لبنان.. «وثيقة التفاهم»  هل هي بداية «اللبننة»؟؟

اللقاء التاريخي بين التيار العوني و حزب الله والذي تم بعد ظهر يوم الاثنين السادس من شباط في كنيسة مار مخايل، جاء بعد أشهر طويلة من المخاضات العسيرة والتحضيرات والمناقشات التفصيلية، والتواصل والانقطاع والحوارات المفتوحة على كل العناوين، لتتوصل لجنة الحوار الثنائية بين كل منهما أخيراً إلى ورقة سياسية كانت كافية لترتيب لقاء قمة بين الجنرال ميشيل عون والسيد حسن نصر الله.

جاء اللقاء بعد أن أنهى وزراء أمل وحزب الله مقاطعتهم لجلسات الحكومة كما كان يفضل عون، وأيضا بعد انفراط عقد عدد من التحالفات السياسية التي قامت عشية الانتخابات النيابية الأخيرة، وليشكل، ربما، الضربة القاضية لبقية التحالفات التي سبقتها أو واكبتها أو انبثقت عنها. كذلك جاء هذا اللقاء بعد ما سمي بأحداث التباريس التي يبدو أنها لم تأت نتيجة الانفعال الزائد، وإنما نتيجة مخطط واضح المرامي القريبة والبعيدة، ويستهدف بصورة مباشرة السلم الأهلي، وإدخال القوى الوطنية في مستنقعات معارك ملوثة طائفياً.

أحداث الخامس من شباط في التباريس كانت طارئة، لكنها تحولت إلى محورية في الجلسة بين عون ونصر الله التي دامت أكثر من ثلاث ساعات، وحضر جانبا كبيرا منها مسؤولون رفيعون من كلا الجانبين، وإن كانت الغاية الأساسية مناقشة وثيقة التفاهم المشتركة، حيث تم وضع اللمسات الأخيرة عليها، وتقرر أن يتولى كل من جبران باسيل وغالب ابو زينب تلاوتها أمام الإعلام فيما تابع السيد وعون خلوتهما.

وإذ ركز عون ونصر الله في المؤتمر الصحافي على نفي صفة التحالف عن الاتفاق الذي حصل بينهما، وأكدا في الوقت نفسه أنه ليس للاتفاق الذي تم بينهما أي بعد طائفي وأنه مفتوح على الحوار مع الآخرين وأنه صيغة جديدة لتنظيم التفاهمات أو الخلافات بين القوى البارزة، إلا أن هذا الاتفاق يعد بداية لمرحلة جديدة من الاصطفافات، مرحلة تأخذ فيها التوافقات شكلاً مغايراً لما كان معتمداً في ما مضى من تسويات آنية ومحدودة، وذلك بالانتقال إلى تفاهمات استراتيجية شاملة وواضحة وبعيدة عن الخجل وتأجيل المواضيع، وإن تأكيد كل منهما أن الاتفاق لا يلزم الفريقين بتحالفات معينة ولا يحد من علاقاتهما مع القوى الأخرى في البلاد، هو رسالة إلى جميع الأطراف اللبنانية لبدء مرحلة جديدة من الفهم الأعمق لمفهوم التحالف على أسس حقيقية وراسخة.

من جهة أخرى، وفيما نفى عون ونصر الله أن يكون الموضوع الرئاسي قد طرح، إلا أن ما حدث ربما يشكل خطوة كبيرة نحو مسيرة عون إلى قصر بعبدا، فنصر الله كرر القول إن حزب الله يتعامل مع العماد عون كمرشح جدي وحقيقي للرئاسة وأنه يتمتع بالأهلية الشخصية والشعبية لتولي هذا المنصب.

ولعل أولى نتائج هذا التفاهم، أن قيادة التيار الوطني الحر التي ما انفكت تتباعد عن قوى الأكثرية النيابية، حسمت خيارها بعدم دعوة جمهور التيار إلى المشاركة في التجمع الذي دعت إليه قوى ما يعرف بـ14 آذار في الذكرى السنوية الأولى لمقتل الحريري، لأنه وحسب تصريحات مسؤولي التيار العوني فإن ظروف 14 آذار الماضي الذي رفع شعار استعادة السيادة والاستقلال تختلف عن الظروف القائمة الآن، بعدما تمت بالفعل استعادة السيادة والاستقلال، وبات مطلوباً اليوم من هذه القوى التي لا تفعل شيئاً رغم إمساكها بمفاصل السلطة، الحفاظ عليهما، ثم إن التيار راح يتحدث عن رغبة كبيرة لديه بتجنب أي إشكالات محتملة أو احتكاك مع قواعد الأكثرية النيابية، كتلك التي حصلت في أعقاب اغتيال النائب جبران تويني وأمام كنيسة مار مارون في الأشرفية، لأنه وحسب قناعة الجنرال عون: الجرّة لا تسلم كل مرة، والذي أكد أيضاً أنه تقرر حصر الحضور والمشاركة بوفد رسمي يضم عددا من نواب التيار.

نقاط الوثيقة

رأت الوثيقة أن الحوار الوطني هو السبيل الوحيد لحل الأزمات في لبنان وبمشاركة الأطراف ذات الحيثية الوطنية وشموله كل القضايا التي تتطلب التوافق العام. كما أن الديموقراطية التوافقية هي القاعدة الأساسية للحكم، وأن إصلاح الحياة السياسية يستوجب قانون انتخاب عصرياً قد تكون النسبية إحدى سماته الأساسية، ومحاربة الفساد وتوقيع لبنان على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد وتفعيل المؤسسات الرقابية.

ودعت الوثيقة إلى إنهاء وضع  ملف المفقودين اللبنانيين والى حل مشكلة الأسرى لدى العدو الأسرائيلي.

وأدانت الوثيقة كل عمليات الاغتيال السياسي ومحاولات الاغتيال والعمل على كشف الحقيقة باستمرار التحقيق ولا مساومة في هذا الشأن إحقاقا للعدالة، وإصلاح الأجهزة الأمنية ووضع خطة أمنية متكاملة وتحييد هذه الأجهزة الأمنية عن المحسوبيات السياسية وإنشاء لجنة برلمانية أمنية تواكب عملية الإصلاح الأمني.

ودعت الوثيقة إلى إقامة علاقات سوية وصحيحة مع سورية ومراجعة المرحلة السابقة لاستخلاص العبر ورفض العودة إلى أي شكل من أشكال الوصاية واتخاذ الخطوات اللازمة لتثبيت لبنانية مزارع شبعا وترسيم الحدود مع سورية ومطالبة سورية بالتعاون مع لبنان لكشف مصير المعتقلين اللبنانيين لديها وقيام علاقات دبلوماسية بين البلدين.

أما في موضوع العلاقات اللبنانية الفلسطينية، فقد دعت الوثيقة إلى معالجة ملف اللاجئين واحترام سلطة الدولة اللبنانية، والتضامن مع حقوق الفلسطينيين واستعادتهم لحقوقهم وتحسين ظروف عيشهم، وكذلك احترام حق العودة ورفض التوطين، ومعالجة ملف السلاح الفلسطيني وترتيب الوضع الأمني داخل المخيمات وخارجها.

 

وفي ما يتعلق بسلاح المقاومة فإن الوثيقة دعت إلى التعامل معه ضمن مقاربة شاملة بين حدين أولهما الاستناد إلى المبررات التي تلقى الإجماع الوطني، وثانيهما تحديد الظروف الموضوعية التي تؤدي إلى انتفاء أسباب حمل هذا السلاح، من تحرير لمزارع شبعا وتحرير الأسرى اللبنانيين في السجون الإسرائيلية وحماية لبنان من الأخطار الاستراتيجية في إطار استراتيجية دفاع وطني.