البنك الدولي في وحل الفضيحة! (●)

في أعقاب الحادي عشر من أيلول 2001 ساد اعتقاد جديد مفاده أن الدول الفقيرة قادرة على إلحاق الأذى بالدول الغنية، على اعتبار أن تلك الدول- الفقيرة- يمكن أن تصبح دولاً حاضنةً للأمراض والجرائم والتدهور البيئي والإرهاب. هذا الاعتراف آخذ في الاختفاء الآن بل نجد أن مؤسسة كالبنك الدولي يتوقع منها دوماً أن تكون صوتاً قوياً يرتفع ضد الفساد والتردي في الخطايا، قد تحولت إلى مؤسسة خرساء غير قادرة على الدفاع عن نفسها ضد فضيحة مرَّغت سمعتها في الطين.

قبل أن نتناول الفضيحة الحالية في البنك الدولي، دعونا ننظر إلى الصورة الكبيرة التي شكلت إطاراً لذلك البنك خلال السنوات الماضية. بعد الحادي عشر من أيلول دشّن العالم ما يعرف بـ«جولة الدوحة» لمباحثات التجارة، التي كانت تهدف إلى مساعدة الدول الفقيرة على الخروج من أزماتها، غير أنها أخفقت في ذلك. وعقب الحادي عشر من أيلول أيضاً كانت هناك آمال بزيادة عدد التدخلات الدولية لأغراض إنسانية، بيد أن «أعراض حرب العراق» قوضت إرادة الغرب في التدخل حتى في الحالات القصوى كما هو الحال الآن بالنسبة لأزمة دارفور.

بعد ذلك تأتي قصة المساعدات: فبعد الحادي عشر من أيلول تضاعفت المساعدات الخارجية التي تقدمها الحكومات من 52 ملياراً عام 2001 إلى 107 مليارات عام 2005. وفي عامنا الحالي اجتمع قادة الدول الثماني الكبرى في قمة «غلين إيغلز» في اسكتلندا ووعدوا بمضاعفة المساعدات المقدمة إلى الدول الإفريقية الواقعة جنوب الصحراء الكبرى. لكن ما يبدو واضحاً هو أن هذا الوعد كان فارغاً حيث كشفت آخر الإحصائيات التي تم نشرها في هذا السياق أن المساعدات التي قدمتها الدول الثماني الكبرى إلى الدول الفقيرة عام 2006 كانت أقل بمقدار 200 مليون دولار عن تلك التي قدمتها في عام 2005. كذلك تشير التحليلات التي أجراها مركز التنمية العالمية إلى أن مشروعات التنمية التي سيتم تنفيذها كمساعدات للدول الأفريقية ستنمو بمعدل يقل عن نصف المعدل الذي وعدت به الدول الغنية في قمة «غلين إيغلز».

في أحوال كهذه يكون الغرب بحاجة إلى صوت واضح يدافع عن قضية التنمية، وهو صوت كان يأتي في الماضي من أروقة البنك الدولي (..)، أما الآن فإن وضع البنك تغير ولم يعد هناك أي وضوح أخلاقي يطبع البنك في الوقت الراهن. وليس هذا فحسب بل الحقيقة هي أن ما يرشح من البنك لم يعد سوى الفضائح المحبطة والموهنة للعزيمة مثل الفضيحة المثارة حالياً التي تتمحور حول الرواتب الخيالية التي يتقاضاها الموظفون المحيطون ببول وولفوفيتز. فعلى سبيل المثال هناك حالة كيفين كيليمز وهو مسؤول صحفي ومساعد شخصي كان يعمل من قبل مع وولفوفيتز في البنتاجون ويتقاضى الآن راتباً يبلغ 240 ألف دولار خالياً من الضرائب، وهو ما يتجاوز الراتب الذي كان يتقاضاه نواب رئيس البنك وهم عادة من حملة الدكتوراه وذوو خبرة لا تقل عن 25 عاماً في مجال عملهم. وهناك أيضاً حالة روبن كليفلاند التي هبطت بالمظلة مع وولفوفيتز التي تتقاضي 250 ألف دولار شهرياً بالإضافة إلى إعفاء من مصلحة الإيرادات الداخلية الأميركية، وهو مبلغ يفوق بكثير الدرجة التي تم تعيينها بها. والأكثر من ذلك أن العقود التي تم توقعيها مع كل من كيليمز وكليفلاند لا تنقضي بانتهاء خدمة وولفوفيتز.

وليس هذا كل ما في الأمر، بل هناك أيضاً موضوع «شاها علي رضا» وهي موظفة قديمة في البنك ترتبط كما يقال بعلاقة عاطفية مع وولفوفيتز. فهذه السيدة قامت بإجازة مدفوعة الأجر (تمت إعارتها إلى وزارة الخارجية الأميركية) عقب وصول وولفوفيتز وقفز راتبها منذ ذلك الحين من 133 ألف دولار شهرياً إلى 194 ألف دولار. وعندما تم توجيه أسئلة حول تلك المكافآت التي تتمتع بها شاها، أعلن متحدث رسمي باسم البنك أن هذا الموضوع قد تم التعامل معه بواسطة مجلس إدارة البنك والمستشار العام وهو ما يعني ضمناً أن وولفوفيتز نفسه لم يكن معنياً به، لكن الحقيقة التي تكشفت هي أن وولفوفيتز كان متورطاً بشكل وثيق كما اعترف هو بذلك معبراً عن ندمه.

عندما تكون الأمور في مؤسسة دولية منوط بها مقاومة الفقر على هذه الحال، فإن ذلك يعطي صورة سيئة وغير مقبولة تحت أي ظرف من الظروف. هذا هو تأثير هذه الفضيحة على البنك الدولي نفسه، أما تأثيرها على بول وولفوفيتز ذاته فسيكون مدمراً لاسيما إذا عرفنا أن قيادته للبنك قد أصبحت موضع تساؤل بعد أن أبعد العديد من الموظفين الأكفياء، وركز السلطات في يدي كيليمز وكليفلاند، كما أقصى حملة الأسهم عندما قدّم أفكاراً إستراتيجية غير ناضجة، وأقصى المقرضين من خلال عرقلة القروض حسب هواه. والأسوأ من ذلك أنه باعتباره رجلاً جعل من محاربة الفساد شعاره المميز منذ جاء إلى منصبه، كان يجب أن يفكر مرتين قبل أن يصادق على منح تلك المرتبات الخيالية لأفراد حاشيته. 

 ■ سباستيان مالابي

كاتب أميركي/ موقع إيكاوس

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(●) إن أبرز ما في القضية ليس فقط أن وولفوفيتز كان نائباً لوزير الدفاع الأمريكي حتى عام 2005 وهو من مهندسي العدوان ألأمريكي على العراق وأن سوء تقديره لمجريات الأوضاع الأمنية هي التي أطاحت به من منصبه السابق، بل إن فضيحته سلطت الضوء مباشرة على واقع التداخل والتكامل الوظيفي (بما فيه المباشر المتعلق بالأفراد ونقلهم) بين مؤسسة اقتصادية ذات طابع دولي مستقل افتراضاً كالبنك الدولي سيىء الصيت ومؤسسة سياسية دبلوماسية ضمن الحدود الحكومية الأمريكية كوزارة الخارجية وهي لا تقل سوءاً في صيتها. غير أن ما ستجيب عنه الأيام المقبلة على الأرجح هو حول ما الذي يكمن وراء توقيت الكشف عن هذه الفضيحة، وتزامنه مع اجتماعات لجنة مستشاري البنك، وما إذا كان يراد تغطية شيء أخطر من خلال تقديم «العاشق» وولفوفيتز و«عشيقته» شاها كبشي فداء.

 ■ قاسيون 

من الأرشيف:

وولفوفيتز يتبنى خطة لمعالجة فساد الدول النامية..!

أعلن رئيس البنك الدولي بول وولفويتز تبني الدول الأعضاء في البنك بالإجماع خطة مثيرة للجدل لمعالجة الفساد في البلدان النامية.

ويأتي الاتفاق عقب توترات دامت شهورا بين وولفويتز وبعض الدول الأوروبية الكبرى القلقة من أن حملة البنك لمكافحة الفساد قد تبطئ عمليات إقراض هذه المؤسسة الدولية للدول الفقيرة.

وتمت مراجعة الخطة عدة مرات وسط مشاحنات خلف الستار بشأن كيفية قيام البنك بمكافحة الفساد دون لعبه دور الحكم وإضراره بمصالح الفقراء.

وقال وولفويتز خلال مؤتمر صحفي مشترك مع المدير التنفيذي الألماني في واشنطن إيكارد دويتشر إن مجلس الإدارة تبنى بالإجماع الخطوط الإرشادية للبنك وخطة مكافحة الفساد.

وأشار وولفويتز إلى أن الخطة المعدلة تضمن إبقاء البنك الدولي على تدفقات قروضه لمشاريع التنمية حتى في حالة إدارة الدول بشكل سيئ ويتعين العمل على تحسين إدارة الحكومات...!!

21/3/2007

آخر تعديل على الأحد, 13 تشرين2/نوفمبر 2016 23:59