فتح وحماس قيادتهما من الطبقة نفسها وقاعدتهما كذلك!
بعد نتائج انتخابات التشريعي، وبعد احتمالات الاحتراب الداخلي، وبعد الشلل "الذي لا نعرف إلى متى" لحكومة حماس، أصبح من المفيد مناقشة الأمور من مدخل آخر هو المدخل الطبيعي. بمعنى، هل هناك اختلاف حقيقي بين الطرفين من حيث السياسة الاجتماعية؟
ولكن، لماذا نطرح هذا السؤال؟ نطرحه لأن أية سلطة في الأراضي المحتلة لا يمكن أن تكون سلطة سيادية بحال من الأحوال، فما بالك بسلطة مقاومة؟ وإذا صح هذا القول، فإن قدر الأرض المحتلة، بما هي محتلة أن ينقسم العمل السياسي فيها إلى جزئين، من المفضل أن يتكاملا، دون أن يندمجا معاً:
الأول: نضال سري بكل ما هو متاح.
الثاني: عمل اجتماعي سياسي يدير الحياة اليومية للناس دون أن يزعم أنه سلطة سياسية، ودون أن يتعاطى مع هذه المهمة.
ليس نقاشنا مع العمل السري، فهو يشرح نفسه. إن النقاش مع العمل الاجتماعي السياسي.
فالاتفاقات بين منظمة التحرير "وهي اليوم مثل شارون في موت سريري" والكيان الصهيوني لم تنص على، وبالتالي لم تنتج، أي استقلال أو سيادة. ولذا، فإن أية سلطة "سياسية" في الأرض المحتلة محكومة بقرارات الكيان الصهيوني إن لم تكن في خدمته، رغبت أو غضبت. لذلك، كان المفروض في سلطة فتح سابقاً، وحماس حالياً وكل من شارك في الانتخابات، أن يعتمد خدمة اجتماعية اقتصادية لتطبيقها قدر الإمكان، وأن يعلن أنه لن يكون ممثلا سياسياً لفلسطينيي الضفة والقطاع، وذلك لسببين:
الأول: لأنه لا يستطيع ممارسة سياسة حرة ومستقلة في ارض بلا سيادة، بل في كيان بلا أرض.
والثاني: لأن منظمة التحرير هي ممثل شرعي للشعب الفلسطيني وهي التي عقدت التسويات. ولو حصل هذا لبقي للمنظمة دورها وكيانها.
لكن جميع الأطراف أفرغت هذه المنظمة من دورها ومحتواها. فحركة فتح سمحت لسلطة الحكم الذاتي بابتلاع منظمة التحرير، وجمع رئيسها "ما بين الأختين" وحركة حماس قبلت دخول السلطة ببرنامج سياسي مما سحب البساط أيضا من تحت منظمة التحرير. لهذا كان رأي التيار القومي العربي، وأنا من جناحه الاشتراكي، عدم المشاركة في الانتخابات لأنها اعتراف بأوسلو، ولأن برنامجها لم ينحصر في الاجتماعي الإداري اليومي. الذي هو الحجم الحقيقي لسلطة الحكم الذاتي. وقد كتبت هذا الرأي في هذه الصحيفة الغراء قبل الانتخابات بأشهر.
تتشابه فتح وحماس من حيث أنهما من نفس الموقف الفكري والطبقي قيادياً. فهما من خلفية دينية وبرجوازية تجارية صغيرة وكبيرة. وتؤمنان بالسوق الحرة، وبالتمايز الطبقي، والانفتاح، وعدم إقامة قطاع عام، والخصخصة، واللبرالية الجديدة، وتنفيذ توجيهات البنك والصندوق الدوليين "وما أخطرهما". لعل المهم هنا، أن هذه الخلفية والسياسات الاقتصادية والاجتماعية تضر أول ما تضر بالقاعدة الطبقية التي ترتكزان عليها، أي الطبقات الشعبية! لكن الأخطر، أن هذه الطبقات لا تعلم عن الأمر شيئا!!! ففي 15 نيسان تحدث وزير المالية الجديد د. عمر الرازق في جمعية الاقتصاديين مؤكداً "أن الحكومة الحالية تعتمد اقتصاد السوق، وليس السوق الحر". المسافة يا معالي الوزير بينهما كما هي بين "هذه أذني وتلك أذني" بين اسمي الإشارة للقريب والبعيد. فالمهم أن هذه السياسة لا تقدم للفقراء لا حدا أدنى للأجور ولا آلية لرفع الأجور مقابل لهيب الأسعار، ولا حقوقاً نقابية ولا صحية...الخ. وبالطبع، سيكون النقاش: ولكن هل هذا وقته والناس مشغولة في تحصيل رواتبها؟ وأقول نعم، لأن عدم التنبه لهذه الأمور يرسي ثقافة وقناعات عدم التفات الأكثرية لحقوقها، وبالتالي يصبح هذا هو الدارج والتقليد، ويصبح نقده كفراً. وحتى بغياب الرواتب، فإن الشغل ماشي، والاستغلال داعس، وبأجور بائسة. "حتى قبل الحصار المالي هناك أجور 30 شيكل يومياً لعمال شباب، الواحد مثل الحصان!"، فطالما الشغل ماشي، لا بد من حقوق.
من المطلوب فهم آخر لمسألة الفساد. فقد اعتاد عالم رأس المال على نسب الفساد إلى الدول الاشتراكية. ولكن:
دعوت على عمرٍ فمات فسرني
فعايشت أقواما بكيت على عمروِ
فهل كانت الحكومات السابقة منذ 1994-2006 حكومات اشتراكية في الأرض المحتلة؟ نقول هذا للتحذير بأن الفساد يمكن أن يصيب الحكومة الجديدة، إذا ما بقي جمهور ناخبيها بدون وعي طبقي لمصالحه وحقوقه. فالدروشة قد تطعم خبزاً، ولكن العالم اليوم لا يعيش بالخبز فقط. ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان.
ترى، هل قدَّم المانحون بقطع التمويل خدمة لحماس؟ فقطع التمويل ادخل الناس في مشكلة الرواتب ، في مشكلة اليومي، مما أبعدهم عن التفكير في سياسات الحكومة الجديدة، ومما جعل أي نقاش لهذه السياسات، خارج الدائرة. وعليه، إذا سقطت هذه الحكومة، فإن حماس لن تخسر من شعبيتها، لأنها لم توسخ يديها بالتعامل مع المشاكل اليومية للناس.
ولكن ليس هذا كل شيء، فحماس تلمح كما يبدو بأنها سوف تقدم مرونات سياسية. آخر ما صدر على لسان د. ناصر الدين الشاعر نائب رئيس الوزراء في الحكم الذاتي بأن حماس: "ستقبل بمبادرة عربية جماعية".
هذا يعني أن حماساً، إما كانت مقتنعة أنها ستقدم تنازلات، أو لأنها وجدت بعد التجربة أن لا مناص من تقديم تنازلات، سواء مباشرة أو لا مباشرة، فهذا أمر آخر.
وقد يكون مسار الأمور على النحو التالي:
■ تقوم الدول الغربية بتقديم منح "إنسانية" عبر المنظمات غير الحكومية، وهو اسم آخر لتعميق النفوذ الغربي في البلد.
■ تحل الدول العربية محل الغرب في تقديم مساعدات للحكومة ولكن من خلال تليين موقف الحكومة، لإخراج اعتدال حماس بأنه موقف عربي مشترك، أي يحل التمويل العربي محل التمويل الرأسمالي الغربي، ليكون التمويل العربي "حصان طروادة". ومن مقدمات هذا لقاء وزير الخارجية محمود الزهار مع د. عزمي بشارة في الدوحة (رغم أن الخبر صيغ كما لو كان اللقاء صدفة بحتة، في الفندق) ولقاء الزهار بوزير خارجية قطر حمد بن جاسم. فبشارة عضو كنيست، ولكنه هو الحمام الزاجل، ناقل الرسائل بين سورية والكيان الصهيوني، وقد حاول ذلك حتى مع حزب الله، دون نجاح. أما قطر فتقدم مساعدات لحكومة حماس رغم الضغط الأميركي، لكنها تقيم علاقات شبه رسمية مع الكيان الصهيوني وتمنح أمريكا اكبر قاعدة عسكرية في العالم! وقد زار وزير خارجيتها الكيان وقال للفلسطينيين عدة مرات: "ليس لكم إلا استجداء أمريكا لحل قضيتكم" فهل يمكن لهكذا دولة أن تمول حكومة حماس وتخرج على رأي أمريكا!
■ وعليه، قد يكون أحد السيناريوهات، تأليف حكومة وحدة وطنية بمباركة عربية، ويكون تحويل حماس إلى فتح أخرى. عندها يُطوى ملف الفساد، وتستمر التسوية، وقد تصل حد الكارثة.
في حال حصول هذا، تعود الأمور إلى سابق عهدها، وتتوحد شرائح الطبقة الحاكمة، أما القاعدة الانتخابية، فتبقى في خدمة هذه الشرائح إلى أن تخلق بديلها.
رحم الله صديقي ناجي العلي الذي اغتاله الفاشيست. كان ناجي قد رسم لوحة بمناسبة أول أيّار(مايو)، يوم العمال العالمي:
ـ تعيش الطبقة العاملة.
ـ طز بهيك عيشة يا زلمة!!
■ عن كنعان النشرة الالكترونية