وسط هستيريا الخصخصة الدارجة في العالم تأميمات جديدة في أمريكا اللاتينية.. وواشنطن تفقد السيطرة

أعلن الرئيس البوليفي أيفو موراليس من على شرفة قصر كويمادو –المسمى بـ"القصر المحروق"- أنه أصدر أوامره بالسيطرة على حقول النفط والغاز قائلا "إن زمن النهب الذي كانت تمارسه الشركات الأجنبية قد ولىَّ"، منفذا بذلك ما قال إنه سيفعله قبل انتخابه رئيساً لبوليفيا في كانون الأول 2005 وهو ما شكل صدمة بالنسبة للشركات الأمريكية ومتعددة الجنسيات، وهي صدمة لم تخفف من وطأتها تحذيراته السابقة وإفصاحه عن نواياه بخصوص هذا الموضوع.

وبينما يتساءل المراقبون بخصوص ما سيتخذه موراليس من إجراءات جديدة في هذا الباب كان من بين الأسئلة ما إذا كان الأمر يتعلق بتأميم فعلي أم بشيء أقل منه، مثل عملية كبيرة لإعادة التفاوض مع الشركات بشأن عقود الاستخراج والخدمة؟

موراليس الذي تعهد أيضاً بوضع حد لتدمير محاصيل الكوكا، هو رئيس منتخب شعبياً وبات يقود بلداً جل سكانه كما في بقية أرجاء القارة اللاتينية هم من السكان الأصليين الذين بمقاربة بسيطة تقوم على تحقيق التنمية واحترام أكبر للبيئة، ذلك أن بوليفيا وبسبب جور بقية شركات النهب الاحتكارية الأجنبية تعاني من تآكل الغابات، إضافة إلى تعرية التربة والتلوث الصناعي، بسبب القضاء على مساحات واسعة من الغابات وتخصيصها للزراعة والإقبال العالمي الكبير على الخشب.

الثقافة والاقتصاد جبهات للمقاومة

وفي عرضه لاستراتيجية تناهض استراتيجيات النهب والإفقار الأمريكية والاحتكارية يتحدث موراليس عما يسميه "الفيدرالية الثقافية"، والمقصود بها إنشاء مؤسسة جديدة تسهر على تلاحم الشعوب المختلفة التي تعيش في الأراضي المنخفضة بحوض الأمازون، والواقعة على مستوى سطح البحر، والسكان الذين يعيشون في الجبال والقرى النائية التي تقع بجبال الأنديز العليا. كما يتحدث كثيراً عن "الاقتصادات المتقاطعة، معرباً عن رغبته ونيته في تحويل الثروة التي تدرها المصادر الموجودة حالياً في بوليفيا التي تمتلك ثاني أكبر احتياطي للغاز الطبيعي في القارة إلى الناس الذين لم يستفيدوا منها أبداً.

ويذكر هنا أن بوليفيا الدولة اللاتينية الفقيرة عانت بسبب جشع الأقليات الحاكمة والطبقات العسكرية التي حكمتها على الدوام من اضطرابات تمثلت في قرابة 200 انقلاب وانقلاب مضاد، إضافة إلى عدد من الثورات واسعة النطاق والحروب التي تعرضت لها منذ تأسيسها سنة 1825.

بوش والتحدي الذي تفرضه أمريكا اللاتينية

وتحت عنوان بوش .. وتحدي أمريكا اللاتينية كتب الصحافي الإسباني خوسي مانويل كالفو في يومية"إيل باييس"، أوسع الصحف الإسبانية انتشاراً تقريرا عن التحولات السياسية الكبرى التي تسير فيها قارة أمريكا اللاتينية اليوم بشكل أصاب الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة بالدوخان، جراء فقدانها لهذه المنطقة التي ظلت تعتبرها باستمرار حديقة خلفية لها.

وجاء في المقال الذي ترجمه ادريس الكنبوري أنه في الوقت الذي لم تكن فيه الولايات المتحدة ترى الأمور بشكل جيد، كانت أمريكا اللاتينية تتجه يساراً، حيث تناست واشنطن قليلا محطتها الخلفية لسببين، أولا لأن الاتحاد السوفيتي لم يعد موجودا، وثانيا لأن تنظيم القاعدة لم يقم معسكراته في الأمازون. وأضاف أن السياسة الخارجية أحادية الجانب لواشنطن ، والحرب على العراق مضافا إليهما محاولة نشر الليبرالية التي أطلق عليها"تفاهم واشنطن" قد تجمعت كلها لكي تؤدي إلى ظهور رأي عام واسع في القارة معارض بشكل كبير للولايات المتحدة. ولم يحدث أبدا في الماضي ـ حسب مراقبين من تيارات عدة ـ أن كانت ضفتا البحيرة العظمى"بحيرة برافو الشمالية" متباعدتين كما هو الأمر حاليا.

واشنطن ومرض تناذر الحلفاء

ويلحظ الكاتب أنه لا تظهر سوى حكومتين اثنتين حليفتين لواشنطن: كولومبيا التي ستجرى فيها الانتخابات الرئاسية يوم 28 أيار الجاري، والسلفادور. أما مع البرازيل التي ستجرى فيها انتخابات في تشرين الأول المقبل، والأرجنتين وشيلي والأوروغواي التي يحكمها اليسار التقليدي أو يسار من نوع خاص، فهناك علاقات جيدة مع واشنطن لكن ليس هناك تفاهم تام، أما الباقي فينقسم إلى قسمين: دول تقودها حكومات شعبية يسارية معادية لأمريكا مثل حكومة هوغو تشافيز في فنزويلا أو حكومة إيفو موراليس في بوليفيا المنتخبة حديثا، ودول مرشحة لأن يحكمها اليسار مثل البيرو التي ستجرى فيها الدورة الثانية للانتخابات أيضاً في 28 الجاري، والمكسيك التي ستنظم فيها الانتخابات في تموز المقبل، والإكوادور في تشرين الأول المقبل، ونيكاراغوا في تشرين الثاني المقبل، وبلدان أخرى.

مد شعبي يساري والحبل ع الجرار

في شوارع أمريكا اللاتينية التي تضم أزيد من 500 مليونا من السكان يحمل نحو 60 بالمائة موقفا سلبيا من الولايات المتحدة، ولا يثق أكثر من 66 بالمئة في الزعامة الأمريكية للعالم ، حسب استطلاع قام به معهد أمريكولاتيني. وفي البرازيل تقلصت نسبة من ينظرون إلى الولايات المتحدة نظرة إيجابية من 56 بالمائة عام 2000 إلى 34 بالمائة عام 2003 وفق استطلاع"مركز بيو"، و71 بالمائة من سكان القارة يرون أن شعور الولايات المتحدة بأنها تأثرت بسبب أحداث أيلول هو أمر إيجابي.

وينقل الكاتب عن الرئيس الأسبق لكولومبيا وسفيرها الحالي في واشنطن"أندريس باسترانا" قوله:"إن ما يحصل حاليا شيء خطير. لو ذهبت إلى أمريكا اللاتينية في الستينات كنت ستجد أن عددا كبيرا من الحكومات معاد للولايات المتحدة، لكن ما يحصل اليوم هو أن الشعوب هي التي تكره أمريكا". أما "خورخي كاستانييدا" ـ وزير خارجية المكسيك الأسبق فيعتقد أن هناك شيئا جديدا: "لا أذكر طيلة مساري السياسي أنه كانت هناك انتقادات قوية للولايات المتحدة كما هو الوضع اليوم في أمريكا اللاتينية، لا خلال الأزمات مع كوبا في الستينات، ولا حتى في الثمانينات إبان حروب أمريكا الوسطى، كانت هناك درجة من العداء للولايات المتحدة التي توجد اليوم في جميع بلدان القارة، لدى الرأي العام والحكومات على السواء: لولا صديق الولايات المتحدة في البرازيل!، لكن باقي المواطنين يوجدون على يساره!".

ويرى "آدم إيساكسون" المختص في الشؤون اللاتينية بمركز السياسة الخارجية أن أمريكا اللاتينية على المدى المتوسط لن تكون على قائمة أولويات الولايات المتحدة "لأنه لا يموت هنا عشرون جنديا أمريكا كل أسبوع ، ولم تفز فيها حركة حماس ، ولا يوجد هنا برنامج لتطوير السلاح النووي".

واشنطن لا تفهم ما يجري إلى جنوبها

لماذا تخلت الولايات المتحدة عن محطتها الخلفية؟، يفسر"ألفارو فارغاس يوسا" مدير مركز التنمية الشاملة بالمعهد المستقل الاختفاء الأمريكي من القارة على الشكل التالي:" لقد لعبت تفجيرات أيلول دورا مهما جدا، بعد ذلك جاءت الحرب على الإرهاب فأصبحت أمريكا اللاتينية مسرحا فاقدا للأهمية. لكن هناك عوامل أخرى، فبعد موجة الإصلاحات في التسعينات من القرن الماضي التي سميت خطأ بالليبرالية الجديدة وتم وضعها في إطار(تفاهم واشنطن) حصل نوع من العطل الشامل: الانحسار العالمي لعام 1998 ثم الأزمة المالية، فتوقفت الإصلاحات في أمريكا اللاتينية، وهذا فاجأ الولايات المتحدة التي لم تفهم بالتحديد ما يجري".

التوحد والتلاحم في مواجهة الاستفراد للاستحواذ

ويرى "آرتورو بالينزويلا"أن إحدى المشاكل التي تجدها الولايات المتحدة في أمريكا اللاتينية أنها"تنظر إلى التحديات هناك كقضايا ثنائية، دون أن تضع في الاعتبار أمرين اثنين: الأول أن بلدان القارة لديها تداخل فيما بينها ومن ثمة فإن أي علاقة لواشنطن مع واحدة من هذه البلدان تؤثر على علاقتها بالبلد الآخر".

ويختم الكاتب تقريره بأن كل ما يمكن أن تقوم به الولايات المتحدة من أجل التغلب على التباعد الذي حصل بينها وبين أمريكا اللاتينية"سيكون قليلا، خاصة عندما تصطدم المبادرات بالعاصفة الشعبية التي تهب على سلسلة جبال الأنديز وتنعكس على جميع بلدان القارة". والمقصود هنا هي العاصفة اليسارية المناهضة للسياسات الأمريكية.

آخر تعديل على الجمعة, 21 تشرين1/أكتوير 2016 12:02