مكامن القوة الإيرانية

في مطلع 2006، بلغ حجم التجارة بين إيران والصين 8 مليارات دولار، ويرتفع المبلغ في نهاية العام إلى 10 مليارات دولار، وتبلغ تكلفة أنبوب الغاز بين إيران والهند نحو 10 مليارات دولار، ومن المفترض أن يلبي قسماً كبيراً من احتياجات الهند للغاز، كما أن روسيا على وشك توقيع اتفاق تزود بموجبه طهران بالسلاح بمبلغ مليار دولار.

وإيران التي حولتها أسعار النفط في العالم إلى دولة ثرية قادرة على تسديد ثمن صفقاتها نقداً، هي اليوم في ازدهار اقتصادي، وتتمتع بوضع متين إلى حد يسمح لها برفض الاقتراح الروسي للتسوية في الموضوع النووي، وفي إمكانها أن تعول على استخدام الصين حق النقض على كل عقوبة قد تنوي الولايات المتحدة عبر الأمم المتحدة فرضها عليها.

وهنا يرى المراقبون مكمن قوة طهران واتساع ذاك الهامش أمام رئيسها أحمدي نجاد في أن يطلق تصريحاته النارية ضد واشنطن وتل أبيب.

إن موقع إيران، واعتماد روسيا والصين عليها (إلى جانب دول أخرى مثل اليابان والهند وباكستان التي لا تملك حق الفيتو في مجلس الأمن، يقود إلى حسبان أن الغرب مقيد اليد في مواجهة برنامجها النووي، سواء كانت قضية التسلح حقيقة أم كذباً. ولعل الحسبان هذا قريب من الواقع، طالما أن لجنة الطاقة النووية ومجلس الأمن يتقيدان بتفاهمين أساسيين في معالجتهما الموضوع. التفاهم الأول هو أن إيران، إلى اليوم، لم تباشر خياراً عسكرياً ملموساً، والثاني أن فرض عقوبات اقتصادية عليها هو أمر غير واقعي، نظراً لوضعها الاقتصادي المتين وعلاقاتها الخاصة بالصين وروسيا.

ومن المفيد أيضاً النظر إلى محاولة الولايات المتحدة جذب إيران إلى مساعيها الرامية إلى تهدئة الوضع في العراق، تمهيداً للتفكير في الخروج من هناك. ومؤخراً حاول زلماي خليل زاد، المندوب السامي الأمريكي في بغداد، العثور على محاور إيراني في الموضوع، ولم ينجح في ذلك. وهذه المحاولات تقوي الشعور الإيراني بالقوة.

وقبل هذا كله، لا ترى أوروبا وروسيا والصين البرنامج النووي الإيراني تهديداً مباشراً لها، بل تحصره في باب الإخلال المحتمل بتوازن التسلح العالمي. وهذا يتعارض تماماً وموقف الكيان الإسرائيلي الذي لا يهمه الإخلال بالتوازن العالمي، فهو لا يحتج على تطوير الهند وباكستان السلاح النووي (وهو نفسه لم يوقع على معاهدة منع الانتشار النووي). ولكنه يرى في امتلاك إيران السلاح النووي تهديداً مباشراً له وحده.

 

وبحسب المحللين الأمريكيين والإسرائيليين فإن هذا هو جزء من تعليل الموقف الدولي غير القادر على حسم الأمور بخصوص إيران: فالسلاح النووي الإيراني في حال امتلاكه سيكون مشكلة إسرائيلية حصرياً (والقول لهؤلاء المحللين الذين يرون من خلال مواصلتهم التعبئة الدولية ضد إيران أن هناك مأزقاً مزدوجاً: مأزق الولايات المتحدة تجاه شريكتيها روسيا والصين، ومأزق إسرائيل الراغبة في إقناع العالم بالخطر العالمي الإيراني الذي تستغله طهران. وهم يقولون إن إيران حتى وإن لم تصنع في نهاية الأمر سلاحاً نووياً، فهي تحتفظ بسيف التهديد بقدرتها على إنتاجه، والتعويل على انقسام العالم على الموقف منها، وهو ما ينقذها.