العولمة الاقتصادية عبر الحرب • النقابيان العراقيان فالح عمارة وهاشمية حسين: «انسحاب القوات الأمريكية من العراق ينبغي ألا يكون مشروطاً بالنفط»

يصطدم القانون العراقي حول المشتقات النفطية، الذي وصفته مؤخراً خمس شخصياتٍ حاصلة على جائزة نوبل للسلام بأنه «غزو مسلح»، بكل القوى الشرعية، العسكرية والاجتماعية، التي تحاول التواجد في ظل الاحتلال. نتيجةً لذلك، رفض عدة مرات تبني هذا القانون الذي يمثل أحد أهداف الحرب التي أعلنتها الإمبراطورية، وذلك على الرغم من الضغوطات كافة.
فالح عبود عمارة، الأمين العام للفدرالية العراقية لنقابات الصناعة النفطية وهاشمية محسن حسين، رئيسة نقابة عمال الكهرباء في العراق، يردان على أسئلة ديفيد بيكون.

ديفيد بيكون

صحافي من كاليفورنيا متخصص في المسائل النقابية والهجرات والعولمة. وقد نشر مؤخراً كتاباً بعنوان: «مجتمعات بلا حدود»، صدر ضمن منشورات جامعة كورنيل.

مؤخراً، أعلنت نقابات الصناعة النفطية الإضراب لمدة يومين. ما هي مطالبها؟

• فالح عبود عمارة: يتعرض قطاع النفط للكثير من المشكلات. منذ فترة، التقينا رئيس الوزراء وتطرقنا لهذه المشكلات وتوصلنا أخيراً إلى اتفاق. وحين طلبنا من وزير النفط تطبيق هذا الاتفاق، رفض. كان من المفترض به أن يعقد مؤتمراً خاصاً لعمال النفط جنوبي العراق بهدف منحهم أراض لبناء منازلهم وزيادةً في الأجور وتوزيعاً لعوائد النفط وتعليق تبني القانون الجديد المتعلق بالمشتقات النفطية. لم تغير مناقشاتنا مع وزير النفط الوضع، فأعلنا الإضراب.
 
ما اعتراضات النقابة على قانون النفط؟

• فالح عبود عمارة: يمنح القانون الجديد التحكم بكافة الفوائد وبالإنتاج لشركات النفط الأجنبية، وهذا سيطلق يدها في احتياطياتنا النفطية دون أن نتمكن من التدخل أو حتى من المراقبة. بل إنّ قانون النفط لا يأخذ بالاعتبار وجود نقابتنا النفطية، كما لن يدخلنا في «المؤتمر النفطي» المزعوم. والأخطر في هذا القانون هو القسم المتعلق باتفاقيات تقاسم الإنتاج (1). نحن نرفض بحزم هذا النمط من الاتفاقات. سوف يجرد القانون العراق من مصدر دخلها الرئيسي: النفط. وهو سيخرب سيادة العراق وشعبه.
 
ما التأثير المتوقع لهذا القانون على تمكن العراق من إعادة إعمار نفسه بعد الحرب والاحتلال؟

• فالح عبود عمارة: إذا ما جرى تبني القانون، لن تكون هنالك إعادة بناء، وسوف تحتفظ الولايات المتحدة بهيمنتها على العراق.

تؤكد الولايات المتحدة على تبني هذا القانون لأن احتياطياتها النفطية في طريقها إلى التلاشي. لقد توقفت آخر آبار النفط في تكساس عن الضخ في العام 2004. ويثبت العديد من الوثائق بأنّ إنتاج مكامن النفط في الولايات المتحدة يتراجع بسرعة. وباعتبار أنّ العراق يتمتع بأهم احتياطيات للنفط حالياً، فإنّ إدارة بوش تحاول السيطرة على نفطنا بهدف دعم الاقتصاد الأمريكي. أعتقد أنّ هذا هو السبب الرئيسي الذي دفعها لإعلان الحرب على العراق.
 
هاشمية، حين التقيت بك في البصرة في العام 2005، كانت نقابتك تعارض إدارة محطات إنتاج الكهرباء بصدد شروط العمل وعمل أعضاء نقابتك بالمقاولة. ما الوضع اليوم؟

• هاشمية محسن حسين: لقد عانت المحطات الكهربائية والكثير من المعدات من أضرار شديدة أثناء الحرب، وينبغي العودة إلى زمن صدام حسين للإحاطة بهذه المشكلة. فهو لم يكن يمنح عقوداً للشركات الأجنبية وكان يعتمد على الموارد المحلية. بعد سقوط النظام، شهدنا وضعاً مغايراً. حتى أبسط الأعمال منحت لمقاولين. نتيجةً لذلك، ملئت مكاتب الشركة الوطنية بموظفين عاطلين تقنياً عن العمل. وقد احتججنا على ذلك، ولم يكن مسؤولو قطاعنا يقبلون في البداية مطالب العمال. تظاهرنا أمام مكتب رئيس بلدية البصرة وقدمنا مطالبنا للحاكم. من أصل سبعة مطالب تقدمنا بها، ورد أهم مطلبين بداية: أولاً إنهاء المقاولات الفائضة عن الحاجة، ثم وضع حد للفساد الذي يعيث فساداً في الإدارة. أخيراً، اتفقنا مع الإدارة على عدم تقديم المقاولات إلا إذا كانت الأعمال تتجاوز كفاءات العاملين العراقيين.
 
ما الأجور التي يتقاضاها أعضاء نقابتك؟

• هاشمية محسن حسين: في بداية الاحتلال، فرضت إدارة بول بريمر جدول أجور ظالم جداً. كان لنظامه أحد عشر مستوىً، يبدأ آخرها براتب 50 دولاراً شهرياً ويصل أولها حتى 1300 دولار (أي حوالي 1000 يورو). بإمكانكم إدراك التباين. لا يمكن لأحد الاكتفاء بخمسين دولاراً حين تقبض أقليةٌ ضئيلة مبلغاً أكبر بكثير. الحد الأقصى لما يمكن لعامل في صناعتنا الحصول عليه هو المستوى الخامس، أي حوالي 250 دولار، وهو مبلغ يكفي بالكاد للعيش. طلبنا من الوزارة تغيير هذا القانون، وحتى إذا فعلوا، سيكون التعويض محدوداً جداً.
 
فالح، أعادت نقابة عمال النفط النظر في سلم أجور بريمر في العام 2004. كم يكسب عمال النفط حالياً؟

• فالح عبود عمارة: كانت المستويات التي فرضها بريمر تطبق على العاملين في كافة أرجاء العراق. وقد عارضناها حينذاك وهددنا بالإضراب عن العمل. وبعد التقائنا بوزير النفط، نجحنا في إجراء تعديلات. أصبحت المعاملات في قطاع النفط مختلفةً تماماً اليوم عما هي عليه في قطاعات أخرى. على سبيل المثال، ألغينا المستويين العاشر والحادي عشر. هنالك تحسن طفيف، غير أنّ أسعار الاستهلاك ترتفع باستمرار.

لقد ذهبت إلى أحد مساكن عمال النفط؛ في صناعة غنية كهذه، لا يزال العديد من الأسر يعيشون في حجرة واحدة، وإذا كانت تأكل حين تجوع، فهي في المقابل تعيش شروطاً شديدة التقشف.

الشروط صعبة للغاية. يبلغ أجر عامل نفط من المستوى الرابع نحو 600 ألف دينار، أي نحو 400 دولار أمريكي (300 يورو) شهرياً. يبلغ سعر براد صغير منزلي 200 دولار أمريكي. إنه نصف راتبك. هل يمكن للمرء أن يعيش بمائتي دولار شهرياً؟ شروط العمل شديدة القسوة أيضاً. لكن للنزاهة، فهي أفضل مما كانت عليه في عهد صدام حسين. في قطاعي الكهرباء والنفط، طلبنا زيادةً خاصة بنسبة 30 بالمائة وحصلنا عليها بفضل قوة نقابتينا. سوف نتابع تحسين الأجور إن شاء الله.
 
هاشمية، كيف أنشئت نقابتك وكيف أصبحت مسؤولةً عنها؟

• هاشمية محسن حسين: بعد انهيار نظام صدام حسين، في أيلول 2003، نظمنا لجاناً نقابية في عدة أماكن عمل. وقد جرى انتخابي كمسؤولة في المكان الذي أعمل فيه. ثم أثناء المؤتمر الأول لكافة عمال صناعتنا في أيار 2004، انتخبت على رأس النقابة. كل مندوبينا النقابيين متطوعون. لدينا أسلوب عمل ديمقراطي للتصويت الداخلي ينبغي أن تتمثل فيه كافة مهن الصناعة. هنالك مؤتمر يجري كل عامين وأثناء المؤتمر الثاني في حزيران 2006، أعيد انتخابي بالإجماع. لكن بسبب مرسوم حكومي قضى بالاستيلاء على كافة أموال النقابات في العراق، ليس لدينا أموال ولا وسائل لجمعها. يتوجب على الأشخاص الملتزمين بالنقابات، حتى في قطاعي الكهرباء والنفط، أن يساهموا قدر استطاعتهم باقتطاع جزء من راتبهم. هذا هو مصدر تمويل كل نشاطاتنا.

 ما موقف الرجال في النقابة منك؟

• هاشمية محسن حسين: في البداية، طرح هذا الأمر بعض الإشكاليات، لكن الأمر أصبح أيسر بكثير الآن. لقد انتخبني العمال، ولدي علاقات ممتازة مع النقابيين ولجانهم المحلية في أماكن العمل. لقد توجهوا إلينا مؤخراً لشرح مشكلاتهم ونحن نبذل جهدنا لإيجاد حلول. هنالك خمس منظمات نقابية فرعية في قطاعنا، والعديد من النساء نقابيات. ونحن ندرجهن في صور ملصقاتنا كي يصبحن مثلاً يحتذى.
 
حين كنت في بغداد في تشرين الأول 2003، نشر بريمر وسلطة التحالف المؤقتة (2) قائمة بالشركات العامة التي ينوون بيعها لمشترين خواص. هل كانت شركات الكهرباء في هذه القائمة؟ هل هنالك مشاريع لخصخصة شركات إنتاج الكهرباء؟

• هاشمية محسن حسن: إنّ تجهيزات إنتاج الكهرباء العراقية تتدهور بسرعة كبيرة وليس بإمكاننا الحصول على قطع غيار لها. الإرهابيون يخربون خطوط التوتر العالي ومحطات الإنتاج. هنالك فساد معمم في الإدارة. لم نشهد أي تحسن في هذا المجال والسكان يعانون من انقطاعات متعددة في الكهرباء. داخل الحركة النقابية، نحن نعتقد بأنّ هذا الوضع متعمد بهدف التوصل في نهاية المطاف إلى ضرورة القيام بشيء ما وبأنّ البديل الوحيد هو خصخصة إنتاج الكهرباء.

في الثالث والعشرين من أيار الماضي، قمنا بالاحتجاج على هذا الوضع. طالبنا وزارة الكهرباء بتحسين نظام النقل، وهددنا بقطع خطوط النقل والمحطات الفرعية وبقطع التغذية عن محطات ضخ النفط. لم تكن تلك إلا محطةً أولى. وحين فهم وزير الكهرباء ما نريد فعله، وافق على النقاش وقمنا بتأجيل الإضراب. لكن منذ ثلاثة أيام، أخبرتني نقابتي بأنها تنوي الإضراب مجدداً لأنّ هذه النقاشات كانت عديمة الجدوى. لقد أعلنت الحكومة خطة طوارئ لتجديد خطوط النقل والنظام بأكمله، لكنّ الأموال المرصودة لذلك اختفت. هدفنا هو فرض تحسينات فورية على النظام، وقد قدمنا خططاً بهذا الصدد للوزارة. في صناعتنا، نحن الخبراء.
 
• الأسبوع الماضي، كتب رئيس نقابة النفط رسالة للكونغرس الأمريكي، يشرح فيها أنّه يتمنى انتهاء الاحتلال ورحيل القوات لكن دون أن يكون تبني القانون شرطاً مسبقاً لهذا الرحيل. كيف ترى نقابة عمال النفط نهاية الاحتلال؟

• فالح عبود عمارة: مشكلات العراق كافة نتجت عن الاحتلال. نقابتنا النفطية، ومعها النقابات كافة العراقية الأخرى، مقتنعةٌ بأنّ إعادة إعمار البلاد ستكون مستحيلةً طالما أنّ الاحتلال موجود. الاحتلال هو السبب في الفساد المتزايد. نحن نطالب الشعب الأمريكي بأن يفرض على حكومته الانسحاب من بلادنا على الفور. ينبغي ترحيل الجنود دون أن يكون القانون المتعلق بالنفط شرطاً مسبقاً. الإدارة الأمريكية تريد السيطرة على موارد النفط في بلادنا، وهكذا فإنّ رسالتنا إلى الكونغرس تطالب البرلمانيين الأمريكيين التوقف عن تقديم اقتراحات تتعارض مع إرادة الغالبية العظمى من شعبنا. في العراق العديد من خبراء النفط القادرين تماماً على إدارة الصناعة النفطية. شركة نفط الجنوب، التي تأسست فيها نقابتنا، هي الشركة الوحيدة في العراق التي تنتج النفط حالياً. نحن نصدّر 2250000 برميل يومياً، في ظل المراقبة الكاملة لخبراء عراقيين وبإنتاج السواعد العراقية.
 
في الولايات المتحدة، هنالك العديد ممن يؤكدون بأنّه لن يكون هنالك مجتمع مدني قادر على حكم البلاد في حال غادر الجيش العراق. هل تتفق مع هذه التأكيدات؟

• فالح عبود عمارة: العديد من المدن العراقية تخضع لإدارة محلية. هذه المدن آمنة نسبياً، في حين أنّ المدن التي تسيطر عليها قوات الاحتلال تشهد مجازر بانتظام. طالما أننا تحت الاحتلال، ستتواصل عمليات التخريب والقتل. لكن حين يتنطح أشخاص ينتمون للجماعات المحلية لمسؤولية الأمن، فهم يتمكنون من طرد قوات القاعدة وغيرها التي ترهب الناس. هذا يعني بأننا نستطيع تماماً حماية أنفسنا ونشر الأمن في صفوف شعبنا، دون مساعدة القوات الأمريكية. أقول لأولئك الذين يعتقدون بأنّ الفوضى ستعم في حال رحيل الولايات المتحدة: دعوهم يرحلون؛ إذا توجب علينا أن نتقاتل في ما بيننا بعد ذلك، فليكن. نحن نموت الآن بالآلاف. وإذا ما تواصل الاحتلال، لن يكون هنالك سوى مزيد من الدم الذي يسيل من الجنود الأمريكيين ومن الشعب العراقي.
 
هاشمية، نقابتك تنتمي إلى اتحاد نقابي آخر. ما رأي هذا الاتحاد بصدد مستقبل الاحتلال؟

• هاشمية محسن حسين: نقابة عمال الكهرباء جزء من الاتحاد العام للعمال العراقيين، ونحن نتمنى انتهاء الاحتلال في أسرع وقت ممكن. النقابات كافة العراقية تتمنى ذلك.

بعد سقوط النظام، جرى فتح الحدود كافة. لقد دخل العديد من الناس ـ الدخلاء ـ إلى العراق. وادعى العديد منهم الانتماء إلى القاعدة وإلى غيرها من المنظمات، وأدخلوا أسلحةً ومتفجرات. لم تكن هنالك أية رقابة على الحدود. وبوصفنا بلداً محتلاً وفق القرار 1483 الصادر عن الأمم المتحدة، يتوجب على الولايات المتحدة ضمان أمننا وحمايته. لكن أول ما فعلوه هو فتح الحدود على مصراعيها. نظراً لهذه التجربة، لا نتوقع أن نعيش في أمان طالما أنّ الولايات المتحدة متواجدة هنا. بعض المدن آمنة، لكن حيث توجد القوات الأمريكية هنالك الكثير من الرعب والتخريب. نريد رحيل الولايات المتحدة. بطبيعة الحال، سوف يستغرق هذا الأمر وقتاً وهو ليس أمراً يسيراً. القضايا الإدارية المتعلقة به معقدة. لكن رغبتنا الأولى والأخيرة هي انتهاء الاحتلال في أسرع وقت ممكن.
 
تقول إدارة بوش إنها تتوقع بقاء قوة احتلال لسنوات عديدة، مقارنةً الوضع بتواجد القوات الأمريكية في كوريا الجنوبية. ما رأيك بهذا الاحتمال؟

• هاشمية محسن حسين: لو أنّ الأمر يتعلق ببوش وحده، لاحتل العالم بأكمله. لكن هذا ليس ما تريده أمم العالم الأخرى. هل تقبل بالاحتلال مثلما توجب علينا فعله؟ بلدنا لا يريد أن يكون محتلاً، وسوف نبذل ما بوسعنا لإنهاء هذا الوضع.

 ما الذي تتوقعه النقابات العراقية من الشعب الأمريكي؟

• هاشمية محسن حسين: نتوقع التضامن. اضغطوا على إدارة بلدكم كي تغادر العراق في أسرع وقت ممكن. ليس لخير الشعب العراقي وحسب، بل لخيركم أنتم أيضاً. نحن لا نريد موت جنود أمريكيين على أرضنا. نريد قيام علاقات حسنة مع الشعب الأمريكي.
 
ما الذي يطلبه عمال النفط العراقيون؟

• فالح عبود عمارة: نريد تعاوناً بين نقاباتنا. أعتقد أنّ مشكلات العمال في جميع أرجاء العالم متماثلة. ينبغي أن نضغط على الحكومة الأمريكية كي تحسّن شروط العمل في بلدينا. لكن في بلدنا، يتضمن ذلك رحيل القوات. أدعو جميع عمال النفط في الولايات المتحدة كي يحموا كنزهم، أي نفطهم الخاص. فهو لا يخص الحكومة ولا الشركات الخاصة فقط، بل الأمة الأمريكية.

 (1) من أجل مزيد من المعلومات عن قانون النفط العراقي واتفاقات اقتسام الإنتاج الشهيرة، انظر مقال أرتور لوبيك بعنوان: «هل سيتخلى العراق المحتل عن نفطه للضباط؟»، نشر في 20 حزيران 2007 على شبكة فولتير.

(2) انظر: «من الذي يحكم العراق؟» بقلم تييري ميسان، شبكة فولتير، 13 أيار 2004.