وما نيل المطالب بلعن الإخوان ... ولكن تؤخذ الدنيا كفاحاً القضاء على تحالف القيادات الحزبية الفاسدة هو الحل

تعكس الزوبعة التي تثيرها الحكومة والبعض من فصائل المعارضة حول تحقيق جماعة الإخوان (المحظورة رسمياً) لانتصارات واضحة في انتخابات مجلس الشعب، أزمة داخل هذه الفصائل ذاتها، وأزمة في علاقتها المباشرة بجماهير الشعب المصري، والغريب أن كل المترديات والمآسي التي شهدها المصريون في السنوات الأخيرة من فقر وبطالة وفقدان أمل، لم تؤثر في المعارضة واحد بالمائة من تأثرها وانفعالها بما حاز عليه الإخوان من مقاعد في مجلس الشعب 2005 ..

فما إن فاز الإخوان المسلمون بعدد من المقاعد، حتى قامت الدنيا وانفعلت، حكومة ومعارضة، وشهدت وسائل الإعلام الرسمية وخاصة التلفزيون غارات من البرامج وحالات حوار موجهة بسذاجة تهاجم الاحتلال الإخوانى ( من وجه نظرهم ) للبرلمان، وتوحدت جهود مفكري الحكومة والمعارضة في هذه المعركة النضالية الكبرى، وتغير خطاب المعارضة وخاصة اليسارية الرسمية (التي سبق وان تخلصت من كل التأثيرات والعناصر الراديكالية لديها ) عندما بدأت في التأكيد على أهمية الشرعية الرسمية والتي لم تمنحها الحكومة للإخوان عن الشرعية الجماهيرية والتي فاز بها الإخوان في المعركة الأخيرة، وشككوا في قانونية وشرعية خوض الانتخابات لفصيل لا يعترف به النظام الحاكم، وحمل هذا ضمنياً معنى أن مشروعية معارضة هذا النظام من وجهة نظرهم لابد وان تستمد منه.

وفي خضم هذا الانفعال الإعلامي الذي استخدمت فيه كافة الوسائل من تشهير وغيرها، لم يلاحظ أي من هؤلاء المنفعلين، ان الالتفاف الجماهيري حول الإخوان لم يكن بسبب العلاقة الإيجابية بين تنظيم الإخوان والشعب، بقدر ما كان بسبب العلاقة السلبية بين الشعب المصري من جهة والتحالف بين المعارضة الشرعية ومؤسسة الحكم الرسمية وحكوماتها ذات الملامح واضحة الفساد من جهة أخرى، وهو ما شكل حالة من العزوف الجماهيري عن هذا التحالف الرسمي، والاتجاه نحو القوة الوحيدة التي حمل خطابها نوعاً من الاستقلالية عن الشرعية الرسمية ذات الصفات الخبيثة والمكروه بوضوح من المصريين وبصرف النظر عما إذا كان لدى الإخوان برنامج سياسي واضح أم لا، فلا احد يبحث عن مواصفات طوق النجاة، وهو ما مثله الإخوان للمصريين الذين عانوا في الفترة الأخيرة ويلات الفقر والفساد وتخلي المعارضة الرسمية عنهم واهتمامها بالبحث عن موضع لها في التشكيل الرسمي وفوائده العظيمة .

والحديث هنا لا يتناول مدى مصداقية أو صحة خطاب الإخوان الإسلامي أو خطاب الفصائل الأخرى وخاصة اليسارية، وإنما الأمر لا يتعدى مجرد محاولات لرصد ظاهرة العزوف الشديد من الجماهير عن الالتفاف حول فصائل اليسار الرسمية المعارضة وحلفائها من بقية الأحزاب الرسمية، وفي المقابل حالة الالتفاف الوجداني والإيجابي حول حركة الإخوان المسلمين في مصر رغم عدم شرعيتها من وجهة نظر الحكومة المصرية وما يترتب على ذلك من مخاطر.

ومما هو جدير بالذكر أن حال الشارع المصري كان مغايراً لهذا الوضع حتى ما يقرب من عشرين عاماً مضت، فقد كانت شعبية اليسار أكثر قرباً لوجدان المصريين وخاصة قبل الفترة التي أصبح فيها لليسار منبر شرعي داخل مؤسسة الدولة المصرية، وحتى بالمقارنة بالتيار الديني، وهو ما يعنى أن تعليق النهوض الإخوانى على شماعة الخطاب الديني والعواطف فقط غير صحيح بدليل أن هذا الخطاب مستمر منذ مئات السنين، وتجلى بوضوح في تشكيلات الإخوان منذ 77 عاماً، ولم يشكل سبباً رئيسياً للالتفاف السياسي حول الفصائل الإسلامية .

إذا فحالة الاستجابة الجماهيرية لتيار الإخوان لابد وأن يعود لعوامل أخرى غير الخطاب الديني والذي أؤكد أيضا أنه ليس الخطاب السياسي أو البرنامج، فالخطاب الإخواني لم يحمل قط معالم أو رؤى سياسية أو اقتصادية واضحة، ولم يعتمد الإخوان في علاقاتهم وحركتهم الجماهيرية على هذا النوع من البرامج .. ويمكن أن يظهر سبب هذه الاستجابة إذا ما أبحرنا في رحلة قصيرة جداً في جزء من تاريخ الحالة الحزبية في مصر وخاصة اليسارية خلال الثلاثين عاماً الماضية

 

■ محمد منير