أصابع بلير خلف الستار دين أندرو ميداس
ترجمة: عادل بدر سليمان
• خاص قاسيون
بوصفه مبعوثاً خاصاً للرباعية يدير توني بلير سياسة بريطانيا التقليدية في إيقاد نار الفتن الداخلية وترك الأطراف المتصارعة يصفون بعضهم بعضاً. في السادس والعشرين من شهر كانون الثاني الماضي نشرت صحيفة «واشنطن بوست» مقابلة مع وزير«الدفاع» الإسرائيلي ايهود باراك، ولدى سؤاله عن رأيه فيما إذا كان يجب فتح المسار السوري في مفاوضات السلام، أجاب: «أظهرنا احتراماً لسورية ولمصالحها ولقادتها، وأتأمل أن يظهروا ذات الشيء إزاء إسرائيل، وإذا ما حصل هذا الأمر فإني أعتقد أن وجود مسار سوري سيكون أمراً ايجابياً». فعّلق مراسل الصحيفة قائلاً: «كنتُ أعتقد أن الولايات المتحدة قد عارضت قيام إسرائيل بالتفاوض مع سورية». فأجابه باراك: «أعتقد أنهم باتوا يدركون في السنوات الأخيرة أننا نفهم القضية السورية على نحو أفضل».
منذ الخريف الماضي يصر بعض المراقبين أن السلام المتفاوض عليه بين سورية وإسرائيل أمر قابل للتحقيق في المدى القريب، وأنه لا يمكن الاستغناء عنه كأداة لفك عقدة التقدم باتجاه تحقيق السلام الإسرائيلي الفلسطيني، وتحويل أجواء المنطقة من الحرب إلى السلم. ومع ذلك فإنه لم يتحقق أي تقدم على المسار السوري الإسرائيلي منذ انعقاد مؤتمر أنابوليس. يعود ذلك إلى رفض إدارة بوش تقديم دعم لمثل هذه المبادرة، وهو رفض يخدم بالدرجة الأولى سادة اللعب في بريطانيا الذين يديرون عملية تخريبية على نطاق عالمي. وقد أدى التعثر الأخير في المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية إلى التصعيد في «عمليات العنف». على حين أجج العنف المتجدد في لبنان المخاوف من نشوب حرب أهلية مماثلة لتلك التي دمرت لبنان في منتصف السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي.
في غضون ذلك، ورغم رغبة الطرفين الإسرائيلي والسوري بتحقيق السلام، فإن احتمال قيام الحرب بين البلدين ليس مستبعداً. وقد أشار ليندون لاروش؛ المرشح الرئاسي الأمريكي الأسبق، ورئيس مجلة «اكزيكيتيف انتلجنس ريفيو» في تعليقه حول الوضع في الشرق الأوسط إلى أن غالبية اللاعبين في المنطقة ما زالوا لا يفهمون الدور البريطاني الحقيقي والمتمثل في خلق الفوضى وإدارتها. وقال موضحاً أن أولئك اللاعبين لا يدركون أن البريطانيين لا يحبون خوض الحروب.. إنهم يعمدون إلى وضع الخصمين في مواجهة بعضهما ودفعهما إلى القتال وتدمير بعضهما بعضاً. وأضاف قائلاً: إن هذا هو ما يجري حالياً في لبنان وإيران ومناطق جنوب شرق أسيا. إذ يقوم البريطانيون بإدارة الشرق الأوسط بنفس الطريقة التي أداروه بها أيام اتفاقية سايكس- بيكو سيئة الصيت في الحرب العالمية الأولى التي قامت بموجبها بريطانيا وفرنسا بتقاسم الأراضي التي كانت خاضعة للإمبراطورية العثمانية.
اليوم، كما في ذلك التاريخ، يوجد لدى البريطانيين مندوب سام في المنطقة وهو، في هذه المرة، رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير. ومن موقعه الجديد كمبعوث خاص لما يدعى برباعية الشرق الأوسط (الأمم المتحدة، الاتحاد الأوروبي، الولايات المتحدة وروسيا) فإن بلير في موقع يجعله قادراً على التأثير في حرب المنطقة وسلامها. إن الدور الحاسم الذي لعبه في إطلاق الحرب الكارثية على العراق يثير الريبة في دور بلير كمفاوض للسلام. فبصفته مبعوثاً للرباعية، لا يخضع بلير لأية مراقبة رسمية كتلك التي كان يمكن أن يخضع لها لو أنه كان مبعوثاً للأمم المتحدة. ومع ذلك، فقد رصدت مبالغ ضخمة من الأموال المتجمعة من ملايين الدولارات التي تقدم كمساعدات اقتصادية لإبقاء السلطة الفلسطينية وشعبها المعدم على قيد الحياة.
ففي الوقت الذي يعاني فيه الفلسطينيون من مآسي الاحتلال بما فيها البطالة، وسوء التغذية، والخوف اليومي من الموت، قامت «بعثة بلير الرباعية»، كما ورد اسمها في عقد الإيجار، باستئجار ما لا يقل عن عشر غرف في فندق «أمريكان كولوني» وهو الفندق الوحيد من فئة خمس نجوم في القدس الشرقية مقابل إيجار سنوي مقداره مليوناً وثلاثمائة وأربع وثلاثين ألفاً من الدولارات. يضاف إلى ذلك إيجار أحد المنازل في حي فخم من لندن ليكون مكتباً لبلير نفسه. السؤال المطروح هو: لحساب من يعمل بلير؟ هل يعمل لحساب الرباعية التي ولدت عاجزة عن العمل منذ يوم تشكيلها أم لحساب المؤسستين الماليتين الكبيرتين اللتين عينتاه مؤخراً كمستشار لديهما وهما «جي بي مورغان تشيس» و«زيورخ فاينانشال» وهي شركة تأمين سويسرية قيل إنها تدفع له راتباً مقداره نصف مليون جنيه في العام؟
إن ما يقوم به بلير اليوم، أو ما لا يقوم به، يخدم نفس سادة اللعب البريطانيين الذين شجعوا الحرب على العراق. وفي دوره كقرصان للمعونات الاقتصادية، لم يحقق بلير شيئاً للفلسطينيين في الوقت الذي يتفق فيه جميع المراقبين المنصفين على أن تحسين ظروف الحياة اليومية للفلسطينيين عامل أساسي في إيجاد الشروط المسبقة التي تمهد للسلام. إن الطريقة الوحيدة التي يمكن بها لعملية السلام أن تمضي قدماً من الناحية السياسية هي تأمين المصالحة بين فتح وحماس والتخلي عن سياسة بريطانيا في رعاية الحرب الأهلية بين الفصيلين الفلسطينيين. ومعروف أن سيناريو الحرب الأهلية الفلسطينية كان ثمرة السياسة التي طبقها وكيل مستشار الأمن القومي الأمريكي «اليوت أبرامز» منذ فوز حماس في الانتخابات الفلسطينية التي جرت في شهر كانون الثاني عام 2006 .
إن بلير لم يفعل شيئاً للضغط على الإسرائيليين من أجل رفع الحصار عن قطاع غزة الذي أصبح المرادف المعاصر لـ«غيتو وارسو». كما إنه لم يحاول إقناع الإسرائيليين بالسماح بإدخال مادة الأسمنت إلى القطاع لإكمال العمل في مشروع معالجة مياه الصرف الذي يحتاجه سكان غزة بشكل عاجل. فالفشل في إنجاز المشروع خلال الأشهر الثلاثة المقبلة ستكون له عواقب وخيمة على ما يحصل عليه الغزاويون من مياه شحيحة وملوثة. والواقع أن بلير، أو أياً من أعضاء فريقه، لم تطأ أقدامهم أرض غزة منذ أن استلم بلير منصبه كمبعوث للرباعية.
• مجلة «اكزكيتيف انتلجنس ريفيو»