المقاومة والسلطة خطّان متعارضان
منذ أن كانت فلسطين تحت الانتداب الاستعماري البريطاني، كان الشعب الفلسطيني يقاتل ويقاوم سلطات الانتداب. ورغم الفارق الهائل في ميزان القوى تنامت المقاومة الشعبية الفلسطينية سواء على شكل انتفاضات شعبية شاملة أو عبر العمليات العسكرية ضد العدو المزدوج. وهناك دراسات جادة تؤكد أن الاحتلال البريطاني خرج من فلسطين يوم 14 أيار 1948 بعد أن أوكل للنظام الرسمي العربي صنيعته الذي يأتمر بأمره الدخول إلى فلسطين لا ليقاتل ضد العصابات الصهيونية المسلحة، بل ليخدع فصائل المقاومة الفلسطينية ويخرجها من القتال ويحتل مواقعها ليسلمها لاحقاً ودون قتال إلى قوات الاحتلال الصهيوني، وهذا ما حدث فعلاً ما بين إعلان الحرب في 1948 وتوقيع اتفاقات الهدنة في «رودس» 1949.
.. ومنذ ما يسمى بـ»النكبة المؤامرة» والشعب الفلسطيني يتعرض لأبشع أنواع الترويض والترهيب والترغيب من النظام الرسمي العربي ذاته ولمصلحة القوى الاستعمارية ذاتها مع فارق تحول القيادة من بريطانيا إلى الولايات المتحدة منذ أواسط الأربعينيات في القرن الماضي. لكن الشعب الفلسطيني استطاع وعبر مقاومته وتضحياته الأسطورية أن ينتزع اعتراف العالم بعدالة قضيته وتحرير أرضه المحتلة وحقوقه في العودة وتقرير المصير وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس.
ولعل أكبر مؤامرة تعرض لها شعب فلسطين في الداخل وفي الشتات إثر اتفاقات أوسلو، هي أن يوافق التحالف الصهيوني- الإمبريالي وبمباركة رسمية عربية- فلسطينية، على عودة بضعة آلاف من قيادات وكادرات وأفراد من الخارج إلى جزء من الأراضي المحتلة ليقيموا هناك سلطةً هزيلة بين حواجز الاحتلال المطبقة على ثلاثة ونصف مليون فلسطيني في الضفة والقطاع المحتلين، مقابل الاعتراف بشرعية الكيان الصهيوني وتعهدات ملزمة بوقف المقاومة!!
.. وإذا كانت السلطة «تفاخرت» برفع علم فلسطين فوق مقاطعة رام الله، فإن الشعب الفلسطيني كان أميناً لرمزية هذا العلم ويرفعه منذ عشرات السنين فوق البيوت وفي الشوارع وبأيدي مقاوميه من كل الفصائل وهم يقتحمون المواقع العسكرية الصهيونية، في حين أن عناصر السلطة كبيرهم وصغيرهم- وللآن- يستجدون سلطات الاحتلال للمرور من حاجز إلى آخر في الضفة الغربية المقطعة بجدار الفصل العنصري و664 حاجزاً عسكرياً صهيونياً.
.. ومن هنا، فإن السلطة في رام الله التي أخذت على عاتقها وقف المقاومة لا تحمي أحداً من الشعب الفلسطيني ولا يمكن أن تحرر شبراً من الأرض، بل هي من تطلب الحماية لنفسها عبر «الراعي الأمريكي» الذي يزيد من عصرها والضغط عليها ويتعهد لها بالحماية من شعبها إن هي أقدمت على مزيد من التنازلات وإعلان البراءة من مقاومة الاحتلال. وفي هذا السياق لم يعد مستغرباً موقف السلطة من تقرير «غولدستون» ولا من تفويض النظام المصري بالإشراف على المصالحة الفلسطينية- الفلسطينية على أساس نزع سلاح المقاومة الفلسطينية وتسليمه للسلطة في رام الله وهو مطلب إسرائيلي دائم بعد اتفاقات أوسلو. وهذا يذكرنا بمطالبة الكيان الصهيوني والولايات المتحدة والرجعية العربية بنزع سلاح المقاومة اللبنانية وتسليمه إلى سلطة تحالف 14 آذار في لبنان!.
عندما نؤكد على أهمية تعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية وأهم عناصرها خيار المقاومة الشاملة ضد الاحتلال، وعندما قلنا إن حركة فتح الرسمية التي يرأسها محمود عباس تحولت إلى «حزب سلطة»، فإننا نحذر من محاولات تحويل حماس إلى «حزب سلطة»، لأن السلطة والمقاومة خطّان متعارضان لا يلتقيان، ويجب ألا تنتقل عدوى ما حدث في رام الله إلى غزة.
إذا كان أحد عشر ألف أسير فلسطيني في سجون الاحتلال من كل الفصائل المقاومة قد صاغوا وثيقةً تاريخيةً حول الوحدة الوطنية وطرق مواجهة الاحتلال وتحرير الأرض عبر المقاومة وليس المساومة، فإن من يخرج عن مضمونها هو المدان وهو من سيخرج من التاريخ الكفاحي للشعب الفلسطيني.