خريطة الطريق الأمريكية: حلول جزئية ـ القضاء على الانتفاضة ـ رسم الطريق نحو العراق..

طلعت علينا واشنطن في الآونة الأخيرة بمشروع جديد لحل النزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني أطلقت عليه اسم «خريطة الطريق» بهدف ـ حسب قولها ـ إقامة دولة فلسطينية على ثلاث مراحل تنتهي في عام 2005 على أبعد حد! وقد بارك الأضلاع الثلاثة من الرباعي الدولي، فرنسا وإنكلترا وروسيا، هذا المشروع وأسرع الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات إلى إعلان موافقته عليه، بينما رفضته بصراحة ووضوح دولة عربية واحدة هي سورية في أثناء اجتماع لجنة المتابعة والتحرك العربية التي انعقدت بدمشق لمناقشة هذه الخريطة.

هل هذه الخريطة واضحة؟

والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو: هل هذه الخريطة واضحة وضوح الشمس في رائعة النهار وتدل على السبيل والوسائل التي تفضي لتحقيق مطامح الشعب الفلسطيني المشروعة بإقامة دولته المستقلة على أرضه، أو أنها خريطة فيها الكثير من الضباب وعدم الوضوح، لأنها في الحقيقة تركز على المصالح الإسرائيلية على حساب المصالح العربية وإجهاض المقاومة الفلسطينية.

لا جديد في الموقف الأمريكي..

ولاشك في أن الموقف الأمريكي هذا ليس بجديد، فمنذ عام 1948 تحولت الدولة الإمبريالية الأولى في العالم إلى أ كبر داعم للدولة الصهيونية المغتصبة. ولانريد في هذه المقالة أن نستعرض المواقف الأمريكية المعادية للحقوق العربية ومصالحها، وإنما نريد أن نذكّر بهذه المناسبة ما قاله المفكر الأمريكي نعوم تشومسكي بأن إسرائيل كانت على استعداد للانسحاب من الأراضي العربية المحتلة بعدوان حزيران عام 1967ولكن الإدارة الأمريكية رفضت ذلك، وللتذكير بالمواقف العدوانية الأمريكية تجاه العرب والقضية الفلسطينية خصوصاً لابد من الإشارة إلى دعمها غير المحدود، وبكل صفاقة للأعمال الإرهابية الإسرائيلية بعد انتفاضة القدس، وكيف وصفت أعمالها بأنها دفاع عن النفس وأن شارون المجرم «رجل سلام» بينما وصفت رجال المقاومة الفلسطينية بأنهم إرهابيون، وعلى هذا الأساس سوغت واشنطن جميع أعمال القتل والتدمير والتخريب والاعتقال التي ترتكبها وسترتكبها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني.

ولذلك ليس مستغرباً أن يأتي المشروع الأمريكي الجديد لصالح إسرائيل بعد مشروعي «تنيت» و«ميتشل» اللذين كنستهما المقاومة الفلسطينية، ولن يكون مصير المشروع الجديد بأفضل من سابقيه.

لماذا «خريطة الطريق» الآن؟!

ولو تساءلنا أيضاً: لماذا طُرحت «خريطة الطريق» في هذا الوقت بالذات؟ نجيب بأن هدفها هو الالتفاف على مبادرة القمة العربية، وبذلت واشنطن جهوداً كبيرة لمنع القمة من اتخاذ أي قرارات إذا كانت في غير صالحها وصالح ركيزتها إسرائيل، ومنع قيام أي مصالحة بين العراق وبعض الدول العربية الأخرى ـ عبر زيادة حملة التهديدات ضد العراق وتكثيفها ـ ومن المعروف أن إسرائيل وواشنطن ردتا على المبادرة العربية باجتياح الأراضي الفلسطينية وما أسفر عنه من قتل وخراب ودمار واعتقال واغتيال، كل ذلك لإرغام الشعب الفلسطيني على القبول بالحلول الجزئية وإبقائه تحت الاحتلال إلى أبد الآبدين، ولكن المقاومة ردت بحزم على هذا الاجتياح ونقلت الأزمة إلى داخل المجتمع الإسرائيلي سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وأمنياً.

أهداف «خريطة الطريق»..

فإذا كانت هذه الخريطة قد جاءت للالتفاف على مبادرة السلام العربية ولا تخرج عن دوائر الحلول الجزئية، ولاتقدم حلاً شاملاً يفضي إلى السلام العادل والشامل ولا تتضمن أي إشارة إلى القرارات الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية، وتتجاهل مسائل أساسية كقضية القدس وعودة اللاجئين والمستوطنات وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.

إذا كان الأمر كذلك، فلماذا يتوجب على العرب عامة والفلسطينيين خاصة قبول هذه الخريطة؟ وإذا كانت تدعو للعودة إلى طاولة المفاوضات، والانطلاق من نقطة الصفر بعد الجهود الدولية المضنية التي بذلت خلال السنوات الماضية لتبدأ مفاوضات جديدة قد تمتد عشر سنين أخرى؟!!

الأهداف الحقيقية للخريطة..

إذاً لابد من البحث عن الأهداف الحقيقية التي تود واشنطن تحقيقها تحت ستار تقديم مشروعها الجديد، بعد فشل مشروعيها السابقين.

1. الخروج من المأزق الذي وصل إليه الوضع في الأراضي المحتلة. ومع أن السلطة الفلسطينية قبلت بالخارطة إلا أنها في الحقيقة لا تعالج أي مشكلة جوهرية في الصراع الجاري على الأرض وهي مشكلة الاحتلال وتصاعد العدوان على الشعب الفلسطيني ويكفي الإشارة إلى أن 70% من محتوى «خريطة الطريق» يتعلق بالإصلاحات الداخلية الفلسطينية، وكأن حل الصراع يأتي من خلال ذلك ـ وليس بإنهاء الاحتلال ونيل الشعب الفلسطيني حقوقه.

2. إن طرح الخارطة في هذا الوقت بالذات ما هو إلا وسيلة للتغطية على المخطط الأمريكي تجاه العراق.

3. سد الفراغ الحاصل في سياسة الإدارة الأمريكية حيال عملية السلام.

4. أما إسرائيلياً فإن القبول بهذا المشروع فيعني إنهاء الانتفاضة وإخمادها نهائياً والقضاء على خيار المقاومة في المنطقة والتي هي السبيل الوحيد لاسترداد الحقوق بعد أن وجهت المقاومة الباسلة ضربة إلى مفهوم «الأمن الإسرائيلي» وتصعيد وتيرة عملياتها النوعية المتواصلة.

5. كما أن المشروع يساعد إسرائيل في وضع كهذا، تصدير أزمتها الداخلية الناتجة عن فشلها إزاء الفعل المقاوم على الخارج عبر نفوذها القوي في الإدارة الأمريكية وتأليبها ضد سورية بدعوى دعمها لحزب الله  بلبنان، وفصائل المقاومة الفلسطينية التي لها مكاتب بدمشق.

6. الضغط على السلطة الفلسطينية لتقديم التنازلات تحت عنوان الخروج من المأزق الحالي.

المقاومة هي السبيل

وحيال التآمر الأمريكي ا لإسرائيلي والرجعي العربي  على الشعب الفلسطيني يتبين أن السبيل الوحيد لإفشال هذه المخططات المشبوهة وانتزاع حقوقه هي استمرار المقاومة ولا سبيل غيرها.

وإن الشعب الفلسطيني وقواه الوطنية لن يكونا وحدهما في هذه المعركة الشرسة، فستقف إلى جانبهما الشعوب العربية وقواها الوطنية والتقدمية وقوى الخير والحرية في العالم أجمع.

محرر الشؤون العربية:

■ عادل الملا

 

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.