اشتباكات غزة ... أزمة عابرة أم تعبير عن مأزق الاستقطاب الثنائي ؟.
جاءت الأحداث المؤسفة والمؤلمة التي شهدتها في الأيام الأخيرة، عدة مدن وبلدات داخل قطاع غزة والضفة الفلسطينية، لتشير إلى وصول الاحتقان الداخلي بين قطبي العمل السياسي /التنظيمي في قيادة العمل الوطني، المؤسساتي " الرئاسة والحكومة " إلى درجة يخشى فيها أبناء الشعب الفلسطيني على وحدة المجتمع، وبالتالي على تحالف القوى السياسية/ الجماهيرية في مواجهتها للإحتلال، وتصديها لمسؤولياتها في توفير عوامل الوجود، ناهيك عن تثبيت مقومات الصمود. لقد أعادت "حرب" التصريحات والخطابات المتبادلة، إنتاج لغة سياسية اعتقد شعبنا أنها باتت من مخلفات الماضي، فالكلمات المنتقاة لدى قادة كل طرف، عكست رؤية كل منهما لتجربة الماضي، بل وقراءته للحاضر والمستقبل، وكل ذلك جاء محمولاً على "انفعال" اللحظة، المشدود لنتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة.
لقد ساهمت مفردات الخطاب السياسي /الاعلامي المتداولة عبر الفضائيات والمهرجانات، بتهييج مشاعر العصبوية التنظيمية، وتناولت بشكل مباشر -وصف أبو مازن للعملية الاستشهادية- أو بإيحاءات لاتتطلب جهداً كبيراً لمعرفة المقصود بها -عبارات خالد مشعل في مهرجان مخيم اليرموك بدمشق قبل أيام- مرتكزات ومبادىء خطة التحرك السياسية /الكفاحية واستحقاقاتها على أكثر من صعيد. وإذا كانت عناوين الأزمة/ المأزق تجد في الحملات المتبادلة أشكالها التعبيرية، إلاّ أن جذر الخلاف يجد تفسيراته الحقيقية في اتفاق أوسلو وملحقاته من جانب، ورفض نتائجه التي أعطت في جوانب عديدة -كما نفذها العدو- المزيد من القتل والتدمير والمستعمرات وبناء الجدار العنصري. بالإضافة لكل ذلك، فإن سياسة الحصار والخنق والتجويع التي تمارسها العديد من دول العالم، الدائرة في الفلك الصهيو أمريكي، كإجراء عقابي للشعب على تصويته لبرنامج يتناقض مع المشاريع الاستعمارية التوسعية بالمنطقة، قد حَمَلَت للشعب الجوع والمعاناة والفاقة، مما أضاف للحكومة عقبات اجتماعية/ اقتصادية هائلة. في ظل هذه الأوضاع الاستثنائية، تفجرت الأحداث المأساوية في أكثر من مدينة، وإذا كانت الفوضى المدمرة سمة التحركات العنيفة، فإن الصور التي تناقلتها الفضائيات عن الاشتباكات التي دارت داخل الجامعات (الأزهر و الاسلامية) وجوارها في غزة، عبرت عن سلوك سادي/ فاشي استدعى في ذاكرة المشاهد، جنود الاحتلال وهم يضربون بالأقدام نشطاء الانتفاضة لحظة اعتقالهم. إن المناظر التي شاهدها العالم -عدة شبان فلسطينين ينهالون بالضرب الوحشي على زميل لهم ، تحطيم سيارات ومحلات المواطنين- تعكس الدرجة التي وصلت إليها التعبئة الداخلية الحزبية، كما ترافق كل ذلك بقيام عدة مسلحين بالاعتداء على الممتلكات العامة، واحتلال بعض المؤسسات، كأحد أشكال الاحتجاج، مما استدعى في المقابل احضار مجموعات مسلحة أخرى للتصدي لها "التطورات التي حصلت في مبنى وزارة الصحة بمدينة غزة".
إن حل التعارضات -إن لم نقل التناقضات!- في مراحل التحرر الوطني، تتم داخل الأطر التنظيمية وفي اللجان المتخصصة، وحول طاولات الحوار، بعيداً عن الشارع وعواطفه، وعن طلقات الرصاص وقعقة السلاح. إن الوصول للتوافقات الوطنية، بين مؤسسة الرئاسة والحكومة، يتطلب من الجميع وتحديداً (فتح وحماس) الاقتناع بأن نقل الخلافات السياسية للتجمعات التنظيمية المنتشرة في الجامعات والمدارس ومراكز العمل الوظيفي، سيزرع فتيل التفجير داخل برميل البارود. إن جهوداً حثيثة يجب أن تبدأ لوقف هذه الكارثة، فالوطن والشعب ليس إقطاعية خاصة لهذا الفصيل أوذاك، خاصة وأن الاحتلال مازال يمارس عدوانه اليومي بشكل مباشر ومفتوح، فجريمة اغتيال /إعدام الشابين المناضلين من كتائب شهداء الأقصى "أحمد محمد علي مصلح ودانييل أبو حمامة " في مدينة "بيت لحـم"، والاعتقالات الواسعة في محافظات "الخليل، جنين، طولكرم "والقصف المدفعي لمناطق قطاع غزة، الذي يؤدي لسقوط الشهداء والمباني، يجب أن يشكل دافعاً لتوحيد المواقف في مواجهة خطط العدو وممارساته، فمن غير المسموح وطنياً وأخلاقياً أن يدير البعض ظهره للمحتل، ليمارس الاشتباك مع أبناء وطنه ورفاق دربه. إن القوى السياسية واللجان الشعبية والكتّاب وكل الناشطين في الحقل الوطني العام مطالبون بصياغة آلية عمل فورية، تعمل على وقف تداعيات الأزمة ومعالجة نتائجها، ووضع ضوابط وطنية جماعية لمنع تكرار ماحدث.
إن القضية الوطنية بكاملها تمر بأخطر مراحلها، وهذا يتطلب من كل الوطنيين توحيد جهودهم حول برنامج المواجهة السياسي /الكفاحي/ الاجتماعي، الذي يوفر للشعب مقومات الصمود والانتصار.