عملية الخليل.. مأثرة جديدة لأبطال الانتفاضة

نفذت المقاومةالوطنية الفلسطينية مساء يوم 15 تشرين الثاني الجاري واحدة من أدق عملياتها البطولية وأنجحها ضد الاحتلال الإسرائيلي منذ بدء انتفاضة الأقصى عام 2002 إذ تمكن ثلاثة من مناضلي حركة الجهاد الإسلامي، من زعزعة أركان الاحتلال والاستيطان في مدينة الخليل، وبالتحديد في موقع عسكري يخضع للسيطرة الأمنية الإسرائيلية المباشرة.

وقد خاض المناضلون معركة دامت خمس ساعات انتهت باستشهادهما، بعد أن صنعا «جحيما» حسب الوصف الإسرائيلي، عندما شنا هجوماً واسع النطاق فاجأ الإسرائيليين ودفعهم في خلال ساعات للحديث عن حرب حقيقية تخيلوا فيها النيران تتأجج من كل الاتجاهات. وقد استخدم الأبطال المقاومون اسلحة مختلفة من الرشاشات والقنابل اليدوية والصواريخ المضادة للدروع، وأن ما أذهل إسرائيل من هذه العملية هو أنها وقعت في المنطقة الأشد حراسة داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة فيمايسمونه بـ «الحي اليهودي» بالخليل، وعلى مقربة من  حي الشيخ وحي سنينة الخاضعين أيضاً للسيطرة الأمنية الإسرائيلية.

وقد استغل المقاومون التضاريس بشكل جيد، كما أحسنوا استغلال القوة النارية،وأظهروا إضافة إلى الدقة في التخطيط الجرأة في التنفيذ، إذ أفادت المعلومات بأن الاشتباكات جرت من مواقع قريبة اعتمد فيها المقاومون، لاعلى إطلاق النار والقنابل فحسب وإنما على الهجوم أيضاً.

اعتراف باحتلال موقع عسكري

وقد اعترف ناطق عسكري إسرائيلي باحتلال المقاومين موقعاً عسكرياً إسرائيلياً قبل أن تبدأ الطائرات والدبابات الإسرائيلية باستخدام قذائفها لحسم المعركة التي استمرت بشكل متحرك في البداية ما لايقل عن ساعتين قبل أن تنحسر نحو التحول إلى معركة قلاع إثر تخندق المقاومين في داخل البيوت.

ووصف المراسل الحربي للتلفزيون الإسرائيلي الكمين بأنه مخطط بدقة لتنفيذه على المحور الرئيسي بين كريات أربع والحرم الإبراهيمي.

الخسائر الإسرائيلية

وأعلنت إسرائيل رسمياً عن مقتل اثني عشر إسرائيلياً أكثرهم من الجنود وبعضهم من المستوطنين المسلحين، بينهم قائد لواء الخليل «درور فاينبرغ» وبلغ عدد الجرحى 52 شخصاً.

وصرح مسؤول في حركة الجهاد الإسلامي بأن هدف العملية هو التوضيح للإسرائيليين بقدرة الحركة على الرد وقال:  إن العملية جرت ضمن القواعد المقبولة فلسطينياً، إذ هي موجهة ضد الجيش الإسرائيلي والمستوطنين وفي المناطق المحتلة منذ عام 1967 وعدا ذلك فإن العملية هي عملية ثأرية جاءت رداً على اغتيال قائد لواء جنين الشهيد «إياد الصوالحة» وقتل فيها قائد لواء الخليل فاينبرغ.

موقف بالغ الارتباك

لقد وضعت هذه العملية البطولية حكومة شارون في موقف بالغ الارتباك إذ يوجد في حكومته وزراء ينادون بانتهاج سياسة الشدة مع الفلسطينيين وأن النموذج الذي يجب أن يتبع معهم هو ذلك القائم في «منطقة الخليل 2» الخاضعة كلياً للسيطرة الأمنية الإسرائيلية حيث جرت العملية الهجومية المتقنة. فما هو موقف هؤلاء وبماذا سيطالبون بعد الآن؟

وقاحة إسرائيلية

أما وزير الخارجية الجديد نتنياهو فقد طلب من سفيره لدى الأمم المتحدة «يهودا لانكري» تقديم احتجاج رسمي إلى مجلس الأمن ومطالبته بوقاحة باتخاذ موقف يدين هذه العملية التي وصفها بأنها «مذبحة السبت» وكأن الجيش الإسرائيلي يقوم ينزهة في الأراضي الفلسطينية.

كما بحثت الحكومة الإسرائيلية سبل «الرد» على هجوم الخليل وسط دعوات بطرد رئيس سلطة الحكم الذاتي المحاصر في رام الله إلى خارج البلاد كما أن شارون ألغى اتفاق الخليل الموقع عام 1997 واعتبره لاغياً وفي الوقت نفسه أعطى شارون الضوء الأخضر لتوسيع الاستيطان اليهودي في الخليل، وتدفقت الدبابات والمصفحات إلى المدينة لتعزيز وضع الجنود الذين استولوا على منازل ومبان في مواقع  استراتيجية وأعادوا السيطرة على المدينةبأسرها، بينما استمرت القوات الإسرائيلية عملياتها الإجرامية الهجومية على المدن والقرى الفلسطينية في الضفة والقطاع، حيث يسقط قتلى وجرحى، ويعتقل الناس ويساقون إلى معسكرات الاعتقال وتهدم البيوت على رؤوس أصحابها.

موقف أمريكي ثابت.. وموقف أوروربي مستهجن!!

وكالعادة، فقد سارعت واشنطن إلى التنديد بالعملية البطولية، ولكن الغريب في الأمر هو التنديد الذي صدر من باريس ولندن وموسكو والفاتيكان والأمم المتحدة وكان المفروض بهؤلاء أن يدعوا إسرائيل إلى سحب قواتها من الأراضي الفلسطينية والاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني بإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس.

إن هذه «الإدانات» تعد فضيحة كاملة لهذه الحكومات والمؤسسات وتكشف عن مدى مصداقيتها واحترامها لنفسها ولجمهورها وتكشف أيضاً عن مدى التلاعب الإسرائيلي بالرأي العام العالمي.

تهديد أمريكي لسورية

التهديدات الأمريكية لسورية ليست بجديدة، فسورية من الدول المتهمة بأنها تؤوي الإرهابيين، وكان أخر تهديد لها هو الذي جاء بعد العملية البطولية، عندما طلبت واشنطن من سورية إغلاق مكاتب حركة الجهاد الإسلامي بدمشق، حيث أن هذه الحركة ـ حسب زعمهم ـ متورطة في أعمال عنف وإرهاب في إسرائيل والضفة وغزة وأنه من مصلحة سورية أن تنضم إلى صفوف المجتمع الدولي!!.

وقد ردت سورية بحزم على هذا التدخل الأمريكي في الشؤون الداخلية السورية ببيان أكدت فيه أن العمليات التي تتم في الأراضي المحتلة ضد إسرائيل يخطط لها وتنفذ في الداخل وليست استناداً لتعليمات تصدر من المكاتب الإعلامية الموجودة في بعض العواصم العربية، وأن ما يجري في الأراضي الفلسطينية هو نتيجة حتمية لاستمرار الاحتلال والعدوان الإسرائيلي الذي طاول المدنيين وممتلكاتهم ومزروعاتهم ومنازلهم، وإن رد الفعل الفلسطيني المقاوم للاحتلال هو أمر طبيعي.

وحمّل البيان الولايات المتحدة المسؤولية كما تتحملها إسرائيل عن هذا النزيف الدموي الجاري في الأراضي الفلسطينية كونها تدعم إسرائيل على تجاهل أكثر من28 قراراً دولياً تطالب جميعها إسرائيل بإنهاء الاحتلال وتفكيك المستوطنات.

والسؤال الذي يفرض نفسه: هل بقي في جعبة إسرائيل من وسائل ولم تستخدمها في العدوان على الشعب الفلسطيني وقهر إرادته وقبوله بالاحتلال؟، إن كل  الدلائل تشير إلى أنه لم يعد لديها إلا استمرار العدوان، وأن الشعب الفلسطيني مصمم على نضاله وتشديد مقاومته لهذا العدو الغاصب مهما كانت الصعاب ومهما كانت الخسائر، وإن العملية البطولية هذه لن تكون الأخيرة وستواجه المحتلين ضربات مفاجئة من حيث لا يحتسبون.

إن إسرائيل ليس أمامها إلا سبيل واحد فقط وهو التوقف عن عدوانها والانسحاب من الأراضي المحتلة والاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس.

وليس ثمة أي سبيل آخر، فالشعب الفلسطيني عندما انتفض كان عاقداً العزم على أنه لن يتوقف عن النضال حتى كنس الاحتلال وتطهير وطنه منه.

 

■ محرر الشؤون العربية