صناديق الاقتراع تطيح بـ«الثورة البرتقالية» في أوكرانيا
مع عجز قادتها عن تحقيق أي من وعودهم الإنقلابية التي ألهمتها إياهم الدوائر الأمريكية والأوروبية في حينها ، أطاحت الانتخابات التشريعية في أوكرانيا، بـ«الثورة البرتقالية»، بعد نحو عامين على اندلاعها في كانون الأول 2004، بعدما تصدر حزب المعارضة الرئيسي الموالي لروسيا نتائجها ولم يحصل الائتلاف الموالي للغرب بقيادة الرئيس فيكتور يوتشينكو إلا على المركز الثالث فيها.
وقد شارك قرابة 37 مليون أوكراني لانتخاب 450 عضو برلمان، من بين مرشحي 45 حزباً حيث أظهر استطلاع للرأي، أجراه مركز «رازومكوف» و«المعهد الدولي لعلم الاجتماع في كييف» على عينة من 18 ألف ناخب لدى إقفال صناديق الاقتراع، أن «حزب الاقاليم» الموالي لروسيا، بزعامة فيكتور يانوكوفيتش، الذي هزم أمام يوتشينكو في الانتخابات الرئاسية للعام 2004، نال 33,28 في المئة من الأصوات.
وحلت كتلة يوليا تيموشينكو، الحليفة السابقة للفريق الموالي للغرب في «الثورة البرتقالية» في المرتبة الثانية مع 23 في المئة من الأصوات، فيما حصل ائتلاف «بلدنا أوكرانيا»، بزعامة يوتشينكو، على 14 في المئة من الأصوات.
وأظهر الاستطلاع نفسه أن الاشتراكيين المقربين من يوتشينكو سينالون 5 في المئة من الأصوات، والشيوعيين 3 في المئة، وأن كتلة المعارضة الشعبية لليسار المتطرف، المعادية للرئيس الحالي، ستنال 3 في المئة.
وفيما أعلن يانوكوفيتش أن فوز حزبه «سيفتح صفحة جديدة في تاريخ أوكرانيا»، موضحا أن حزبه «جاهز لتحمل مسؤولية تشكيل الحكومة، مع دعوة الجميع للانضمام»، قالت تيموشينكو إن «اتفاقاً أولياً» تم بين ثلاثة أحزاب ليبرالية شاركت في «الثورة البرتقالية» لتأليف تحالف لنيل الأكثرية في البرلمان، موضحة أنها إذا عادت إلى السلطة فإنها ستطيح بالاتفاق بين روسيا وأوكرانيا حول أسعار الغاز، علماً بأن من بين ما عجزت عن تحقيقه قوى الثورة البرتقالية هو قبول أوكرانيا في عضوية الاتحاد الأوربي رغم تحولاتها «الديمقراطية»على امتداد العامين المنصرمين.
لماذا هذا الحقد الغربي على لوكياشينكو روسيا البيضاء؟
ثارت ثائرة الغرب والولايات المتحدة ولم تقعد منذ الإعلان عن فوز الكسندر لوكياشينكو لولاية رئاسية جديدة في روسيا البيضاء، وفرضا عقوبات دبلوماسية واقتصادية على قيادات بيلاروسيا وحكومتها بمن فيهم الرئيس نفسه بتهمة تزوير الانتخابات وعلى خلفية اعتقال متظاهرين من المعارضة خُلقت حولهم هالة إعلامية دولية إثر الإعلان عن نتائج تلك الانتخابات التي خسرها مرشحهم، الذي كان يأمل فيما يبدو بإضفاء لون آخر من ألوان الثورات الدارجة مؤخراً على بيلاروسيا التي ما تزال تحتفظ بعلاقات سياسية واقتصادية قوية مع روسيا الاتحادية، وهي النقطة التي أكثر ما تزعج واشنطن في سعيها المستمر لمحاصرة الأخيرة وعزلها ضمن محاولة تفتيتها.وبينما تقوم الدوائر الحاكمة في واشنطن ولندن كأمثلة عن الغرب باعتقال المتظاهرين احتجاجاً على الحرب على العراق على سبيل المثال، يكمن أحد عوامل الهجوم على لوكياشينكو في مواقفه من السياسات الدولية القائمة على منطق التفرد الأمريكي.
ولتوضيح الصورة أكثر و دون تعليق إضافي، تجدر الإِشارة إلى ما جاء في خطاب للرئيس البيلاروسي في الاجتماع الستين للجمعية العمومية للأمم المتحدة حيث قال: «مر خمسة عشر عاماً على تفكك بلادي الاتحاد السوفييتي وهو حدث غير النظام العالمي على نحو خطير. فالاتحاد السوفييتي رغم كل أخطاء قياداته ونهبهم كان مصدراً للأمل والدعم للعديد من الدول والشعوب، وهو الذي كان يشكل عنصر التوازن في النظام العالمي.
أما اليوم فالعالم فيه قطب واحد مع كل العواقب المترتبة على ذلك. فلقد تم تدمير يوغسلافيا التي كانت مزدهرة ذات يوم وتم محوها عن خارطة أوروبا. وأصبحت أفغانستان التي طالما عانت وكراً للصراعات وتهريب المخدرات في حين تتواصل في العراق إلى اليوم مجزرة دامية ليصبح هذا البلد مصدراً لانعدام الاستقرار في المنطقة برمتها. أما إيران وكوريا الديمقراطية فقد وضعتا على الدريئة.
بالنسبة إلينا فقد أسسنا اتحاداً دائماً وناجحاً مع روسيا بوصفها أقرب جيراننا ونحن نقوم ببناء بلدنا بالاعتماد على الذات وعلى أساس تقاليدنا. ولكن من الواضح تماماً أن اعتماد هذا الخيار من جانب شعبنا لا يسر الجميع، فهو لا يرضي أولئك الذين يتوقون لحكم العالم أحادي القطب. أتتساءلون كيف؟ إّذا لم يكن هناك من صراعات فيجري افتعالها،و وإذا لم تكن هناك ذرائع للتدخل فيجري ابتداع ذرائع وهمية. ولتحقيق هذه الغاية تم اختيار راية ملائمة تماماً: الديمقراطية وحقوق الإنسان، ولكن ليس ضمن معانيها الأصلية القائمة على حكم الشعب والكرامة الشخصية وإنما حصرياً بما يترجم القيادة الأمريكية على أرض الواقع.
هل أضحى العالم حقاً على هذا النمط من التباين الحاد بين الأبيض والأسود، محروماً من تعدد حضاراته وثقافاته وتقاليده متعددة الألوان وأنماط العيش التي تلبي تطلعات الشعوب؟ بالطبع لا ولكن ذلك يشكل الذريعة الملائمة والوسيلة للتحكم بالبلدان الأخرى. وإنه لمن دواعي الأسف أن تسمح الأمم المتحدة لنفسها وهي التي نمتلكها جميعاً أن تكون أداة بيد سياسة كهذه. وإني أقول هذا بمرارة وألم شديدين كوني رئيساً لبلد اشترك في تأسيس الأمم المتحدة بعد أن ضحى بثلث سكانه إبان الحرب العالمية الثانية من أجل حريتنا وحرية أوربا والعالم بأسره.
وفي مقابل ذلك تواصل لجنة حقوق الإنسان على نحو ميكانيكي إصدار قرارات بخصوص بيلاروسيا وكوبا وبلدان أخرى، وتجري محاولات لفرض هذه القرارات على الجمعية العامة للأمم المتحدة. ولكن دعونا نر العالم كما هو...
أين هي أسلحة الدمار الشامل العراقية، بعد أن أمطر العراق بالقنابل وتم تدميره ودفع شعبه إلى حوافي اليأس الجارف؟ وهل جرت أي محاكمة علنية ومستقلة وتحت إشراف الأمم المتحدة لمعتقلي غوانتانامو؟ وكم هو عددهم ومن هم؟ ومن سيدافع عن حقوق ضحايا أبو غريب ويعاقب عن كل العذابات التي تعرضوا لها ودون استثناءات؟
من سيكون قادراً على فعل ذلك ويصر على أن توقف الولايات المتحدة محاولاتها ضد كوبا وفنزويلا اللتين يحق لهما وحدهما تقرير مسار حياتهما؟
لقد أضحى تهريب الأشخاص تجارة رائجة وكذلك الاستعباد الجنسي للنساء والأطفال بات شائعاً وكأنه عرف في الحياة. من سيدافع عن هؤلاء ويحاكم مستهلكي «سلع الحياة»؟ كيف يمكننا مسح هذا العار عن جبين حضارتنا الإنسانية؟ إن هذا باختصار يشكل السجل المؤلم للانتقال إلى عالم القطب الأوحد، فهل من أجل هذا قمنا بتأسيس الأمم المتحدة؟؟!!»