الذي اعتبر إسرائيل دولة عنصرية محتلة يحق للشعب الفلسطيني مقاومتها بكل الوسائل. وجاءت الصفعة الثانية عندما «اضطرت» الولايات المتحدة ودولة الاحتلال إلى الانسحاب من مؤتمر دوربان قبل انتهاء أعماله وذلك احتجاجاً على ما أسمياه «النبرة المفعمة بالكراهية ضد إسرائيل» حسب توصيفهم والتي أضاف عليها وزير الخارجية الإسرائيلي تهمة «العداء للسامية» الجاهزة والممجوجة.

وتآمر خائب

ويُظهر الانسحاب أن التطمينات التي حصل عليها رئيس الوفد الإسرائيلي حسب قوله من كوفي عنان الأمين العام للأمم المتحدة وماري روبنسون المفوضة العليا لشؤون حقوق الإنسان لدى المنظمة الدولية (وهي التي دفعها انزعاجها من الموقف الحاسم ضد الصهيونية العنصرية لدى المنظمات غير الحكومية للاعتراف بيهوديتها علماً بأن ذاتيتها تقول بأنها كاثوليكية) من أنهما سيبذلان ما في وسعهما لإلغاء العبارات التي تزعج إسرائيل من مسودة البيان الختامي، لم تفده كثيراً فاضطر للانسحاب خائباً.

كذلك لم تفلح فيما يبدو الدعوة التي وجهها عنان وروبنسون للمؤتمرين باتجاه الابتعاد عن «قضية الشرق الأوسط» والاهتمام ببحث القضايا المهمة الأخرى كالرق وحقوق الأقليات العرقية والسكان الأصليين، وما رافق هذه الدعوة من محاولات أمريكية إسرائيلية للإيقاع بين المجموعتين العربية والأفريقية في المؤتمر بدعوى أن الثانية تحاول اختطاف نتائجه من الأولى عبر التركيز على إدانة الصهيونية وتجاهل التعويضات عن الرق.

الصهيونية والرق: وجهان لعملة واحدة

وشانهم شأن السود في دول الشمال أدركت دول الجنوب التي تعاني من عنصرية وإمبريالية الشمال أن الولايات المتحدة، وأوربا أيضاً، تخشيان من فتح موضوع التعويضات تماماً كما تخشى من قضية مساواة الصهيونية بالعنصرية انسجاماً مع وقائع التاريخ والحياة اليومية، وهو ما دفع برئيس ، جنوب أفريقيا، الدولة المضيفة للمؤتمر، ثابو مبيكي، إلى الإعراب عن أسفه من الانسحاب الأمريكي بعد أن سبق له أن ألقى باللائمة على الدبلوماسية العدوانية التي تبنتها واشنطن نيابة عن إسرائيل في فترة التحضير للمؤتمر مضيفاً ما مفاده أنه كان حرياً بواشنطن أن تحضر لمناقشة ما تعترض عليه دون التلويح بالمقاطعة. ويناسب هذا الرأي في حقيقة الأمر ما تنسبه واشنطن لنفسها من مسؤوليات عالمية جسام في ظل ما تسميه بنظامها العالمي الجديد، ولكن يبدو أن مسؤوليات «الدركي العالمي» تتضاءل عند محاولة المساس بإسرائيل، وهو ما يعكس تنامي التحالف العضوي بين الولايات المتحدة ودولة الاحتلال في ظل الإدارة الأمريكية الجديدة وانتقاله إلى حالة نوعية جديدة.

ممارسات لن تمر «دون حساب»

وبطبيعة الحال وإلى جانب الشعارات المناهضة لإسرائيل وعنصريتها والتي لم تجامل حتى في اتهام جورج دبليو بوش بأن يديه ملطختان بالدم الفلسطيني وحتى في المطالبة بالتوقف عن سفك دم أطفال العراق، وهو ما اتضح في نشاط أكثر من 3000 منظمة غير حكومية حضرت إلى دوربان مجبرة بقوة منطقها المنظمات اليهودية على التقوقع داخل صندوق «العداء للسامية» المهترئ فقد تميزت إلى جانب كلمتي الرئيس الكوبي فيدل كاسترو والجامعة العربية في المؤتمر الرسمي كلمة وزير خارجية الجمهورية العربية السورية السيد فاروق الشرع التي ذكّرت ودون مواربة بحقيقة إسرائيل وعنصرية الحركة الصهيونية، داعية شرفاء العالم إلى مقاطعة مرتكبي الجرائم العنصرية، كون العنصرية تشكل «خلاصة الشرور في العالم». كما أكدت كلمة سورية أن «إسرائيل ستكون مخطئة كثيراً إذا ما اعتقدت أنها تستطيع مواصلة أعمالها الإجرامية دون حساب»..

التاريخ لا يجامل

وإذا ما كان قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 3379 لعام 1975 قد ساوى الصهيونية بالعنصرية، وإذا كان الفقر الناجم عن الأشكال الاستعمارية القديمة والجديدة والمركبة فيما بينهما لا يزال يرهق كاهل دول العالم الثالث بما يشمله ذلك من ديون وإرث عبودي ثقيل لم تندمل آثاره بعد، يعود السؤال:

ما الذي تغير حتى يجامل العالم المتمدن إسرائيل والمراكز الاستعمارية الأخرى ويرفع عن صهيونية الأولى واستراتيجيات الأخرى طابعهما العنصري؟

والجواب الذي تقدمه دولة الاحتلال وهذه المراكز يومياً:

 

لا شيء سوى المزيد من الدبابات الإسرائيلية المتخصصة للفتك بأطفال فلسطين والمزيد من سياسات التهميش والإفقار والإقصاء، وهو ما يلقى إدانة تتسع جبهة طليعتها المقاومة ميدانياً باطراد أيضاً..