حماية أفغانستان من الديمقراطية
أكثر حمقاً ما قيل بخصوص تورط الولايات المتحدة في أفغانستان أن قذف أربعين ألف جندي إضافي في بؤرة الخطر هو أفضل طريقة لحماية الثمانية والستين ألف جندي أمريكي الموجودين فيها!! لا شك في أن أتباع هذه الخطة لم يقرؤوا تقرير الجنرال ستانلي ماك-كريستال الرامي إلى زيادة عدد القوات.
ترجمة: موفق اسماعيل
الجنرال صريح بقدر ما هو مخطئ في تحديد هدف هذه المهمة القابلة للتوسع والتمديد، المتمثل بإعادة قولبة نمط الحياة الأفغاني وفقاً للصورة الغربية، بواسطة تعريض القوات الأمريكية لمزيد من الأهوال، بدلاً من تقليصها. كما أن الجنرال صريح أيضاً في تحدثه عن وجوب انتشار الجيش الأمريكي في جميع أنحاء ضواحي أفغانستان الوعرة القاسية و«غير المضيافة»، ليتمكن بالتالي من الدخول في عمق أسلوب الحياة الأفغاني لأجل كسب قلوب وعقول الناس، الواضح أنهم لا يرغبون بالمزيد من خدماتنا!
علاوة على أنه (أي الجنرال)، دون أن يقدم أي دليل يدعم فرضيته، يخطئ في إشارته إلى أن تمكُّنَ أول قوة أجنبية من إعادة تشكيل أسلوب الحياة الأفغاني بنجاح، هذه المهمة العليا وباهظة التكاليف ستترافق مع هزيمة إرهابيي تنظيم القاعدة! مع أنه، حسب تصريح كبير مستشاري الرئيس، لم يبق في أفغانستان من عناصر تنظيم القاعدة سوى أقل من مائة عنصر، غير قادرين على شن أي هجوم. فبقايا قوات «الأفغان العرب» التي جمّعتها الولايات المتحدة أساساً لمحاربة السوفييت، أمست اليوم معزولة عن مقاومة السكان، أهل البلد.
أما «ماثيو هوه»، النقيب في المارينز سابقاً، ضابط الخدمات المسؤول عن أكثر المناطق الأفغانية سخونة حالياً، فقد ذكر في رسالة استقالته مؤخراً أننا انزلقنا إلى حرب أهلية دائرة منذ خمسة وثلاثين عاماً بين أناس ريفيين «يريدوننا أن ندعهم وشأنهم»، وإلى إسناد حكومة فاسدة مدنية تصر الولايات المتحدة على دعمها. ماثيو الذي أعلن استقالته بعد عشر سنوات من الخدمة العسكرية بين العراق وأفغانستان، ذكر أيضاً أنه يستقيل ليس لصعوبة مهامه، بل لأنه لم يعد يؤمن بأهدافها المحددة والمعلنة:
«خلال خمسة أشهر من خدمتي في أفغانستان... فقدت الفهم والثقة بالأهداف الإستراتيجية لوجود الولايات المتحدة فيها... لأقول ببساطة: لم أعد أفهم قيمة وأهمية استمرار نزيف الجنود الأمريكيين أو إنفاق الموارد دعماً لحكومة أفغانية في حربٍ هي حرب أهلية فعلياً عمرها خمسة وثلاثون عاماً (..) لقد أيقنت أن جسد المقاومة الأساسي يقاتل ليس كرمى لرايات حركة طالبان البيضاء، بل، قطعاً، ضد وجود القوات الأجنبية، وضد ضرائب تفرضها عليه، من كابول، حكومة لا تمثله».
طُبِّل لهذه «الحكومة التي لا تمثله» وزُمِّر في انتخابات انخفض الإقبال عليها، ودعمت فيها الولايات المتحدة المرشح حميد كرزاي الفائز بسرقة ثلث الأصوات التي احتاجها لادعاء النصر، حسبما توصل إليه مراقبو الأمم المتحدة. وبعد أن أشار الرئيس باراك أوباما، في رسالة تهنئته لكرزاي، إلى ضرورة الإصلاح وإنهاء الفساد المستوطن في نظام حكم كرزاي، أردف قائلاً «رغم أن الفوضى شابت العملية، يسرني القول إن النتيجة النهائية قد تقررت وفقاً للقوانين الأفغانية، وهو ما أعتبره في غاية الأهمية»!!
أي قانون؟ وقد تم تجنب دورة الانتخاب الثانية بسبب رفض كرزاي الطلب الذي قدمه منافسه لتغيير لجنة الانتخابات المسؤولة عن التلاعب بصناديق الاقتراع!
وعندما علّق بوب شيفر في قناة CBS بالقول إن «الانتخابات كانت مزورة»، تنطح المستشار الأكبر للبيت الأبيض، دافيد أكسلرود، للدفاع عن عملية التلاعب على أساس أنها قد «تمت بطريقة دستورية»! ما الذي نحاول إيصاله للعالم عن إيماننا بنزاهة الانتخابات؟ إنه لا يختلف أبداً عن تمجيدنا لتلك الانتخابات «الزبالة» التي جرت بانتظام كامل أثناء حرب فييتنام، المسألة التي كان مؤثراً، إلى حد كبير، ذِكرها في رسالة ماثيو هوه:
«إن دعمنا لهذا النوع من الحكومات، مقروناً بعدم فهمنا الطبيعة الحقيقية للمقاومة، يذكرني بتدخلنا في جنوب فييتنام؛ الحكومة غير الشعبية الفاسدة التي دعمناها على حساب سلام أمتنا الداخلي، وضد مقاومةٍ أسأنا فهم وطنيتها، بجهالةٍ وعجرفةٍ تلائم إيديولوجية حربنا الباردة».
يتعين على أوباما أن يتلقف معاني هذه الكلمات، ويجب أن يتمعن فيها قبل أن يغذ السير هبوطاً في درب الكارثة على خطى الرئيس الديموقراطي الآخر، ليندون جونسون، الذي أصبحنا نعرف الآن من تسجيلات مكالماته الهاتفية أنه قدم شباب البلد أضاحي حربٍ عرف على الدوام أنها غير منطقية.
• المصدر: «تروثديغ دوت كوم»