خطان متعارضان في الحراك السياسي الفلسطيني (2-2)
إن خطة العمل تجاه قطاع غزة تهدف بالمحصلة النهائية إلى إعادته إلى «بيت الطاعة الشرعي»، وتستند هذه «الشرعية» إلى مجموعة الإجراءات التي تحرص على تنفيذها كل يوم قيادات سلطة المقاطعة، انطلاقاً من بنود خطة خارطة الطريق الكارثية، وما يسمى بالقرارات الدولية المجحفة. ومن هنا تتحدد مواصفات «الطاعة» في نموذج ممارسات سلطة وحكومة رام الله المحتلة.
لقد تأكد بما لايقبل مجالاً للشك، أن المشروع الذي تسعى لتطبيقه وانجازه طواقم العمل السياسية والأمنية والتفاوضية والإقتصادية في الضفة المحتلة، يتماهى مع خطة العمل الأمريكية/ الصهيونية، بل ويسعى للتطابق مع اشتراطاتها المتتالية، على الرغم من بعض الغبار الخفيف الذي تثيره بعض الانتقادات حول وقف كل أشكال المفاوضات، طالما لم يتوقف الاستيطان، والذي تفضح ادعاءاته المعدة للاستهلاك المحلي، جلسات الحوار التي جمعت في مدينة القدس المحتلة مؤخراً، أحد وزراء حكومة فياض مع سيلفان شالوم الوزير في حكومة العدو. وللتذكير فقط، نؤكد مجدداً، بأن 27 اجتماعاً عقدته قيادة المقاطعة مع حكومة أولمرت المجرمة، لم يتم التوصل فيها إلى أي اتفاق حول القضايا المثارة. كما أن 208 مستعمرة تنتشر بالضفة ومنطقة القدس، بالإضافة إلى 217 بؤرة استعمارية عشوائية يتم زرعها في العديد من المناطق، مما رفع عدد المستعمرين الصهاينة بالضفة والقدس إلى حوالي نصف مليون مستعمر (علماً بأن وزير الحرب الإسرائيلي أيهود باراك أطلق العنان لبناء 455 وحدة استيطانية جديدة في القدس والضفة تنفيذاً لقرارات «الأمر الواقع» الصادرة عن حكومة الاحتلال والقاضية بتسريع الاستيطان قبل وقفه مرحلياً!!- «قاسيون»).
أمام هذا الواقع الصعب والاستثنائي في مسيرة النضال الوطني التحرري للشعب الفلسطيني، تبرز الحاجة الضرورية والملحة للعمل على إعادة امتلاك الوطنيين الفلسطينيين لمشروعهم الوطني، المستند إلى حقائق التاريخ والجغرافيا، وإلى التراث الهائل والكم الوفير من حصاد أكثر من عشرة عقود من مواجهة مشروع الهيمنة الامبريالية والاحتلال الصهيوني لوطنه. إن إعادة انتاج مفاهيم وخطط عمل جديدة تتلاءم مع طبيعة المرحلة الراهنة بكل تعقيداتها القاسية، يجب أن تنطلق من الحقائق التي انطلق منها الكفاح الفلسطيني المسلح، وهو يواجه مع تشكل التحالف البريطاني/ اليهودي، المحاولات المحمومة لتهويد الوطن الفلسطيني وصهينته. إن الإنتفاضات والثورات المتعاقبة التي ما إن تتعرض لبعض الانتكاسات، نتيجة العوامل الموضوعية والذاتية المتداخلة، إلا وتنهض مجدداً لتؤكد حيوية هذا الشعب وديمومة قدراته الكفاحية. في هذه المرحلة وأمام اجراءات قيادة سلطة رام الله المحتلة، باعتبار كل مقاوم يحمل السلاح «خارجاً على القانون»، وكل الكتائب والسرايا والألوية الوطنية المسلحة «ميليشيات» وعصابات تهدد «السلام مع الجيران»، وتقوض عملية «الرخاء والتنمية والاستقرار»، وفي ظل التخلي الكامل عن الملايين من أبناء الشعب داخل الوطن المحتل منذ عام 1948، وعلى امتداد قارات العالم، تكون القوى السياسية التي تتآلف في سلطة المقاطعة وحكومتها، قد توصلت إلى أن احتلال فلسطين عام 1948 أصبح في عهدة التاريخ وذمته!
إن المطلوب وطنياً في هذه المرحلة، الخروج من دائرة الإدانة اللفظية إلى دائرة الفعل، فأشكال الاحتجاجات السابقة والمعهودة: مؤتمرات شعبية وبيانات وعرائض لم تعد هي الشكل المطلوب فقط، على الرغم من ضرورتها في بعض المنعطفات، انطلاقاً من كونها عوامل للضغط السياسي والجماهيري الهادف وقف حالة التدهور التي تندفع فيها القيادة المتنفذة الفلسطينية. ولذلك ومن أجل ألا تكون الردود المطلوبة على الإفتراق الحاصل في الحالة السياسية الفلسطينية مجرد عمل استعراضي، وحتى لاتتحول المواقف الوطنية إلى مجرد «فقاعة» مؤقتة، حان الوقت لإنضاج حالة جماهيرية / تيار وطني واسع، ينتشر الآلاف من أعضائه «العفويين» في كل مناطق الوجود الفلسطيني، سواء في الفصائل أو الهيئات الأهلية، وبالأساس داخل نسيج المجتمع الفلسطيني اللاجىء والمشرد. إن مهمات الوطنيين الفلسطينين في مختلف مواقعهم، ومن خلال جهودهم الاستثنائية في هذه المرحلة التي يتم فيها التفريط بالقضية والوطن على يد مجموعة من القيادات والقوى، تتطلب نقل الحراك الفردي إلى جهد جماعي منظم، يهدف للتأكيد على الثوابت الوطنية والقومية لشعبنا، كما تضمنها الميثاق القومي/ الوطني للمنظمة. ولهذا يمكننا القول بأن إعادة الاعتبار، والدور، والوظيفة، لمنظمة التحرير الفلسطينية، كحاضنة سياسية تضم كل الوطنيين الملتزمين بأهدافها، والعنوان المباشر للنضال الوطني الفلسطيني، الذي جسده شعارها (وحدة وطنية، تعبئة قومية، تحرير)، تصبح مهمة عاجلة. إن توحيد جهود الوطنيين يجب أن يتركز على قضية اللاجئين الذين طردوا قسراً من وطنهم التاريخي، فأبناء الشعب اللاجىء، هم الذين تحملوا لعقود طويلة- ومازالوا- المشروع الكفاحي، وعلى تضحيات مقاتليهم، ارتفعت راية المقاومة المسلحة في أكثر من مكان. ولهذا فإن النضال من أجل عودة اللاجئين لوطنهم وقراهم التي طردوا منها عام 1948 يصبح القضية المركزية في برنامج العمل الكفاحي، حتى لا تتحول قضية اللاجئين، ودماء أبنائهم إلى «فاتورة» يتم تسديد حسابها للعديد من الدول، كما استشف من تصريح أدلى به قبل أيام أحد المسؤولين الأوروبيين الذين شاركوا في صياغة «رؤية أوباما» للحل! وبالتالي فإن التصدي لآثار ونتائج اتفاق اعلان المبادىء في أوسلو وملحقاته الذي أسقط مضمون القضية، وألغى حق اللاجىء في وطنه، يصبح أحد أبرز العناوين في خطة العمل الراهنة، بما يتضمنه ذلك من رفض للممارسات السياسية والأمنية التي تندفع فيها سلطة رام الله.
إن تطوير أشكال الرفض السياسية والجماهيرية، يجب أن يأخذ شكل الحراك العامودي والأفقي، بحيث تتضافر حركة النخب السياسية المستقلة- غير المنضوية في عضوية الفصائل- «كتاب ومثقفون أكاديميون» مع الحركة الشعبية القاعدية «الناشطون في اللجان الأهلية والعمل الشعبي»، التي تشهدها المخيمات ومناطق الوجود الفلسطيني في كل مكان، لتنطلق من خلالهم وبهم ورشات حوار تضم مندوبي الفصائل المعارضة، من أجل بلورة رؤية نقدية وموضوعية للأزمة الراهنة بكل تشعباتها وتجلياتها، تهدف إلى وضع برامج للعمل السياسي/ الكفاحي/ المجتمعي كخطوة أساسية لاستكمال مهمات النضال الوطني التحرري، من حيث التأكيد والتشديد على وحدة الشعب الفلسطيني في كل مناطق انتشاره داخل الوطن المنكوب باحتلال عامي 1948 و1967 وفي مناطق اللجوء والاغتراب، هذا الشعب المتمسك بمقاومته للمشروع الصهيوني الاستعماري، والرافض لكل أشكال التنازلات والمساومات على قضية تحرير الوطن.