توافق واشنطن الجديد وصل..
حصيلة اجتماع مجموعة العشرين في واشنطن يوم 15 تشرين الثاني 2008 مضحكة وغير لائقة. والإعلان الذي تبنته الحكومات نموذجٌ من نوع «إعادة تأكيد مبادئ الليبرالية الجديدة». لم تغب أية عقيدة سبقت تمويل الاقتصاد العالمي الذي أدى إلى الأزمة عن هذا الإعلان الختامي.
في حين أنّ التحرك المطلق لرؤوس الأموال والابتكارات المالية وانفلات المشتقات هي بإجماع الكل عناصر لعدم الاستقرار الدائم، تريد مجموعة العشرين تشجيع «تطور تبادل المنتجات والخدمات المالية» والعمل على أن تتمكن المؤسسات المالية من «معالجة الكميات المتزايدة من المشتقات».
تتلذذ مجموعة العشرين في كل صفحة بـ«التسوية»، ولا تتخذ أي إجراء حقيقي ضد الفراديس الضريبية ولا تنبس ببنت شفة عن السرية المصرفية، الذي أكد عدد كبير من رؤساء الدول أو الحكومات رغبتهم في إنهائها. لم تخش مجموعة العشرين من الوقوع في التناقض، فتؤكد ضرورة تجنب الانكماش وتدعو في الآن ذاته إلى «الحفاظ على إطارٍ سياسي يؤدي إلى دعم الميزانيات»، أي إلى إطار تقشف.
هل ينبغي أن نفاجأ إذا لم تكن حصيلة ثلاثين عاماً من السياسات النيوليبرالية قد استخلصت بعد؟ تتجاهل مجموعة العشرين تماماً التزايد الهائل للتفاوت الناتج عن التناقص الكبير في حصة العاملين من الثروة المنتجة من جانب وتطبيق برامج التكييف الهيكلي من جانب آخر. والحال أن البرنامج المسمى «القيمة للمساهم»، وهو النتيجة الطبيعية لتدهور شروط العاملين بأجر، هو السبب العميق لاحتدام التمويل وأزمته.
في ثمانينات القرن العشرين وتسعيناته، جرت قوننة السياسات النيوليبرالية تحت تسمية «توافق واشنطن». واليوم، يمكن القول إنّ توافق واشنطن جديداً قد أعيد تشكيله لإكساب طابع الجدة على ما لا يتجاوز مجرد نسخة للتصورات التي أوصلت العالم إلى حافة الكارثة. لم يطرح إلغاء ديون المصارف الكبيرة أية مشكلة لدى مناصري الرأسمالية، في حين أنّ إلغاء ديون بلدان الجنوب لا يزال ينتظر أن تصبح له الأولوية.
هل عبر الاتحاد الأوروبي عن نفسه بصوت أصيل في هذه الجوقة؟ لا، فقد حذا حذو القوى العظمى الأخرى والتزم بمواصلة الإصلاحات البنيوية لسوق العمل، مثلما صرح بذلك مجلس وزراء المالية والاقتصاد بتاريخ السابع من تشرين الأول، وهي إصلاحات تحمل داخلها مفاقمة أوضاع أكبر عدد من البشر، محضّرة بذلك لشروط أزمة جديدة قبل التغلب على الأزمة الحالية. إنّ «إعادة تأسيس الرأسمالية»، العزيزة على قلب الرئيس الفرنسي- وهو أيضاً الرئيس الحالي للاتحاد الأوروبي- ليست سوى رداءً لهروب جديد إلى الأمام نحو الفوضى الاجتماعية.
بعد كل الامتيازات التي حصل عليها المصرفيون والمضاربون المسؤولون عن الأزمة، أكدت مجدداً الحكومات الرئيسية المتواجدة في قمة مجموعة العشرين إيمانها الأعمى بمحاسن السوق الملك وبفضائل البحث عن المردودية بأي ثمن. سيكون الثمن الواجب دفعه هو استحالة تقليص الفقر والتفاوت واستحالة وضع المجتمعات على مسار تنمية يحترم البيئة.
مع مجمل الحركة المناهضة للعولمة، تقترح أتاك إخضاع التمويل للقوانين ونزع سلاح القائمين به وجعل المواطنين في قلب عملية صنع القرار. وفي حين أنّ مجموعة العشرين حددت لنفسها موعداً في نيسان 2009، سوف تنخرط أتاك في كل عمليات التعبئة الاجتماعية وعلى مستوى المواطنين للخروج من (أتون) الليبرالية الجديدة، مطالِبة بصورة خاصة بفرض ضريبة عامة على الصفقات المالية ووضع القطاع المصرفي والمالي تحت السيطرة العامة وتقاسم جديد للثروة المنتجة. هذا ممكن وهو الآن ضروري وعاجل.