الحصار المحكم على حكومة «حماس» والشعب الفلسطيني حرب التركيع.. عبر الترهيب والتجويع..
يشهد الشعب الفلسطيني وسلطته الوطنية منذ فوز حماس بالانتخابات التشريعية، حالة حصار شامل، تتنافس على فرضه وتعميمه حكومة الاحتلال الصهيوني والولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، وما تبقى من دول الرباعية الدولية. في حين أوقفت البنوك في الكيان الصهيوني تعاملها مع البنوك ورجال الأعمال في مناطق السلطة الفلسطينية، إضافة إلى تجميد نقل أموال الضرائب المستحقة للسلطة.
ولأول مرة تتلاشـى المسـافـة بين الموقف الدولي والموقف الصهيوني في الشـأن الفلسـطيني، فيتناغمان في وضع الشـروط الواحدة وفي فرض المقاطعـة وتشـديد الحصار.
كما تصطف دول الاتحاد الأوروبي في الخندق الصهيوني الأمريكي، بموقف موحد من القضية الفلسـطينيـة في لحظـة مصيريـة شـديدة الخطورة.
وقد أعلنت حكومة الاحتلال الصهيوني عن اتخاذها إجراءات عقابية في مقدمتها، الإعلان عن سلطة "حماس" كياناً معادياً. ولا تتعامل حكومة الاحتلال مع رأسين للسلطة في إشارة إلى شمول الرئاسة بالقرار مع وقف التنفيذ راهناً. وستُقاطع حكومة الكيان الصهيوني كل من تسول له نفسه الاجتماع مع مسؤولين في السلطة.
وكانت البنوك في الكيان الصهيوني قد أوقفت تعاملها مع البنوك ورجال الأعمال في مناطق السلطة الفلسطينية، إضافة إلى تجميد نقل أموال الضرائب المستحقة للسلطة. وترافقت إجراءات المقاطعة هذه مع تصعيد الاعتداءات وشمولها معظم أراضي قطاع غزة، وبمضاعفة حجم الخسائر البشرية والاقتصادية الفلسطينية.
وأقدمت الولايات المتحدة على قطع المساعدات المالية إلى السلطة، ووقف العلاقات التجارية والاقتصادية معها. وأعلن الاتحاد الأوروبي بدوره عن وقف الدعم المالي للسلطة الوطنية الفلسطينية، وعن مقاطعة جميع المؤسسات الرسمية وشبه الرسمية التابعة لها.
ويُلاحظ أن الحصار المفروض على السلطة الفلسطينية هو حصار شامل بكل المقاييس وخاصة أن البنوك العربية العاملة في الأراضي الفلسطينية أوقفت التسهيلات التي كانت تقدمها للسلطة، وبدأت تخضع لرقابة صارمة للحيلولة دون إدخال أموال من الخارج، ولم تسلم المصارف في الخارج والداخل من الرقابة المشددة التي تجعل أية عملية نقل للأموال عرضة للمساءلة والتدقيق والمصادرة.
وقد بدأ العقاب بتجميد كافة مشاريع البنية التحتية في قطاع غزة كالميناء والمطار والكهرباء والصرف الصحي، وجرى قطع الدعم عن القطاع الحكومي في مجال التعليم والصحة وكافة مؤسسات السلطة بما في ذلك وقف دعم رواتب الموظفين الذي يمس حياة حوالي نصف مليون مواطن.
ولا يُغير من هذه الحقيقة الإسهاب في الحديث عن المساعدات الإنسانية لمجموعة من المؤسسات غير الحكومية، أو الحديث عن دعم برنامج الغذاء العالمي وبرامج الديمقراطية والتعليم الخاص والتابع (للأونروا)، ودعم المنظمات غير الحكومية وغير ذلك. قبل هذا الحصار كانت نسبة المواطنين التي تعيش تحت خط الفقر 57%، بعد الحصار قد تتجاوز النسبة 85% وهذا الوضع المتردي غير مسبوق في التاريخ المعاصر للشعب الفلسطيني.
وكان دبلوماسيون ومسؤولون فلسطينيون قد أكدوا أن عدم رغبة البنوك في المخاطرة بالتعامل مع الحكومة التي تقودها "حماس" خشية تعرضها لعقوبات ودعاوي قانونية أمريكية، يدفع السلطة الفلسطينية إلى حافة انهيار اقتصادي أسرع مما توقعه المانحون.
وتشهد الاسواق والمرافق التجارية ركوداً اقتصادياً غير مسبوق لم تعشه منذ فترات نتيجة لتأخر صرف رواتب موظفي السلطة الوطنية البالغ عددهم نحو 140 الفاً بين موظف مدني وعسكري إضافة إلى العائلات الثكلى والأسرى والمحسوبين على برنامج البطالة والأسر الفقيرة.
فالمتجول في أسواق محافظة رام الله والبيرة يُدرك بنفسه مدى حالة الركود الاقتصادي المحلي بفعل تنامي الأزمة المالية الخانقة التي تُعاني منها خزينة السلطة الوطنية ونتيجة لاستمرار الحصار الصهيوني ومنع دخول العمال إلى داخل الخط الأخضر ووقف الكيان الصهيوني تحويل مستحقات السلطة من الضرائب وشح المساعدات المالية الدولية والعربية للسلطة.
أما التصريحات الصحفية الأخيرة لوزير المالية د. عمر عبد الرازق حول صرف الرواتب فقد قال الوزير عبد الرازق إنه لا يوجد موعد محدد لبدء صرف الرواتب مشيراً إلى أن صندوق الاستثمار وعد بتقديم جزء من أمواله للمساهمة في دفع الرواتب مشدداً على أن الحكومة تسعى جاهدة إلى تأمين الأموال اللازمة لتغطية الرواتب، كما وأن البنوك المحلية لم تُبدِ استعدادها لتقديم القروض للسلطة.
إن كل المؤشرات تؤكد استفحال الأزمة المالية في السلطة الفلسطينية، وحتى الآن لا توجد أية آفاق توحي بإمكان إيجاد حلول عاجلة لهذه الأزمة، ولعل الأمل الوحيد المتاح حالياً لصرف الرواتب هو وصول المساعدات العربية، التي تقررت في قمة الخرطوم.
إن حكومة حماس تبحث عن مخارج لهذه الأزمة، بما في ذلك دراسة خيار "رفع قضية على حكومة الاحتلال أمام القضاء، محكمة العدل العليا، للإفراج عن الأموال المحتجزة التي هي حق للشعب الفلسطيني". بسبب تضخم الجهاز الحكومي والإفراط في تفريغ الموظفين على الأجهزة والمؤسسات.