سيناريو متفق عليه، و«لم يخرجه البخاري»!
تحسباً من تهديدات حكومة الاحتلال الإسرائيلي بأنه «من الآن فصاعداً على مصر أن تهتم باحتياجات غزة الإنسانية»، إثر عدم تصدي قوات الأمن المصرية لآلاف الفلسطينيين الذين اقتحموا معبر رفح باتجاه الأراضي المصرية وفجروا الجدار الحدودي الفاصل بين الجانبين، لشراء احتياجاتهم كسراً للحصار الإسرائيلي المفروض عليهم منذ حزيران الماضي، أغلقت السلطات المصرية مساء الأربعاء مدينة العريش بشبه جزيرة سيناء بالكامل، ومنعت الدخول والخروج منها وقررت إخراج كافة وسائل الإعلام والصحفيين من العريش وعدم السماح لأي منهم بدخول المدينة حتى يتم السيطرة على الوضع فيها وإعادة الفلسطينيين إلى قطاع غزة مرة أخرى.
مصدر أمني إسرائيلي، وكأنه متفق عليه، قال إن «مصر سهلت على إسرائيل اتخاذ قرارها بالانفصال نهائياً عن قطاع غزة وأنه ورغم المساعدات الطارئة التي قدمتها للقطاع بشأن الكهرباء إلا أنها ستنفصل نهائياً عن غزة وعلى حكومة حماس الاعتماد من الآن فصاعدا على البنية التحتية المصرية لتزويد مواطني القطاع بالكهرباء والغذاء والوقود»، وذلك في رد ظاهر على تصريحات الرئيس المصري حسني مبارك الذي قال فيها إنه «أعطى قوات الأمن المصرية الأوامر للسماح للفلسطينيين بدخول الأراضي المصرية للتزود بالاحتياجات الأساسية طالما كانوا لا يحملون السلاح»، علماً بأن الخطوة التي لجا إليها الفلسطينيون في اختراق حاجز رفح ومن ثم تفجير الجدار الحديدي ساهمت في تمكنهم من شراء بعض حوائجهم الأساسية من دقيق للخبز، ولحوم وأجبان وملابس وأحذية ومواد بناء ووقود، وحتى الدخان والأهم أن ذلك ساهم في خفض أسعار تلك المواد داخل غزة نتيجة نقصها والجشع في تقديمها لمن يحتاجها، علماً بأن الفلسطينيين لم يرتاحوا من جشع بعض تجار العريش الذين استغلوا زيادة الطلب لزيادة الأسعار.
وتأتي هذه التطورات في وقت سارع فيه الكيان إلى تجديد قراره وقف إمداد الوقود إلى غزة بما يعني عودة تعطل محطة الكهرباء الرئيسية فيها منذ يوم الخميس بعدما عاودت العمل ليوم واحد في إمداد جزئي لها بالوقود
مبارك وخلال افتتاحه معرض القاهرة للكتاب رد على سؤال حول إمكانية إيجاد حل دائم وليس حلولاً مؤقتة للحصار الإسرائيلي المفروض على غزة، قال متنصلاً من تحميل إسرائيل المسؤولية وإنما حماس: «إن أول تمهيد للحل الدائم هو أن يتوقف الفلسطينيون عن النزاعات فيما بينهم»، وذلك غداة تأكيد مصادر إسرائيلية أن جيش الاحتلال تلقى أوامر بتدمير مباني حركة حماس في قطاع غزة في إطار إستراتيجية ثلاثية تهدف إلى الإطاحة بهذه الحركة.
وأضافت تلك المصادر لإذاعة العدو الثلاثاء أن «رئيس الوزراء إيهود أولمرت ووزيرة خارجيته تسيبي ليفني ووزير الحرب إيهود باراك قرروا في اجتماع الأسبوع الماضي إصدار أمر للجيش بتدمير رموز سلطة حماس في قطاع غزة»، موضحة: «لقد بدأنا في استهداف الوزارات، ومراكز الشرطة ومباني الجيش والحكومة التي تستخدمها حماس في غزة من أجل إضعاف النظام هناك». وتتجاهل هذه التصريحات كل الوقائع التي أدانتها غالبية دول العالم لأنها تعتمد على مبدأ الإبادة الجماعية وليس فقط على «العقوبات الجماعية» علماً بأن هذا المصطلح إشكالي لأن «العقوبة» مرتبطة بـ«جريمة»، ولا جريمة برقبة شعب يقاوم المعتدي عليه.
وعلى الرغم من ذلك فقد منعت الولايات المتحدة إصدار بيان من مجلس الأمن الدولي، على الرغم من كونه غير ملزم، ينتقد «إسرائيل» بسبب الحصار الجائر على غزة، وسط تحذيرات من انهيار كامل للبنية التحتية بالقطاع.
ووصف السفير الأميركي لدى الأمم المتحدة زلماي خليل زاد مشروع البيان الذي اقترحته المجموعة العربية بأنه «غير مقبول» بذريعة أنه «لا يعتبر إطلاق الصواريخ من جانب الفلسطينيين على إسرائيل السبب الحقيقي لتصعيد الوضع».
ووسط هذه المعطيات أفاد موقع روتر الإسرائيلي بأن وزارة الحرب لإسرائيلية «تستعد للقيام بعملية عسكرية ساحقة في قطاع غزة يتم خلالها احتلال جزء كبير من القطاع في نهاية الشهر الحالي» زاعماً بوجود خلافات بين أولمرت وباراك بهذا الصدد.
في كل الأحوال وفي بعض الاستنتاجات فإن مجرد وجود من يقرر متى وكيف يدخل الغذاء والكهرباء والدواء إلى غزة فمعنى ذلك تكريس ظهور حالة فريدة في التاريخ وهو تحويل القطاع إلى سجن كبير.
وثانياً أن إسرائيل الإرهابية بتصريحاتها وممارساتها تريد أخذ الشعب الفلسطيني ككل رهينة، وهي تلوح باجتياح غزة ولكنها لا ترغب بإعادة احتلالها وتحمل تبعات الاحتكاك المباشر مع فصائل المقاومة الوطنية هناك.
وثالثاً، فإن إسرائيل لا تزود غزة بالوقود والسلع بل تبيعها إياهم، ويعد القطاع بهذا المعنى سوق تصريف.
رابعاً وربما الأهم، أنه لا توجد «هانوي» أو «موسكو» تدعم الشعب الفلسطيني، وهنا فضيحة النظام الرسمي العربي.