محكمة أم «مصيدة»؟

تحولت «المحكمة ذات الطابع الدولي» بشأن اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري إلى «فزاعة» ينشغل في الإعداد لها وتظهيرها وإخراجها في الشكل والمضمون والأهداف عدة فرقاء، من واشنطن إلى باريس وتل أبيب إلى «الرباعية العربية، زعيمة دول الاعتدال العربي»، وصولاً إلى ملحقاتهم في المجتمع السياسي اللبناني.

مثلما كانت عملية هدم البرجين في نيويورك (وهي برأي حسنين هيكل تحتاج إلى تحقيق دولي لفك ألغازها) حجة ومبرراً لإدارة بوش ومنظريها من المحافظين الجدد للبدء فيما أسموه هم أنفسهم بحرب عالمية رابعة (بدأت في أفغانستان، ثم العراق، مروراً بعدوان تموز ضد لبنان والتهديدات ضد سورية، والآن تتجه بوصلة العدوان نحو إيران ومحاولة الإجهاز على كل مواقع المقاومة الأخرى) نلاحظ أيضاً كيف استغلت واشنطن ومن والاها في الغرب والشرق جريمة اغتيال الحريري منذ وقوعها حتى الآن لصالح استكمال هيمنتها على المنطقة وتفتيت بنية دولها ومجتمعاتها بالترغيب والترهيب.

...وبالعودة إلى واقع مجلس الأمن الدولي بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، نلاحظ أنه لم يأخذ قراراً واحداً لصالح الشعوب من البلقان إلى أفريقيا مروراً بمنطقتنا، بحيث تحولت موازين القوى في هذه المؤسسة الدولية لصالح حكم الذئاب ومصاصي دماء الشعوب «باسم الشرعية الدولية»، التي أصبح «عنوانها» استخدام الفصل السابع ضد أي شعب يرفض المشروع الإمبراطوري الأمريكي، ويرفض الرضوخ لمشيئة التحالف الإمبريالي – الصهيوني، ويرفض بالتالي التفريط بالسيادة الوطنية.

وبالتجربة نلاحظ أنه منذ عام 1991 تؤخذ القرارات في مجلس الأمن تحت الفصل السابع، تبدأ بفرض العقوبات وتنتهي بالعدوان العسكري المباشر على هذا البلد أو ذاك، تحت عناوين «الحرب على الإرهاب»، و«حقوق الإنسان»، و«نشر الديمقراطية» أو الحفاظ عليها، كما يجري الحديث الآن على لسان قادة البيت الأبيض عن «الديمقراطية الوليدة في العراق!!»

... في العمق أصبح التهديد بـ«الفصل السابع» رأس حربة العدوان ضد الشعوب وطليعتها المقاومة التي أخذت على عاتقها خيار المواجهة من «كراكاس» حتى «بيروت».

بعد قمة الرياض ومحاولة إحياء «المبادرة العربية ـ الطرح»، وما سبقها من تحضيرات من واشنطن ودول «الاعتدال العربي»، وإبراز دور مايسمى «بالرباعية العربية»، لم يجر تفعيل أي شيء من الكلام و«الرغي» الحماسي حول التضامن العربي، سوى وضع المحكمة ذات الطابع الدولي بشأن اغتيال الحريري على نار حامية تنفيذاً لقرار مجلس الأمن الدولي بإنشائها، دون أية التفاتة إلى إرادة أكثر من نصف الشعب اللبناني المعترض على شكل ومضمون ومرجعية المحكمة والأهداف السياسية من وراء تحويلها إلى أكبر من قضية وطن مازالت بعض أراضيه محتلة، وأسراه في السجون الإسرائيلية، ويؤخذ على مقاومته الباسلة أنها تجرأت على صد العدوان الصهيوني وهزيمته في تموز الماضي!!

... إن مؤيدي إقامة المحكمة بنظامها الحالي ومراميها القريبة والبعيدة، هم أنفسهم الذين بادروا وأيدوا ودعموا العدوان الصهيوني على لبنان في تموز الماضي من واشنطن إلى أولئك الذين وصفوا المقاومة بالمغامرة. وتقترن الآن «المطالبة بإنجاز المحكمة تحت الفصل السابع» مع «ضرورة البدء بالتطبيع مع الكيان الصهيوني لإقناعه بالتجاوب مع المبادرة العربية». هذا ما قالته رايس في اتصالها مؤخراً مع وزراء خارجية الرباعية العربية!!

لقد «ذاب الثلج وبان المرج» وأصبحنا أمام استحقاق قيام ثنائية حقيقية: «مقاومة-استسلام»، إذ لا سبيل لتحرير الأراضي المحتلة في فلسطين والجولان والعراق ولبنان والصومال، وفي أي مكان من منطقتنا، إلا بالتزام خيار المقاومة الشعبية الشاملة، والإقلاع نهائياً عن أية مساومة مع التحالف الامبريالي- الصهيوني مهما كانت التضحيات!

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

آخر تعديل على الأحد, 13 تشرين2/نوفمبر 2016 23:53