منظمات (لا) إنسانية

احتلت منظمات حقوق الإنسان في الآونة الأخيرة مكانة أجبرت الشرائح المتنفذة في القرار السياسي في البلد المعني إيلاء اعتبار خاص لها، خاصة و أن هذه المنظمات تستهوي شرائح من الشعب والمجتمع المدني، وبعضها العصا الخارجية. تختلف هذه المنظمات عن بعضها تبعاً لمدى استقلاليتها أو ارتباطها بحكومة ما (خارجية أو داخلية) أو بحزب أو مؤسسة ما وكذلك تبعاً لمدى اندماجها بمصالح وهموم المجتمع المحلي والوطني أفراداً و جماعات.

تقسم هذه المنظمات بشكل عام إلى ثلاث مجموعات، الأولى هي تلك المنظمات التي تدافع حقيقة عن حقوق الإنسان وهو المكون الأساسي لأي شعب وبالتالي لا تناقض في منظورها بين حقوق و مصالح الإنسان كفرد و كجماعة، فهي تدافع عن حقوق الشعب أو فلنقل الأغلبية الساحقة لأي شعب، كونها تتناقض مع مصالح فئات من البرجوازية. فبالنسبة لهذه المجموعة، حقوق الفرد التي تصب في حقوق الشعب عامة هي الجديرة بالدفاع عنها قبل غيرها. هذه المجموعة تعاني من الحكومات الداخلية و الخارجية، و ذلك كونها تتمرد على سلطات كليهما و التي تحاول فرض نوع من المساومة لغض البصر ،في عدة أماكن، عن انتهاكات تتنوع في بشاعتها.

     المجموعة الثانية هي تلك المرتبطة بالحكومة (الداخلية) أو بما يسمى بوزارة حقوق الإنسان. و هذه المنظمات نفسها تثير الشفقة وتتطلب من يدافع عن حقوق أعضائها فعملها موجه لما هو في صالح تلك الحكومة التي أوجدتها لغاية في نفسها، و تلك الحكومات تكون إما شمولية أو رأسمالية أو ثيوقراطية دينية. وتشكل هذه المنظمات الغطاء الحريري لممارسات حكومية حديدية على الشعب والصحافة والأحزاب والمجتمع المدني وتحاول زوراً إثبات أن هذه الممارسات( إن وجدت، فهي ليست لا إنسانية )!

     أما المجموعة الثالثة، وهي الأكثر انتشاراً، فهي مرتبطة بحكومات خارجية أو بمنظمات غير حكومية خارجية، ويكون الدعم الذي تتلقاه مشروطاً للتحرك بما يتوافق مع مصالح تلك الجهات. هذه المجموعة، والممولة من الرأسمالية الغربية، تقوم ببرجزة حقوق الإنسان، فهي تتعامل بطبقية بشعة مع الإنسان. هي تتكفل بمتابعة بعض الأفراد وبالمطالبة بحقوقهم الإنسانية والمدنية في الوقت الذي تتغاضى فيه عن حقوق الملايين من الأفراد في البلد ذاته. و تصدف دائماً أن ذلك (المدلل) تكون له علاقة ما مع تلك الجهات، فإنسان ما لا يجب أن يغبَر على حقوقه وآخر لا يعبر!

هذه المنظمات لا تلتفت إلى الإنتهاكات (بالجملة) الممارسة على فئة واسعة من الناس أو الإضطهاد الجماعي (للدراويش) إن كان من حكومة أو ميليشيات ، إلا إذا استشعرت بفائدة سياسية أو اقتصادية  (للبيغ بوس). هذه المجموعة لا تلمح ،حتى، إلى السياسات الرأسمالية الجشعة التي تمارسها تلك الحكومات الخارجية من نهب و حصار و سطو مسلح على بلدان الجنوب وجموع شعوبه. هذه المنظمات (الإنسانية) تتنكر لوجود الصراع الطبقي، بين مستغل (بكسر الغين ) ومستغل (بفتحها) إن كان ذلك في علاقات الدول أو الطبقات داخل الدولة. فهي، تبريراً لسلوكها، ترفع شعار الإنسان اللامنتمي إلى طبقة، الإنسان بشكل عام، وهي تدعي الحياد وأنها تقف على مسافة واحدة من كل إنسان، ولكنها تسعى لتغطية المصالح الطبقية البرجوازية برفضها لحقيقة الصراع الطبقي. كان من الأصدق لها لو أطلقت على نفسها اسم منظمات حقوق الإنسان البرجوازي.

     لم توجد الإنسانية حتى الآن في أي مجتمع، فالتناقضات التي تمزق المجتمع لا يمكنها أن تخلق ظاهرة اجتماعية لا طبقية أو فوق الطبقات، وإلى أن نصل إلى المجتمع اللاطبقي يكون فيه النداء و العمل لحقوق الإنسان بشكل عام مرادف لحقوق كل إنسان بشكل خاص، وتتبلور لتصبح حقوق الشعب، إلى ذلك الحين، أرى أن تقوم منظمات حقوق الإنسان بإعطاء الأولوية للحقوق الإنسانية والمدنية للأغلبية الساحقة والمسحوقة في أي مجتمع وهم الفقراء، وألا تمايز بين إنسان وآخر على أسس (لا إنسانية).

 

■ سليم البيك