سايكس/بيكو 2 إلى أين ؟؟
خلال زيارة قام بها مؤخراً إلى دمشق، قال النائب البريطاني المناضل جورج غالوي مايلي:" إذا استمر الوضع العربي كما هو عليه الحال الآن، فإن العرب سيجدون أنفسهم أمام سايكس/بيكو رقم 2، وستكون بداية القرن الحادي والعشرين مثل بداية القرن العشرين، بكل ما ساد القرن من إذلال للجمهور العربي الواسع! إن فقدان مدينتين تعدّان من أجمل (وأهمّ) المدن (العواصم) العربية، وهما القدس وبغداد، وإن الاحتلال الفعلي (المباشر) الذي يجري لدولة عربية إثر أخرى، والاحتلال الفكري لمعظم الدول العربية، كل ذلك يستدعي من العرب وقفة جادة من أجل حشد الإمكانات المتاحة لديهم، واستعمالها لمواجهة هذا الوضع"!
وهكذا يكون غالوي قد وضع إصبعه على جوهر الخطر العظيم الذي يتعرض له العرب اليوم، خطر سايكس/بيكو ثانية، إنما بمرتزقة محليين، يستفيدون من تجربة الكيان الصهيوني اليهودي، ويعتمدون عليها، ويكملونها أيضاً!
بول وولفويتز كان هناك!
وكي نفهم عملية التحضير لتنفيذ سايكس/بيكو ثانية، تتوجب علينا العودة إلى بداية عقد التسعينات الماضي، بداية الحصار الطويل للعراق وإعلان بوش الأب عن انطلاقة النظام الدولي الجديد، فمنذ ذلك التاريخ راحت الإدارة الأميركية تعدّ العدّة لتشكيل فرق من المرتزقة المحليين، مستفيدة بالطبع من ممارسات الأنظمة العربية، فكثرت الاجتماعات والندوات لتشمل أوساطاً عربية وغير عربية، عراقية وغير عراقية، وهكذا على سبيل المثال انعقدت ندوة في واشنطن (تشرين الأول/أكتوبر 1995) تحت عنوان:" العلاقات الأميركية – العربية وتحدّي المشاركة"! وقد نظمّت الندوة "مؤسسة الديمقراطية والتغيير السياسي في الشرق الأوسط"! التي يرأسها الأميركي دانيال بومبرغ، ولنلاحظ مضامين اسم المؤسسة الأميركية، التي يفترض أنها هيئة أكاديمية غير حكومية! وإذا كنت قد اخترت هذه الندوة بالذات كمثال فلأن أحد نجومها كان السفير الأميركي حينئذ بول وولفويتز!
لقد وقف أحد العرب غير الرسميين الذين حضروا تلك الندوة، ولست متأكداً ما إذا كان سورياً، وقال مايلي:" نحن لا نرى عيباً في أن تصوغ الولايات المتحدة الأميركية سياستها في المنطقة العربية لخدمة مصالحها، فكل دول العالم تراعي مصالحها، لكن ما يجب الحديث بشأنه هو تحديد هذه المصالح على وجه الدقة، وجعلها تتلاءم وتتعايش وتتفهم المصالح العربية (صحيفة "المستقلة"30/10/1995).
هل أراد الأخ الكريم أن يعرف، قابلاً سلفاً، ما سيأخذه الأميركيون وما سيتركونه له؟ أم أنه نظر إلى الولايات المتحدة كما ينظر إلى الصين أو روسيا أو ماليزيا؟ فيا للعار والصغار، ولا نقول أكثر في حال افتراض الجهل والسذاجة!
لقد كان الحضور في تلك الندوة يتطلعون إلى الديمقراطية بمساعدة واشنطن، وقد وقف بول وولفويتز بالذات، شخصياً، وأجمل الأجوبة على أسئلتهم الحائرة! تساءل السفير الأميركي وولفويتز، الذي كان يخطط منذ ذلك التاريخ لاحتلال العراق ولسايكس/بيكو الثانية:" كيف سيتعامل نظام سياسي ليبرالي ديمقراطي، مع وجود إسرائيل وأمنها"؟ أجاب وولفويتز:" إذا قبل مثل هذا النظام هذه الحقيقة (وجود إسرائيل وأمنها) فمرحباً به، أما إذا لم يقبلها فإن مصالحنا تصبح متعارضة"! وطرح سعادة السفير سؤالاً ثانياً :" كيف سيتعامل هذا النظام الديمقراطي العربي مع مسألة الإمدادات النفطية، ليس من جهة التسعيرة المعتمدة بل من جهة استخدامه المحتمل للإضرار بالاقتصاد الأميركي؟ وأجاب:" إذا ظهر مثل هذا الاتجاه فإن المصالح الأميركية سوف تتعارض حتماً مع مصالح النظام الديمقراطي العربي المفترض قيامه"! أما السؤال الثالث الذي طرحه وولفويتز وأجاب عليه فهو:" ماذا لو أدّت الديمقراطية إلى ظهور حركات سياسية مثل التي ظهرت في إيران والجزائر ودول أخرى كثيرة"؟ أجاب:" هاهنا أيضاً لن تتطابق المصلحة الأميركية مع انتشار الديمقراطية"!
■ بتصرف- نصر شمالي