لهذه الأسباب.. العالم يكره السياسات الأمريكية!!
■ تناقض صارخ بين تعريف البيت الأبيض لمصالح أمريكا وتعريف الشعوب لمصالحها وحقوقها
■ كل ما تدعيه ماكينة الدعاية الأمريكية ـ الصهيونية حول محاربة الإرهاب في العالم... هو حملة تضليل لإحكام السيطرة على منابع الثروة في الشرقين الأدنى والأوسط والتحكم بكل تفاصيل الوضع السياسي والجغرافي والثقافي
■ لم تترك أمريكا للشعوب إلا خيار المقاومة الشاملة بكافة مستوياتها الفكرية والسياسية والميدانية رداً على خيار العدوان المباشر والشامل..
بعد تنامي مظاهر العداء لأمريكا في جميع أنحاء العالم وبعد أن فشلت كل وسائل أمريكا في وقف تنامي هذه الظاهرة يطرح الآن قادة البيت الأبيض سؤالاً ـ يبدو من حيث الشكل ساذجاً ـ لكنه في العمق يعكس مدى عمق الأزمة العامة للإمبربالية الأمريكية وعزلتها وفشل أدواتها في خداع الشعوب حول مقاصد العولمة المضللة.
السؤال هو: لماذا يكرهوننا إلى هذا الحد؟!
مراكز البحوث الأمريكية.. والتعتيم الاعلامي
وللجواب على هذا السؤال تستنفر أمريكا كل مراكز أبحاثها والخبراء المجربين في الحرب النفسية أمثال كيسنجر ومارتن أنديك وتوماس فريدمان ودنيس روس إلخ… ليس من أجل الاعتراف بأسباب الكراهية المتنامية لدى الشعوب ضد الولايات المتحدة الامريكية وسياساتها المجرمة بحق الشعوب، بل لاستمرار التعمية على الشعب الأمريكي وإحكام السيطرة على وعيه الاجتماعي والسياسي، وابتكار أجوبة على السؤال المطروح من خلال التأكيد بأن أسباب كراهية الشعوب لأمريكا هي:
أ ـ عجز الشعوب الأخرى عن خلق ديمقراطية مشابهة لما هي عليه الحال في بلادنا.
ب ـ الحسد الذي تكنه لنموذج الحياة الأمريكي ومستوى الدخل.
ج ـ العجز في معالجة الخلل الداخلي في بلدانها.
د ـ الفارق الثقافي ـ الحضاري بين أمريكا وبقية الشعوب وخصوصاً الإسلامية منها.
تناقض صارخ في المصالح!
أما الشعوب فلها رأي آخر تماماً يناقض ما سبق ذكره من تفسير أمريكي لأسباب الكراهية إزاء الإمبريالية الأمريكية حيث السبب الأساسي هو التناقض الصارخ بين تعريف البيت الأبيض لمصالح أمريكا وتعريف الشعوب لمصالحها وحقوقها في السيادة والكرامة الوطنية والاستقلال والتصرف المشروع بثرواتها هذا أولاً، وثانياً، فإن العداء لأمريكا هو الوجه الآخر لعداء الشعوب لحكوماتها التي التحقت كلياً بواشنطن وهو موقف غير مسبوق إلى هذه الدرجة، ومن هنا علينا رؤية الأهمية البالغة للمظاهرات الشعبية العارمة ضد أمريكا وخصوصاً في الدول التابعة لها مثال تركيا، الأردن، مصر، وفي الدول الأوروبية وفي آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية. وثالثاً عندما يزداد العداء لأمريكا طرداً مع التحاق الأنظمة المرتهنة لأمريكا يزداد الخوف الأمريكي بأن أكبرما يهدد الأنظمة التابعة لواشنطن هو الديمقراطية. ومن هنا كان الاستنتاج المعلن على صفحات «قاسيون»: (بأن مقولة الليبرالية الاقتصادية وتطبيق وصفة البنك الدولي في بلدان العالم الثالث ستفضي إلى قمع سياسي أكثر وليس إلى إطلاق الحريات الديمقراطية للجماهير). فمن أجل حماية اقتصاد السوق والانفتاح الاقتصادي رأينا بأم العين كيف شجعت أمريكا الأنظمة التابعة لها على إطلاق الرصاص على المتظاهرين ضد العولمة وضدالتطبيع مع الكيان الصهيوني وكيف جرى اعتقال قادة المظاهرات… (الأمثلة كثيرة من البحرين، إلى مصر، الأردن، باكستان، الفليبين، اليمن، الكويت..إلخ)
لنتذكر كيف روج البيت الأبيض بعد انتهاء الحرب الباردة، عبر أجهزة الإعلام مقولات فتح الأسواق وسيادة الليبرالية الاقتصادية وتعزيز الحريات والديمقراطية السياسية، غير أن اللوحة في الشرق الأوسط أخذت بعداً آخر مغايراً تماما.ً فمن أجل الاستمرار في عملية التسوية غير العادلة وغير الشاملة شهدنا مزيداً من إفقار دول المنطقة وشعوبها وغيرها من بلدان العالم الثالث وشهدنا مزيداً من بناء القواعد العسكرية الأمريكية في أربع جهات الأرض وهذا يقودنا إلى تأكيد استنتاجنا بأن هذا الانتشار العسكري غير المسبوق في العالم. والتهديد بالقوة وممارستها فعلاً (كما في أفغانستان والبلقان قبلها) يعكس أيضاً عمق الأزمة الأمريكية بحيث لم يبق أمامها إلا الخيار العسكري لتلافي الانهيار الاقتصادي ( في منطقة الخليج العربي الآن يابسة + مياه 60 ألف عسكري / قاعدة العديد والسيلية ونقل القيادة المركزية +التواجد في أسيا الوسطى والبلقان واليابان وكوريا).
كل ذلك يجعلنا نقلع كما يفعل البعض ـ عن التبصير والحيرة حول نوايا الأمريكان هل سيضربون العراق أم لا… الضربة آتية رغم القرار 1441 ورغم التزام العراق به حرفياً. إن الحشد مستمر / المناورات / قد يحدث أن تغير أمريكا وجهة الضربة ( المهم كيف سنواجه المخطط العدواني الأمريكي في المنطقة؟).
تضليل إعلامي لإحكام السيطرة على الثروات..
إن كل ما تدعيه ماكينة الدعاية الأمريكية ـ الصهيونية حول محاربة الإرهاب في العالم وكل ماتدعية عن خطورة النظام العراقي ووجود أسلحة الدمار الشامل فيه هو حملة تضليل لتحقيق الهدف الاستراتيجي الأكبر ألا وهو إحكام السيطرة على منابع الثروة في الشرقين الأدنى والأوسط والتحكم بكل تفاصيل الوضع السياسي والجغرافي والثقافي من خلال تشكيل كيانات المنطقة على نحو يخدم الأمن القومي الأمريكي والمصالح الاحتكارية عبرالخيار العسكري المباشر أو التهديد به وصولاً للتفرد والسيطرة على العالم والإمساك بعصبه الاقتصادي ـ النفط ـ وغيره من الثروات الأخرى..
وهكذا لم تترك أمريكا للشعوب إلا خيار المقاومة الشاملة بكافة مستوياتها الفكرية والسياسية والميدانية رداً على خيار العدوان المباشر والشامل ولايغير من هذه الحقيقة أن عمليات المواجهة لازالت في بدايتها ولكنها فتحت الثغرة الضرورية لكسر انسداد الأفق الذي حاول الغرب الرأسمالي أن يصوره وكأنه القدر المحتوم وهذه الثغرة هي ما نعتقده بداية نهوض تحرري عالمي علينا أن نكون كشيوعيين في صفوفه الأولى وهو ما سيوحد كل القوى الوطنية والديمقراطية الشريفة ولاهوت التحرير في مواجهة الوحش الإمبريالي على الجبهة العالمية..
النظام الرسمي العربي والوضع الإقليمي
لن نعود إلى الماضي البعيد، بل سنكتفي بالتذكير بمؤتمر بيروت حيث حضره عرب المعاهدات والمبادرات والذين لافرق بينهم وأقروا حينذاك موقفين رئيسيين وهما: ما سمي بالمبادرة العربية حول قضية الشرق الأوسط والموقف الثاني عدم الموافقة على ضرب العراق وأن أي عدوان خارجي على أي بلد عربي هو عدوان على جميع البلدان العربية.
داست دبابات شارون على المبادرة قبل أن يجف حبرها وجرى اجتياح مناطق السلطة الفلسطينية وارتكبت المذابح بحق الشعب الفلسطيني الأعزل ولم يحرك النظام الرسمي العربي المتخاذل ساكنا، بل تحول العديد من دوله إلى مشارك للترتيبات الأمنية الأمريكية ـ الإسرائيلية وإلى ضاغط على أي دولة عربية ترفض ذلك خصوصاً سورية ولبنان لتبديل موقفهما الداعم للانتفاضة والمقاومة… ولازال الموقف العربي الرسمي يرتهن للمخططات الأمريكية ـ الإسرائيلية الرامية لوأد الانتفاضة وتحويل الاجتياح العسكري إلى اجتياح سياسي يجهز على الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس.
بين الواقع والأوهام!
إن كل ما أنجزته الانتفاضة جاء بفضل الوحدة الوطنية الفلسطينية وقياداتها المبدئية والسياسية ذلك الجيل الذي رافق الانتفاضة الأولى مشاركاً وفي الثانية قائداً واضح الأهداف ومشخصاً بشكل دقيق للعدو داخل فلسطين المحتلة وفي خارجها ومن هنا اكتسبت الانتفاضة بحق لقب رأس حربة مقاومة العولمة وهذا واضح من خلال ما لاقته من دعم وتأييد من شعوب العالم كافة. وإذا كان ليس من سيمائنا نكء الجراح فإن التحليل الطبقي يتطلب منا عدم الوقوع في أية أوهام حول:
أ ـ إمكانية وجود تمايز جوهري بين معسكري الليكود والعمل في الكيان الصهيوني خصوصاً بعد أواسط الثمانينات حيث تحول الاقتصاد الإسرائيلي إلى جزء من الاقتصاد المعولم وحسب وصفات البنك والصندوق الدوليين بموافقة وتفهم الحزبين الرئيسيين.
ب ـ إن اتفاقات أوسلو لم تجلب الرخاء الاقتصادي للفلسطينيين، بل استفادت منها إسرائيل والبرجوازية الفلسطينية المشوهة التي انخرطت بالنشاط الرأسمالي مع الإسرائيليين والأوروبيين وبعض العرب بعد توقيع تفاهمات عام 1993 حول الاستثمار الاقتصادي في المناطق المحتلة وفي المنطقة.
ج ـ حققت اتفاقات أوسلو وما تلاها الهدف الأكبر للاستراتيجية الإسرائيلية ألا وهو السيطرة على الفلسطينيين بدون احتلال مباشر وتحويل السلطة الفلسطينية إلى حام للأمن الإسرائيلي عبر السيطرة المطلقة على الاقتصاد الفلسطيني في الضفة والقطاع فهناك حوالي 75% من مستوردات الضفة والقطاع يأتي من الكيان الصهيوني و95% من الصادرات الفلسطينية تذهب إلى السوق الإسرائيلية وهذا يمنع الاقتصاد الفلسطيني عملياً من الصلة مع طرف ثالث وعندما يكون الاقتصاد الفلسطيني بهذا الضعف، فإن قوة البرجوازية الفلسطينية لاتأتي من الإنتاج بل من خلال دور الكومبردور الذي تلعبه وأرباحها تأتي من خلال السماح لها إسرائيلياً بالاستيراد من إسرائيل وبعد عودة السلطة في 1994 أصبحت هذه البرجوازية من أهم أدوات ورموز السلطة والفساد فيها.
ومن هنا الفارق الكبير بين من ارتبطت مصالحهم مع الرأسمال الإسرائيلي وبين السواد الأعظم من الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة ومن هنا امتعاض بعض القوى المتنفذة في السلطة من استمرار الانتفاضة وهذا ما جعل إسرائيل تضيق ذرعاً من عدم قدرة السلطة على وقف الانتفاضة. وهذا ما يفسر لنا أيضاً مدى التكالب على التطبيع الاقتصادي مع الكيان الصهيوني والمؤتمرات التي عقدت في عدد من العواصم العربية بهذا الشأن.. لكن الانتفاضة قلبت كل تلك المخططات رأساً على عقب من خلال تمسكها بالحقوق الفلسطينية المشروعة وعدم المساومة عليها… بل تمسكت بتمتين أواصر الوحدة الوطنية الميدانية وتطويرها ومتابعة الحوار الوطني الشامل بين جميع القوى والفصائل الفلسطينية والمضي في خيار المقاومة حتى دحر الاحتلال، (الأزمة داخل الكيان عمقتها الانتفاضة ـ تقديم الانتخابات، الهلع، الهجرة المعاكسة) وهذا ما يفرض واجب الدعم وحشد كل القوى لنصرة الانتفاضة الفلسطينية الباسلة وخلق مبادرات جديدة في هذا الميدان، ولنعمل ما نستطيع حتى لا يطغى الضجيج حول ضرب العراق على خطورة ما يجري في الأراضي المحتلة.
العراق وموقف النظام الرسمي العربي
باستثناء سورية ولبنان ليس هناك أي موقف عربي جدي لمواجهة احتمالات الضربة ضد العراق والتي ستكون خطيرة جداً بنتائجها على المنطقة ككل.. فمن القرن الأفريقي (جيبوتي والصومال) إلى مصروالأردن إلى دول الخليج المزروعة بالقواعد العسكرية الأمريكية إلى المغرب العربي لايجرؤ أحد من هذه الأنظمة على المطالبة بوقف العدوان والحصار المستمرين على شعب العراق لأن السيد الأمريكي يريد ذلك وإذا كنا نميز فعلاً بين النظام العراقي الفاشي وبين الشعب العراقي سواء المهجر منه أوالباقي على أرض الوطن، فإننا ندرك هشاشة المعارضة العراقية باستثناء الحزب الشيوعي العراقي الشقيق الذي تعرض لأبشع التصفية والتنكيل حيث لاتعدو بعض فصائل المعارضة عن كونها الوجه الآخر لنظام صدام حسين خصوصاً تلك القوى التي تمولها واشنطن ولندن وماالمؤتمرات التي عقدتها والمزمع عقدها إلا لتسهيل مهمة العدوان الأمريكي على شعب العراق كما أن الخلافات الداخلية لقوى المعارضة العراقية واضحة للعيان وهذا ما يجعلنا نؤكد أن انقسام المعارضة مذهبياً وقومياً سيؤدي فيما لو وصلت إلى السلطة على صهوة الدبابة الأمريكية، إلى عدم الحفاظ على وحدة تراب العراق. ولاشك أن مهمة تغيير نظام صدام حسين هي من مهمات الشعب العراقي على أسس واضحة من العداء للإمبريالية والصهيونية والفاشية والتأسيس لبديل وطني ديمقراطي يحفظ وحدة تراب العراق وسيادته الوطنية بعربه وأكراده في عراق موحد تحت شعار «وطن حر وشعب سعيد» ونحن نعتقد أن مواجهة العدوان الأمريكي المتوقع بأية لحظة على العراق والتصدي له من قبل جميع العراقيين والشعوب العربية سيخلق الأسس اللاحقة لبديل وطني ديمقراطي حقيقي في بلاد الرافدين.
■ حمزة منذر
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.