«إسرائيل والعراق وأسلحة التدمير الشامل»

إن إسرائيل، مع كونها دولة نووية، ترفض التوقيع على إتفاق حظر انتشار السلاح النووي وتتلقى معونة أمريكية تقدّر بعدة مليارات رغم أن قوانين الولايات المتحدة تمنع مساعدة مثل هذه الدول.

وفي الوقت الذي يزعم فيه الرئيس بوش أن بلده يكافح انتشار أسلحة التدمير الشامل توجد أدلة دامغة تثبت تورط الولايات المتحدة في تزويد المواد اللازمة لتصنيع هذه الأسلحة في كل من العراق وإسرائيل ودول أخرى. ففي عام 1992 تحطمت طائرة تابعة لشركة «العال» الإسرائيلية كانت متوجهة من نيويورك إلى إسرائيل في مطار أمستردام أدّت إلى مصرع 53 مواطناً هولندياً في بيوتهم، وفي وقت لاحق نشرت جريدةNRC Handelsblad  الهولندية نتائج تحقيقات حادث التحطم التي أفادت وجود مواد كيميائية على ظهر الطائرة تمثل ثلاث مكونات (من أصل أربعة) لازمة لإنتاج غاز الزارين.

وحسب تصريح ناقل هذه الشحنة الخطرة فإنها كانت مخصصة لمعهد الأبحاث البيولوجية في نيس-تسيون في إسرائيل، والمقلق فعلاً أن 189 لتراً من مادة ميتيل فوسفانات كانت كافية تماماً لإنتاج 270 كغ من الزارين. لقد كان مصدر هذه الشحنة  شركة «سولكاترونيك كيميكالز» من مدينة موريس تاون (ولاية بنسلفانيا) والتي سبق أن زوّدت إسرائيل بغيرها من المواد الكيميائية  «المخصصة لأغراض أمنية».

ولقد أكد النائب التنفيذي لمدير شركة سولكاترونيك  جون سفونسيغر أن الشركة تملك التراخيص الضرورية لهذه الشحنة وكذلك لتلك الأخرى «المعوضة للأضرار» كما أقر أن إسرائيل هي الدولة الوحيدة التي استوردت مادة ميتيل فوسفونات من شركته.

في البداية نفت السلطات الإسرائيلية علاقتها بهذه الشحنة المميتة لكن لاحقاً أقرت بذلك وادّعت أنها مخصصة «لاختبار مراشح الأقنعة الواقية وغيرها من المعدّات».

في عدد الرابع من تشرين أول 1998 من London Sunday Times أعطى أوزي ناخمايني وصفاً تفصيلياً للمواد الكيميائية والبيولوجية المصنَّعة في معهد الأبحاث البيولوجية، ولقد أرجع مصدر هذه المعلومات إلى عالم بيولوجي في هذا المعهد لم يرغب في ذكر اسمه والذي أورد أنه: «من المستبعد وجود صنف معروف أو سري من صنوف الأسلحة الكيميائية والبيولوجية .... لم يتم تصنيعه في معهدنا».

كما سبق أن أجرت شركة «أوميغام» الأمريكية الهندسية بتحقيقاتها الخاصة في موقع تحطم الطائرة فوجدت آثار (تري بوتيل فوسفات) TBP وهي مادة كيميائية صناعية تستخدم لاستخلاص اليورانيوم والبلوتونيوم من القضبان المستهلكة في المفاعلات النووية، وهذه الطريقة مطبقة في إسرائيل كما ذكر ذلك مردخاي فانونو الذي سبق أن فضح البرنامج الإسرائيلي لإنتاج السلاح النووي.

تتحول هذه المواد الكيميائية نتيجة احتراقها أو عند انفجار قذيقة محتوية عليها إلى مزيج غازي سام وهذا تماماً ما حصل في هولندا (عدد الضحايا 700) وقبلها أثناء حرب الخليج الثانية. لقد قام قسم شؤون المحاربين القدماء حتى تاريخ أيار 2002 بتقديم المعونة بداعي الإعاقة لـ 159238 جندياً شاركوا في حرب الخليج (أكثر من 8000 توفوا خلال 10 سنوات) وإن أغلبهم يعاني من أعراض متلازمة «حرب الخليج» والتي تلاحظ عند الضحايا الهولنديين أيضاً (خلل في المناعة الذاتية واضطرابات في عمل الجملة العصبية المركزية).

إن الدعوة لمهاجمة العراق دون ذكر لهذه الحقائق هو نفاق في أحسن الأحوال ويبدو أن حكومتنا راضية تماماً عن حقيقة تصنيع واستخدام حلفائنا لأسلحة التدمير الشامل (بما فيهم صدام حسين عندما كان متحالفاً معنا)، كما أن مبدأ الضربات الوقائية الذي تتبناه إدارتنا (نقلاً عن إسرائيل) هو أكثر خطورة مما تتصورون وقد أثبت فشله التام تاريخياً وفي عدة مناسبات.

إن المستفيدين الوحيدين من الحرب هم العسكريون ومدراء الشركات النفطية. لقد كان تصدير السلاح والسيطرة على النفط الأسباب وراء إسقاط وكالة الاستخبارات المركزية لحكومة مصدّق الديمقراطية في إيران وإقامة حكم الشاه القمعي في 1956، وأثناء حرب الخليج الأولى كانت الولايات المتحدة الأمريكية تبيع السلاح للطرفين (بشكل رئيسي للعراق) باحثة في نفس الوقت عن سبل أخرى لاستعمال أسلحة التدمير الشامل.

عندما تقرأ الصحف الإسرائيلية اليوم تستطيع أن تعرف أن إسرائيل تتوق للحرب لوضع العراق مرة أخرى في مواجهة إيران تحت قيادة الولايات المتحدة ولتحقيق السيطرة لإسرائيل في المنطقة. ومن جانب آخر بات من الواضح أن الحرب لاتقع ضمن مصالح الشعب الأمريكي. لكن هل سيذهب جورج بوش وديك تشيني ودونالد رامسفيلد أو ريتشارد بيرل وفريقهم إلى الحرب؟ هل سيعاني هؤلاء من أعراض حرب الخليج؟ هل سيدفع اللوبي المساند لإسرائيل في الولايات المتحدة الثمن كما سنفعل نحن جميعاً؟ لاشك أنهم سيصبحون أكثر غنىً ونفوذاً على حسابنا مالئين رؤوسنا بالقصص عن أسلحة التدمير الشامل.

 

لقد جاء الوقت ليعرف دافعو الضرائب الأمريكيون الحقيقة عن سبب استمرار سياستناالخارجية الكارثية.

■  مازن قمصية*

كاتب أمريكي من أصل فلسطيني، بروفسور في جامعة ييل

 وأحد منظمي ائتلاف الدفاع عن حق العودة للفلسطينيين.