فلسطينيو الـ 48 هم فلسطينون بالتأكيد
رداً على ما جاء على لسان الدكتور «إلي ريخس» في مؤتمر عقد في جامعة تل أبيب حول «العرب في إسرائيل والحرب في لبنان: محطة على طريق تكون أقلية قومية».
يتحدّث كثيرون عن الفلسطينيين في الـ 48 وكأنّهم أقلية قومية هبطت من الفضاء الخارجي أو تم استيرادها من مجاهل غابات إفريقيا، أو تم العثور عليها صدفةً في مكان ما لاهويةَ جغرافية أو تاريخية أو قومية له، بل ربما كانت هذه المجموعة ملقاةً على قارعة الطريق فانطلقت الدولة لالتقاطها قبل أن يمسها سوء، لتدرجها في خانة مواطنتها حبّاً لها أو إشفاقا عليها.
ولعل ما يثير التساؤل والاستغراب في هذا الطرح هو: كيف يمكن أن يُنظَر إلى شعبٍ متكامل المعالم التاريخية والسياسية على أنه أقليّة، وهل يحقّ للمحتلّ أن ينظر إلى أصحاب الأرض على أنهم أقلية، وهل الأقليّة هي هذا الجزء من ذلك الشعب الذي قد احتلت أرضه وهو ذو صلة وطيدة بما يحيط به من الملايين من أمة كاملة ذات تاريخ وثقافة وحضارة وإرث فكري موحّد، أم المحتل الذي دخل البلاد غريباً وهو محاط بشعوب لا تمت إليه بأية صلة ثقافية؟
إن مجرد النظر إلى الفلسطينيين في الـ48 هو خاطئ بكلّ المعايير، ومع احترامي للذين يطرحون هذا الطرح –ولو افترضنا أنه بعضهم يطرحونه بحسن نية وبهدف التعايش وحسن الجوار- فإنّ هذا الطرح يسيء إلى الفلسطيننين في الـ48 على عدة صعد:
1. هذا الطرح يؤدّي إلى انقسام في صفوف الفلسطينيين، فكأن الفلسطينيين في الـ 48 ليسوا عضواً من ذلك الجسد المتكامل، جسد الشعب الفلسطيني.
2. إن محاولة أسرلة هؤلاء بإضفاء الصبغة الإسرائيلية عليهم، يسلخهم عن العرب والمسلمين عموماً، علماً بأن لهؤلاء صلةَ دم وقرابة ثقافية وتاريخية، بالعرب والمسلمين، بل أكثر من ذلك، فإن المادة الوراثية التي يحملها هؤلاء، هي هي، تلك المادة الوراثية والجينات التي يحملها كل عربي ومسلم في العالم.
3. على المستوى المحلّي، يرمي هذا الطرح لسلخ الفلسطينيين في الـ48 عن جذورهم من حيث حقهم في الأرض، فهم أكثر الناس حقّاً في الأرض التي منهم سلبت، وفيها يعيشون. فهل أصبح الذي احتلت أرضه ملزما بدفع ضريبة المواطنة المتمثلة باستجداء المحتل ليحصل على أبسط الحقوق التي يحصل عليها أي مواطن في العالم؟
4. إن تعميق هذا الطرح يؤدّي إلى شيء من البراغماتيية السياسية والاجتماعية، المنبوذة عموماً، لأنها لا ترمي إلى تحقيق مصالح جماعية، بل تُذيب في داخلها المعاناة معوّضة الفلسطيني بدلاً منها بعض الحقوق التي تُلقى أمامه فتاتاً لا يسمن ولا يغني من جوع. فالفلسطيني في الـ 48، إذا ما شعر أنه ينتمي فعلا إلى أقلية قوميّة، فإنّ جل جهوده ستنصب في النضال لنيل بعض الدراهم لزيادة مخصّصات التأمين الوطني أو ما شابه، وسوف تحوّل أنظاره عن قضيّته الأساسية وهي هويّته الأصلية، أي الفلسطينية.
وبالتالي، علينا أن نسأل أنفسنا: أي الأمرين سبق الآخر: فلسطينيّتنا وعروبتنا في الـ48، أم المواطنة الإسرائيلية التي فُرضت علينا من تحصيل حاصل احتلال أراضينا؟
وبما أن الأصل والسابق هو فلسطينيتنا وعروبتنا، فإننا نراها هي الأساس. أما المواطنة التي جاءت كنتيجة للوجود الإسرائيلي في أراضينا، فهي شيء مرهون بالمرحلة وهو أيضاً متغيّر رياضي في معادلة الواقع السياسي، قيمته تحدّدها تطوّرات المرحلة. لذا فلو ذهب الفلسطيني إلى القمر أو المريخ، فلن يستطيع التنصل من فلسطينيته أو عروبته، ولو شاء ذلك، أما المواطنة فهي أمر متغيّر بفعل تغيّر الظروف السياسية المحيطة.
ولعلّنا نستذكر هنا واقعنا كفلسطينيين قبل عام 1948، عندما كان الاستعمار البريطاني يحلّق فوق رؤوسنا في وطننا، فهل أصبحنا –نحن الفلسطينيين- آنذاك مواطنين بريطانيين، وهل يمكن أن يصبح العراقيون –على سبيل المثال لا الحصر- مواطنين أمريكيين بفعل الاحتلال الأمريكي لبلادهم؟!!!