النظام المصري يسفك دم السودانيين

لم يروع الشعب المصري مؤخرا بحدث مثلما روعته مذبحة السودانيين التي ارتكبها النظام المصري – من أكبر رأس في البلاد إلي أصغر جندي في الداخلية - فجر الجمعة 30 ديسمبر 2005 ليختتم بها عاما آخر من سنوات حكمه السوداء.

وكانت المشاهد التي بثتها القنوات الفضائية لأخوتنا السودانيين تحت العصي والركلات أمرا فوق احتمال ضمير أي كائن بشري. لقد انتهت المذبحة بانتصار جديد للنظام المصري نجحت فيه قواته في قتل أكثر من خمسة وعشرين مواطنا سودانيا مسالما أعزل وطفلين صغيرين. وتناثرت مع دماء السودانيين على أسفلت الشوارع كتب وحياة وصور ووثائق وعذاب وأحذية وملابس وأحلام بعام جديد سعيد. ولا يمكن وصف هذه الجريمة بغير أنها «جريمة ضد الإنسانية» وعملية «إبادة جماعية» لم تشهد لها مصر مثيلا.

هل يمكن للاعتذار أن يهوّن على أسر الضحايا؟ وأن يخفف من شعور الشعب السوداني بالألم؟ وهل يمكن للاستنكار أن يصلح ما أسالته قوى الطغيان من دم؟. لقد استنكرت كل القوى الحية في المجتمع المصري تلك المذبحة، المجزرة، وتداعت لمظاهرة احتجاج يوم السبت 31 ديسمبر في ميدان مصطفى محمود بمنطقة المهندسين، لتعرب عن احتجاجها وغضبها واستنكارها للمجزرة، ولكي تطالب بمحاكمة السفاحين الذين ارتكبوا المجزرة. كما تم التخطيط لمظاهرة أخرى أمام مقر المفوضية السامية لشئون اللاجئين في منطقة المهندسين بالقاهرة. وتوالت عبر مواقع الانترنت كل أشكال التعبير الذي يعرب المصريون من خلاله عن احتجاجهم واستنكارهم للمذبحة وإدانتهم للقتلة وسياسات النظام المصري العامة.

لقد أظهرت " قواتنا المصرية " شجاعة منقطعة النظير أمام السودانيين العزل، لم تستطع أن تظهر مثلها حين قتل العدو الإسرائيلي أبناء الشعب المصري عند معبر رفح منذ نحو عام، فقد هبطت عليها في حينه حكمة التأني والتمهل، ثم هبطت عليها نعمة النسيان.

إن أبشع المذابح التي تعرض لها الشعب المصري في تاريخه الحديث لا تصل لبشاعة المذبحة الأخيرة، ومازال الشعب المصري يذكر حتى الآن، في كتبه، وفي ضميره، وبألم بالغ، مذبحة دنشواي عام 1906 باعتبارها دليلا على البربرية، وذلك حين أعدم الإنجليز ستة من فلاحي قرية دنشواي في 28 يونيو 1906. وظل ذلك الحكم في ضمير الحركة الوطنية باعتباره عملا وحشيا. الآن قتل أكثر من خمسة وعشرين مواطناً سودانياً أعزل، ومن دون سبب على الإطلاق، فكيف تسمى هذه المذبحة؟ مازالت مصر تذكر مذبحة الإسماعيلية في 16 أكتوبر 1951 حين أطلقت المدرعات البريطانية النار على متظاهرين فقتلت منهم سبعة أفراد!! وظلت تلك المذبحة في ضمير المصريين وتاريخهم باعتبارها هي الأخرى عملا بربريا لا ينسى. فكيف الحال مع قتل وسحل أكثر من خمسة وعشرين مواطنا سودانيا وطفلين صغيرين؟ هل تفارق هذه المذبحة ذاكرة مصر؟ وهل ينسى المصريون أسماء القتلة والسفاحين ؟

أتساءل هل يمكن للاعتذار أن يهون عن أسر الضحايا؟ وأن يخفف من شعور الشعب السوداني بالألم؟ وهل يمكن للاستنكار أن يصلح ما أسالته قوى الطغيان من دم؟ فقط على الشعب السوداني أن يعلم أننا شركاؤه في الهم، وشركاؤه في المذابح، بدءا من جريمة قطار كفر الدوار في أكتوبر 1998، مرورا بحادثة قطار الصعيد في 20 فبراير عام 2002 حيث احترق أكثر من ألف وخمسمائة مواطن مصري فقير داخل عربات القطار الشعبي الذي يستخدمه نحو 80% من فقراء مصر. احترقوا أحياء وهم في طريقهم لقضاء العيد بين أهاليهم، بسبب إهمال النظام المصري لأبسط واجبات الصيانة واستهانته بأصغر حقوق مواطنيه. وفي يوم الاثنين 5 سبتمبر عام 2005 في أحد مسارح مدينة بني سويف بالصعيد شب حريق في المسرح أدى إلي وفاة ما يربو على 47 قتيلا من أفضل شباب الحركة المسرحية والثقافية، لا لشيء، إلا لأن الصيانة معدومة.

إن الجريمة البشعة التي وقعت لن تفارق ضميرنا أبدا. وأعتقد أنني بذلك لا أتحدث بصوتي وحدي، ولا بضميري وحدي، وأنني لست وحدي حين أتقدم بأحر التعازي للشعب السوداني في أخوتنا ضحايا المجزرة الإجرامية التي ارتكبها مجرمو النظام.

 

■ أحمد الخميسي