العدوانية الأمريكية.. وقرار الحرب على العراق!
وجدت الولايات المتحدة نفسها محاصرة ومرغمة على التوقف عن التحضير للعدوان المبيت على الشعب العراقي الشقيق، ولو مؤقتاً، ولعدة شهور، وذلك بفضل الحملة العالمية المعادية للحرب على العراق، والتي شاركت فيها مختلف شعوب العالم وحكوماتها باستثناء بريطانيا وإسرائيل، وعلى الرغم من الإشكالات والملابسات التي يتضمنها قرار مجلس الأمن.
مضمون القرار
فقد أصدر مجلس الأمن الدولي قراراً إجماعياً بشأن العراق، بأمل تجنب الحرب التي تلوح بها الإدارة الأمريكية منذ أشهر، وقد تضمن القرار 1441 شروطاً تعجيزية، تحشر العراق في زاوية ضيقة، منها أن يسلم العراق بحق المفتشين الدوليين دخول القصور الرئاسية فجأة وبدون سابق إنذار، وأن يقبل باستدعاء مسؤوليه وخبرائه إلى الخارج للتحقيق معهم، وأن يوافق على عدم إقفال أي منطقة عراقية مهما كانت مساحتها وعدد سكانها، إذا كانت تضم مصنعاً أو منشأة «مشبوهة» يريد المفتشون الدخول إليها والخروج منها بحرية!! وغيرها من الشروط..
إنها لائحة استباحة طويلة عريضة، وهي تعتمد على مخيلة المفتشين أكثر من معطياتهم، كما تعتمد على أمزجة المسؤولين الأمريكيين، وقد شكك رئيس فريق المفتشين الدوليين هانز بليكس نفسه بواقعية هذا القرار وبقدرة بغداد على الالتزام به وخصوصاً أنه يستغرق عملياً بضعة أسابيع ينتهي في 21 شباط من العام القادم.
وكان هذا التشكيك مبرراً للاعتقاد بأن الحرب استبعدت حتى انتهاء الجدول الزمني، ولكنها لم تُلغَ ولم تسقط من الحسابات الأمريكية التي باتت تمتلك ذريعة شرعية من المجتمع الدولي للشروع بالعدوان على العراق.
إجبار واشنطن على الاحتكام للأمم المتحدة
ومقابل هذه الأجواء المقلقة التي رافقت القرار 1441 فإن القوى المعارضة للحرب في مجلس الأمن حققت نصراً دبلوماسياً بإجبار واشنطن على الاحتكام للأمم المتحدة، وإبعاد شبح الحرب مؤقتاً عبر إدخال تعديلات حقيقية على مشروع القرار الأمريكي بالأصل.
التصويت السوري
وقد أكدت سورية بأنها صوتت على مشروع القرار الأمريكي بشأن العراق بعد ما تلقت تطمينات دولية من أعضاء دائمين في مجلس الأمن، من فرنسا وروسيا وخصوصاً من الولايات المتحدة، بأن القرار لن يستخدم ذريعة لضرب العراق ولا يشكل أساساً لتوجيه ضربة تلقائية إليه، وأشارت إلى اقتناعها بأن صدور القرار ينأى بالمنطقة عن النوايا المبيتة لها من خلال توجيه ضربة عسكرية للعراق، يكون المستفيد منها إسرائيل وأعداء الأمة العربية.
بيان ثلاثي مشترك
وفي اليوم التالي من صدور قرار مجلس الأمن أصدرت كل من فرنسا وروسيا والصين بياناً أكدت فيه من جديد بأن القرار حول العراق يستبعد أي لجوء تلقائي للقوة وطلب من العراق الالتزام بتعهداته.
موقف الجامعة العربية
وقد دعا مجلس الجامعة العربية الذي حضره وزراء الخارجية العرب، إلى التعاون بين العراق والأمم المتحدة، وحث المفتشين الدوليين العائدين إلى العراق على عدم القيام بأعمال استفزازية وطالب بإشراك خبراء عرب في فرق التفتيش، كما طالب الولايات المتحدة والدول الكبرى الأخرى الالتزام بالضمانات التي قدمتها إلى سورية بعدم استخدام القرار 1441 ذريعة لضرب العراق.
أسباب تأجيل العدوان
لاشك أن ثمة عوامل عدة أرغمت الولايات المتحدة على تأجيل عدوانها المبيت على الشعب العراقي شهوراً قليلة أهمها:
1. التناقض الحاصل بين الولايات المتحدة والدول الكبرى الأخرى وخاصة في مجلس الأمن وهذا يعود إلى سببين:
- عندما كان الاتحاد السوفييتي موجوداً كان حلفاء واشنطن يسيرون خلفها «على عماها» خوفاً من الشيوعية، أما الآن وبعد زوال الاتحاد السوفييتي فليسوا مرغمين على مجاراتها في كل ما تريد.
ـ هناك تناقض في المصالح بين واشنطن وحلفائها، فالولايات المتحدة لا تخفي مطامعها في السيطرة لا على الشرق الأوسط فقط، بل على العالم كله أيضاً ولاتأخذ مصالح الآخرين بعين الاعتبار ولذلك رأينا معارضة شديدة لسياستها في أوروبا وفي أنحاء العالم تجاه العراق، انعكست في أعلى هيئة دولية.
2. معارضة الأكثرية الساحقة من حكومات العالم لأي حرب على العراق ودعت إلى إعطاء فرصة للمفتشين الدوليين للقيام بدورهم المنوط بهم.
3. الحركة الجماهيرية الواسعة التي عمت العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة، ماعدا البلدان العربية، والتي نهضت وأعلنت رفضها لأي عدوان على العراق، ويمكننا الإشارة بهذا الصدد إلى المظاهرات الاحتجاجية الضخمة التي جرت في إيطاليا ُبعيد قرار مجلس الأمن والتي رفضت بشدة أي حرب أمريكية على الشعب العراقي.
4 ـ ولا بد من الإشارة إلى الدور السوري الواضح والنشيط والمعارض لأي عدوان على العراق، إذ لم تترك سورية فرصة إلا وأوضحت موقفها الحازم هذا.
5. وأخيراً لابد من الأخذ بعين الاعتبار موقف القيادة العراقية المرن والذي استطاع قطع الطريق على أي ذريعة يمكن أن تستغلها واشنطن للانقضاض على العراق، وقضت على جميع المراهنات الأمريكية، وكانت موافقة العراق على قرار مجلس الأمن 1441 القشة التي قصمت ظهر البعير الأمريكي
هل توقفت واشنطن عن مشروعها العدواني
يجب أن لا يكون هناك أي وهم في أن مشروع العدوان الأمريكي على العراق قد توقف وأنها وضعته خلف الظهر.
فالأمريكيون لا يخفون أهدافهم ومخططاتهم وسعيهم الحثيث للقضاء على الشعب العراقي وتقسيمه وإزالته من الوجود كما جرى في يوغسلافيا، ولذلك ينبغي الحذر الشديد وعدم إغماض العين والعمل بمختلف الميادين الشعبية والحكومية والدولية لتكوين جبهة عالمية متراصة تقف في وجه العدوانية الأمريكية ولجمها وإلا فالكارثة واقعة وهي لن تتوقف عند حدود العراق فحسب بل ستمتد أخطارها إلى إيران وسورية ولبنان والسعودية وحتى مصر من أجل تحقيق هدفها الاستراتيجي وهو وضع يد الاحتكارات النفطية الأمريكية على الثروات البترولية في الشرق الأوسط ومن ثم التحكم بهذه الثروة لمصلحتها وحدها واستغلالها لجعلها أداة للتحكم بالعالم أجمع، بما فيها أوروبا واليابان وغيرها من مناطق العالم.
يجب منع العدوان نهائياً
نعم إن الحرب أجلت مؤقتاً، ولكنها لم تلغ من القاموس الأمريكي وستحاول واشنطن استغلال أي ثغرة لتنفرد بقرارها وتقوم بالعدوان على العراق.
فهل تستطيع الولايات المتحدة تحقيق ذلك؟ التاريخ قال لا سابقاً وسيقول لا لاحقاً إذا حزمت الشعوب وقواها الخيرة في العالم أجمع أمرها وتعاونت فيما بينها لسد الطريق نهائياً على صقور واشنطن لا لمنع الحرب مؤقتاً بل لإلغائها إلغاء نهائياً.
■ عادل الملا
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.