حرب التضليل والتقسيم المخططات الصهيونية من «كيسنجر» إلى «غي باخور»

((على الولايات المتحدة أن تغير سياستها هناك، وعليها أيضا إهمال فكرة العراق الموحد: عراق كبير جدا، لدرجة عدم القدرة على السيطرة عليه. إذا كان بالإمكان تقسيم إسرائيل الصغيرة فما بالك بالعراق، هكذا بالإمكان السيطرة أسهل على الدولة التي ستقام، ولأول مرة يكون بالإمكان تأسيس دولة ثواب وعقاب)).

هكذا تناغم كلام (غي باخور) المستشرق والصحافي والمستشار الإسرائيلي المعروف، بتاريخ 16 حزيران 2005 على صحيفة (يدعوت أحرنوت)، وهو ما يجعله من راسمي سياسة إسرائيل الاستراتيجيين، تناغم كلامه مع كلام مواطنه وشريكه في كل شيء (هنري كيسنجر)، والذي بدوره هو أحد أكبر راسمي السياسة الأمريكية.

لماذا التركيز على هنري كيسنجر؟؟ السبب بسيط، فما يتوفر من الوثائق يبين أن هنري كيسنجر ومذ كان مستشاراً للأمن القومي الأمريكي بين الأعوام 1969- 1975 رغم إشغاله وزارة الخارجية الأمريكية أيضاً، كان هو من اختار معظم الأشخاص الذي يشكلون الإدارة الأمريكية اليوم.

من الوثائق ما يبين أن كيسنجر هو من أدخل بول ولووفيتز إلى البيت الأبيض ماسكاً بيده ليشغل إحدى الوظائف فيه، وعمل الشيء نفسه مع دونالد رامسفيلد، وريتشارد بيرل، وحين أسس (معهد هنري كيسنجر) للأبحاث السياسية، كان معهده هذا هو المكان الذي تشكلت فيه الإدارة الجديدة التي تحكم البيت الأبيض اليوم بأفكارها وطموحاتها وأساليبها، وتريد أن تغير العالم حسب خارطة جديدة، أسمها في منطقتنا هو (الشرق الأوسط الكبير).

 ولكي يكون الشرق الأوسط كبيراً، وهو الذي لا يمكن تغيير جغرافيته! ، ويمكن تطبيق سياسة دول الثواب والعقاب التي تحدث عنها (غي باخور)، لابد أن تكون دول هذا الشرق الأوسط صغيرة وغير قابلة للحياة بمفردها، فلا بد من قوة عظمى تدعمها لتعيش وتبقى،...تثيب الدولة الطائعة، وتعاقب الدولة العاصية، دون أن يتسبب ذلك في إرباك النظام العام في الشرق الأوسط الكبير، وهذا هو معنى دولة الثواب والعقاب. لذلك فلا مكان للدول الكبيرة في خارطة الشرق الأوسط الكبير، بل هو مشروع الدول الصغيرة، وما العراق وتقسيمه سوى البداية.

تبدو الفكرة في غاية الجنون، ولكنها ما يحدث في بلادنا،  حتى وإن كذّبنا أعيننا، وأوقفنا عقولنا،  فالأحداث تصفعنا على وجوهنا، أن هذا ما يحدث حقاً لوطننا، وما اجتمع من أجله السادة في بغداد، تحت نظر سفير أمريكا، ورعاية رئيسه ورقابته ومتابعته الدائمة، هو لتطبيق هذا الجنون، سواء فهموا أو لم يفهموا!، ومهمتنا نحن مواطني العراق أن نخبرهم بأننا فهمناها وقرأناها وعليهم أن لا يبصموا على شيء يحرق البلاد ويحرقهم معها.

ولم تكن خطوات الإدارة الأمريكية سهلة وسلسة على مدى سنوات الاحتلال الدموية وأيامه، ولم يبق في جعبته من سناريوهات الجرائم مما لم يطبقها على أرضنا، كي يدفع أبناء البلاد إلى الحرب الأهلية:

التفجيرات الدموية، السيارات المفخخة، مهاجمة المساجد والحسينيات، القتل في الأسواق، القتل على أبواب الدوائر الحكومية ومراكز التدريب، قنص قوافل المتطوعين وهم عزل في الباصات وقتلهم، محاصرة المقدسات وقصفها، محاصرة المدن وتدميرها، كسر إرادة الناس في السجون بالاعتداء والاغتصاب،  وبالتجويع والبطالة، حرب إعلامية وتضليلية ضروس تدق نواقيس الشحن الطائفي في كل دقيقة، ووسائل إعلامية لا تتحدث إلا بمنطق الطائفية، ولا تطلب سوى الثأر من الطوائف سنية وشيعية، واستعمال أسوأ الألفاظ وأقذعها بما يثير أي تجمع قومي أو مذهبي...

 ومع كل ذلك، لم تحدث الحرب الأهلية على أساس الطائفية، والشرق الأوسط الكبير مازال بعيد المنال، فلم تبق إلا الطريقة الدستورية، والمفتاح السحري للدويلات الصغيرة هو الفدرالية.

ولا فرق هنا بين فدرالية للمنطقة الكردية، أو فدرالية للمناطق الشيعية، وأخرى للمناطق السنية، فهي وإن تتكئ على زعيق إعلامي عالٍ، إلا أنها في نهاية المطاف لا تخدم سوى ما وضعه (هنري كيسنجر) عبر إدارة اختار أفرادها بنفسه واحداً تلو الآخر،  من احتمالات الحلول، وتمناه ونصح به (غي باخور) من قلب اسرائيل.

 ولست أدري المدى الذي سيذهب إليه زعماء الكتل المتعاونة مع جيش الاحتلال في تثبيت تطبيق خطوات (هنري كيسنجر)، ولكني أعرف، كما يعرف المواطنون من أمثالي¸ أن شعبنا أراد إنهاء الاحتلال، وليس إنهاء البلاد، حين تحدى الموت ثمانية ملايين منهم، ضُللوا يوماً بأن الاحتلال سيشهد نهايته بعد الانتخابات، فإذا بهم يرون شرعنة وقبولاً واستجداءً لاحتلال لم يريدوه يوماً للوطن.

لذلك، وكما قاوم شعبنا الانجرار إلى الحرب الأهلية رغم وحشية العدو، سيقاوم شعبنا التفتيت والتقسيم باسم العملية الدستورية، كيف؟ ...لا أعرف، ولكنها الثقة به والإيمان بوحدته، عربه وكرده وتركمانه، شيعته وسنته ومسيحييه.

 والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

15 آب 2005  

 

 ■ محمد حسن الخالصي