حكومـة «أولمـرت» الصهيونيـة وبرنامج «خطةالانطـواء» العدواني

نالت حكومة أولمرت_ الحادية والثلاثون في تسلسل حكومات العدو منذ قيام كيانه عام 1948_ الثقة في جلسة الكنيست التي انعقدت يوم الخميس الفائت. فقد حازت على أغلبية بسيطة من أصوات الأعضاء المائة والعشرين، بالرغم من الائتلاف الواسع الذي ضم تكتل أحزاب  (كاديما، العمل، شاس، المتقاعدون) المستند إلى أصوات 67 نائباً للتحالف الوليد. لكن المصادقة النهائية على الوزارة لم تحظ إلا ّ بموافقة 65 نائباً، إذ امتنع اثنان من نواب "كاديما" من الإدلاء بصوتيهما، كاحتجاج على عدم مشاركتهما بالوزارة، وهو مايشير إلى بداية التصدع في جدار "كاديما". النائب "مجلي وهبة" الضابط السابق في استخبارات جيش العدو، الذي كان يطمح لتمثيل ما يطلق عليه داخل الكيان "الأقليات"، استبعده "أولمرت" من التشكيلة الحكومية بعد أن أوهمه بوجود اسمه داخل قوائم حزبه، مما دفع بـ "وهبة" للاحتجاج قائلاً " لقد ألقى بي أولمرت بالشارع كعبد انتهت مهمته". النائب "مارينا سولدكين" الناشطة في تجمعات المهاجرين الروس، والموعودة من "أولمرت" بتمثيلهم بالوزارة، أستبعدت هي الأخرى، فوصفت تصرف زعيم الحزب هذا بأنه "سلوك زعران".

برنامج الحكومة المصادق عليه، استند بشكل أساسي إلى رؤية "أولمرت" وهيئة أركان حزبه التي تضمنها برنامج "كاديما" الانتخابي للمرحلة القادمة، خاصة العلاقة مع الفلسطينيين والحلول المطروحة (المفروضة) عليهم. لم تستطع النبرة الهادئة التي لجأ لها "أولمرت" أثناء قراءة البرنامج، أن تخفي المضمون النازي، الاقصائي لمراحل تنفيذه، فقد استند رئيس الوزراء إلى أرضية أيديولوجية تستمد "مشروعية أفكارها" من جابوتنسكي وبيغن، بهدف الاشارة الواضحة إلى استناده إلى الجذور الفاشية اليمينية لعتاة الصهيونية. الخطاب / البرنامج أعاد التأكيد على "خطة الانطواء" وهي التسمية الجديدة للخطة الشارونية المعروفة "خطة الفصل أو الانسحاب الأحادي" وهو ماأكده الخطاب (إن تقسيم البلاد بهدف ضمان غالبية يهودية هو حبل النجاة للصهيونية، والفصل عن قطاع غزة وشمال السامرة كان خطوة حيوية أولى في هذا الاتجاه، لأن استمرار الاستيطان المبعثر في كل أرجاء يهودا والسامرة يخلق تمازجاً سكانياً لايمكن فصله، مما سيعرض للخطر وجود دولة اسرائيل كدولة يهودية، ولهذا لابد من تصميم الحدود الدائمة لاسرائيل، وهي ليست بالضرورة متطابقة مع ماهو متعارف عليه الآن، من أجل ضمان أغلبية يهودية متماسكة داخل حدود الدولة). وقد حدد "أولمرت" آلية تنفيذ ذلك عبر تفكيك المستعمرات المبعثرة، التي سيتم ترحيل كل من فيها _ يقدر عددهم بستين ألف مستعمر_ إلى الكتل الاستعمارية الكبرى "معالية أدوميم، أريئيل، غوش عتصيون، غلاف "قشرة" القدس، الغور" والدفع خارج الجدار _ الحدود الجديدة المرتقبة _ بالقرى والتجمعات الفلسطينية للتخفيف من حجم الالتزامات المالية، والأهم، الحفاظ على النقاء الديمغرافي _ تجمع يهودي متجانس _ بالمواصفات العنصرية.

يراهن مؤيدو البرنامج على إمكانية النجاح لهذه الخطة / المشروع خلال فترة زمنية تتراوح بين العام والنصف والعامين_ الفترة المتبقية لبوش في البيت الأبيض _ من خلال الاستناد للدعم الأمريكي الحكومي غير المحدود، وعلى موقف " بوش " قبل أيام أمام مؤتمر" اللجنة اليهودية الأمريكية" حين قال(أعلن التزام الولايات المتحدة القوي والدائم والذي لايتزعزع بأمن اسرائيل ) وهذا مايتوقع تحقيقه "أولمرت" في زيارته للبيت الأبيض في العشر الأخير من هذا الشهر، مستلهماً من النتائج الهامة التي حققها سلفه شارون أثناء زيارته للولايات المتحدة في منتصف ابريل / نيسان 2004 بتأييد " بوش " لخطة الفصل عن القطاع. إن الدعم المالي الأمريكي في توفير التعويضات المالية _ مايقارب الثلاثين مليار دولار_ التي سيتم دفعها للمستعمرين الذين سيغادرون المستعمرات المبعثرة الآيلة للتفكيك، وتطوير وتنمية الكتل الاستعمارية الكبرى، وتحقيق النجاح لما يسمى "خطة الانطواء"، ستكون العامل الأساس في التأسيس لخطوات الاندفاع لتنفيذ الخطة . وقد بدأت ملامح البدء في هذا المشروع  من خلال الموافقات التي أعطاها "أولمرت" للشروع في بناء آلاف الوحدات السكنية الجديدة في الكتل والتجمعات الاستعمارية الكبرى _ مانشرته صحيفة هآرتس فبل أيام _ وهو مايؤكد على أن برنامج  الحكومة المشار اليه،  يقوم على الدعم اللامحدود للمستعمرات الكبيرة، بالاستناد إلى رفض رئيس الحكومة إلغاء الامتيازات المالية والتسهيلات الضريبية التي يحصل عليها المستعمرون في الضفة الفلسطينية، كما يرغب "أولمرت" أيضاً باعطاء المستعمرات مايصطلح على تسميته "أفضلية قومية" بحيث يتم منح كل منطقة لها هذه الصفة، التسهيلات في "ميزانيات فوق العادة" بمجالات التنمية والتطوير والخدمات.

في خطوات السعي لتنفيذ هذا المشروع، لم ينس رئيس الحكومة أن يشير إلى أهمية وجود شريك فلسطيني _ ينفذ _ خطته (إننا نفضل إجراء مفاوضات مع سلطة فلسطينية ملتزمة بخارطة الطريق، وتحارب الإرهاب، وتنزع السلاح من الفصائل، وتتبع نظاماً ديمقراطياً، وتطبق كل الاتفاقيات التي جرى توقيعها مع اسرائيل). إن "أولمرت" يحاول كما فعل أسلافه في رئاسة حكومات العدو، أن يكتب تاريخ الصراع من خلال برنامجه الخاص، الصهيوني بامتياز.

إن تمزيق بنود خارطة الطريق، قد أقدم عليها "شارون" بجرائم القتل والتدمير وبناء الجدار العنصري وتسمين المستعمرات. كما أن سياسة الاملاءات وتنفيذ الأوامر الموجهة لقيادة السلطة الفلسطينية "مؤسسة الرئاسة" تأتي كتكرار ممجوج لعبارات رددها قادة الكيان باستمرار، وتهدف إلى دفع الأوضاع  داخل الساحة الفلسطينية إلى حافة الانفجار والاقتتال. أما النظام الديمقراطي الذي يتشدق به هؤلاء "الديمقراطيون الدمويون" من أمثال  أولمرت، بوش، وبلير، فهو القائم على الخنوع والاستسلام الكاملين لرغبات الغزاة والمحتلين .إن رفض معسكر هؤلاء لنتائج الانتخابات الديمقراطية في (الضفة والقطاع) سببه أن الشعب الفلسطيني قد أوصل أكثرية نيابية للمجلس التشريعي تمتلك برنامجاً يتناقض مع المشروع الصهيوني / الإمبريالي، ويرفض تنفيذ الأوامر، ولهذا يتحول صندوق الاقتراع بنظر هؤلاء المستعمرين إلى قنابل متفجرة.

إن هذا البرنامج / الخطة هو تجديد صارخ وصاخب للحرب المفتوحة على الشعب الفلسطيني، فبعد ساعات على تشكيل الحكومة الصهيونية الجديدة، وقـَعَت الأيدي الدموية لـ "عمير بيرتس" والطاقم القيادي الحربي على قرارات "الحوار" مع الفلسطينيين. سبعة شهداء في قطاع غزة، وشهيد آخر في "نابلس" وعشرات الجرحى نتيجة صواريخ الطائرات وقذائف الدبابات ورصاص فرق القتل الدموية، إنها لغة "الحوار" التي تتقنها دولة الارهاب. إن النتائج المترتبة على تحقيق برنامج حكومة العدو، سيفرض على الشعب الفلسطيني أوضاعاً جديدة استثنائية، تتطلب من قواه السياسية توحيد رؤاها وخطواتها من أجل صياغة الرد الوطني، المستند إلى وحدة المجتمع في مواجهة عملية تفكيكه واقصائه، وهذا لن يكون إلا باعتماد لغة الحوار الداخلي، التي تشارك فيها القوى والفعاليات والهيئات الجماهيرية والشخصيات الناشطة في الحقل الوطني العام بهدف تمتين وحدة النسيج الاجتماعي، وتعزيز صمود الشعب في مقاومته للهجمة الصهيونية المستمرة، وتحقيق أوسع جبهة دعم عربية وعالمية من أجل أن يحيا الشعب الفلسطيني فوق أرضه بكرامته وكبريائه.