القائد الميداني في المقاومة العراقية «أبو عبد الله» لـ«قاسيون»: المقاومة الوطنية العراقية تزداد قوة.. ورجالاتها من جميع أطياف الشعب العراقي
لاشك أن غموضاً كبيراً ما يزال يكتنف المقاومة العراقية الباسلة التي استطاعت طوال خمس سنوات من الاحتلال الأمريكي لأرض العراق أن تنهك قوات الغزو، وأن تنزل بها خسائر فادحة، دون أن تهدأ أو تتراجع أو تكشف عن نفسها.. فمنذ التاسع من نيسان 2003 وحتى الآن، كل يوم كانت هناك عبوات ناسفة تستهدف الآليات العسكرية المصفحة، أو قنص للمشاة، أو اشتباكات عنيفة مع الدوريات الراجلة، أو قصف بالصواريخ لمقراته.. مما جعل المحتلين يصابون بالهستيريا، فارتفعت أصوات كثيرة بينهم تدعو للانسحاب من هذا الجحيم اليومي الذي لم يعد يطاق..
وقد استطاعت «قاسيون» مؤخراً أن تجري لقاء حياً مع أحد القادة الميدانيين في المقاومة العراقية، رجل لا يختلف عن سواه من البشر العاديين إلا بالإرادة القوية وعمق اليقين، وبالإصرار على متابعة النضال مع رفاقه حتى طرد آخر جندي أجنبي من العراق.. وكان الحوار التالي:
• المقاوم أبو عبد الله.. العالم بأسره يتابع بطولات المقاومة العراقية، لكن أحداً لا يعرف شيئاً ذا شأن عن هويتها، تنظيمها، قادتها، مكوناتها؟! ماذا يمكن أن تخبرنا عن هذه المقاومة، وما هي منطلقاتها وقواعدها وأهدافها؟!
كما تعرفون، تعرّض العراق لأقسى هجمة بربرية شرسة في العصر الحديث بقيادة الغزاة الأمريكان تحت حجج وذرائع ما أنزل الله بها من سلطان.. وقد كان العراق يمتلك جيشاً قوياً وترسانة قوية رغم أنه كان محاصراً من عام 1990... وبعد الاحتلال لم يُحلّ الجيش العراقي تماماً كما كان يهدف المحتلون.. هذا الجيش العملاق استطاع العديد من ضباطه وجنوده المحافظة على تنظيمهم.. وهم يشكلون الآن عماد المقاومة، والآن جزء هام من قادته المرموقين يقودون العمليات على الأرض. هذه المقاومة لم تنزل من السماء.. المقاومون هم أبناء البلد، وهذه المقاومة رغم ظروفها الصعبة، تمكنت من إنزال الهزائم المتتالية بقوات الاحتلال، وهي موجودة في جميع محافظات العراق..
• هناك من يرى أن المقاومة محصورة في مناطق محددة.. ويتحدثون في هذا الإطار عن مثلثات ومربعات وجنوب وشمال وإثنيات وطوائف.. وهذا يتعارض مع ما تقوله؟..
أؤكد لك.. المقاومة موجودة وفاعلة في جميع محافظات العراق.. لقد جاءنا العدو بكانتونات وطوائف، وتحدث عن مكونات وتقرير مصير من أجل تفتيت البلد، ساعدتهم وماتزال تساعدهم في ذلك بعض الدول الإقليمية، لكن المقاومة العراقية لا تعترف بذلك، وبالتالي فإن جميع هذه المخططات ستبوء بالفشل، وقد أدرك الأمريكيون ذلك في الأشهر الستة الأولى التي تلت الاحتلال، إذ انقصم ظهرهم بعد معركة الفلوجة. العراقيون راحوا يضربون العدو بمفاصله الرئيسية، في وقت كان يتوقع فيه أن الشعب العراقي سيستقبله بالزهور.. بعد معركة الفلوجة راح الأمريكان يرفعون الرايات البيض وهم يسيرون في الطرقات لكي ينجوا من الموت، وأخذت المقاومة تتلقى الدعم من كل العراق.. أولى الإمدادات التي جاءت كانت من جنوب العراق.. وبعدها صارت مقاومة الاحتلال واجباً على كل مواطن شريف.. وانهارت أحلام الغزاة.
• ما الذي حدث في معارك الفلوجة، وما مدى تأثير ذلك على انتشار المقاومة؟
في الفلوجة، صعقت المقاومة المحتلين وباغتتهم وحاصرتهم، وأنزلت بهم خسائر فادحة.. وحتى طائرات النقل الجوي شاركت بالقصف بهدف نجدة المحاصَرين.. الأمريكيون أصيبوا بالدهشة والهلع.. الدبابات تركوها «شغالة» وهربوا.. وقتلاهم وجرحاهم كانوا ممدين على الأرض.. كنا نحرق الدبابات لكي لايستفيدوا منها مجدداً.. لم نكن نملك إلا السلاح التقليدي البسيط، ومع ذلك قمنا بعمل عظيم.. بعدها تشكلت فصائل المقاومة في كل مكان وراحت تضم رفاقاً كثيرين من مناطق الشمال والجنوب.. كنا ندرك منذ ذلك الوقت أن المعركة طويلة.. لذلك عملنا لكي لا تظل المقاومة عفوية..
• ما هي الآلية التي اعتُمدت في تشكيل الفصائل؟
تشكلت الفصائل حسب اعتبارات جغرافية، تُرك لكل مجموعة مقاتلة أن تسمي فصيلها بالاسم الذي تريده على أن تكون مرتبطة بالقيادة.. ثم سعينا لتشكيل المكتب الإعلامي.. بعدها انغمسنا في حرب عصابات، ورحنا نتفنن في كيفية اصطياد الأمريكيين.
فصائل المقاومة بدأت بالفلوجة وسرعان ما امتدت إلى باقي محافظات العراق، وخصوصاً بغداد، ولا يتوهم أحد أن الأمريكان أسقطوا بغداد.. هم محصورون في المنطقة الخضراء.. الأرض حول بغداد وداخلها ملتهبة، والعدو يعجز أن يحقق شيئاً..
• محاولة المحتلين خلق نزاع طائفي وإثني، وتأليب بعض الطوائف العراقية على بعض وذبح الأبرياء، ألم يشكل عائقاً أمام المقاومة؟
لاشك أن هناك تآمراً من المحتلين وأذنابهم من أجل إجهاض مشروع المقاومة أو حرفه عن أهدافه.. لكنه فشل حتى الآن رغم كل ما سُخّر لهذا المسعى الخطير من دعم وأموال. لقد سعوا لافتعال حرب أهلية بين أبناء العراق عبر تشكيل فرق الموت ومجالس الصحوة وسياسة الاغتيالات والتكفير والذبح وغيرها، وفشلوا، لكنهم مستمرون في تآمرهم ولا يريدون الاعتراف بالفشل.. بالمقابل ثقافة المقاومة تزداد.. وهناك مقاومون أشداء في كل العراق.. وثورة العراق قائمة.. وسيبدأ التحرير من الشمال إلى الجنوب.. إن عاجلاً أم أجلاً، وكما أسلفت المقاومة مكوناتها من كل الشعب العراقي.. حتى الأكراد يقاتلون معنا.. وهم أناس شرفاء وأبناء الوطن العراقي.. أكراد شمال العراق ضد المشروع الذي يدعو إلى استقلال الأكراد عن العراق.. من يدعي ذلك أو يسعى إليه هم أذناب الصهيونية والاستعمار.
• ألا تعاني المقاومة من قلة الدعم والموارد؟ كيف تحافظون على سلاحكم، كيف تمدون أنفسكم بالذخيرة.. الأمريكان ادّعوا أنهم فتحوا كل المستودعات العراقية وصادروا كل الأسلحة فمن أين تأتون بالسلاح؟
نحن نستفيد من النظام العسكري الذي كان سائداً.. ففي العراق في كل مكان وفي أية منطقة تجد مخزناً عسكرياً.. بعد واقعة الاحتلال صار همنا كيف نسحب الأسلحة والذخائر من هذه المخازن لنخفيها في أماكن آمنة.ً لدينا كل ما يلزمنا من صواريخ وأسلحة، أما الدعم المادي فالمتاجرون باسم المقاومة العراقية كثر، ولكن أكثر الفصائل لا تمتلك نقوداً لمعالجة الجرحى..
• يقال الكثير عن تنظيم القاعدة في العراق.. ما حقيقة هذا التنظيم، وما هي العلاقة بينكم كفصائل مقاومة، وبينه كبنية مشبوهة؟
تنظيم القاعدة موجود منذ بداية الاحتلال، ولكنه تنظيم غير متجانس في السلوك والغايات، وعلينا ألا نحمله مسؤولية كل السلبيات. ارتكب هذا التنظيم بعض الخروقات، وفيه جهات تكفر وتذبح، وهناك جهات عدوها الأساسي هو الاحتلال. إنه تنظيم متناقض. نسأل بعض المنضوين تحت لوائه أحياناً: لماذا قمتم بهذا العمل؟ يقولون «لسنا نحن»؟ هناك أجندات كثيرة في تنظيم القاعدة، وهم موجودون على الأرض.. والكثيرون منهم بسطاء ويقولون لنا: تعالوا أنتم قودونا، فعدوّنا واحد.
• البعض في القاعدة تورط في ذبح العراقيين.. هل توافقون على هذا النهج؟
لا.. قطعاً.. موضوع الذبح ليس من ثقافة المقاومة، وليس من ثقافة أي بلد يسعى للحرية، نحن لا نوافق على قتل الأبرياء وتهجيرهم.. الأمريكان يدربون الكلاب من أجل القبض على المقاومين، وهم قذرون ولا قيم عندهم، فهل ندعو إلى إرهاب الشعب الذي يحمينا؟ عدونا الوحيد والرئيسي هو الاحتلال الأمريكي، والأمريكان اليوم يمضون نحو الهزيمة.
• هناك محاولات شتى لضرب المقاومة العراقية، وعبر خلق حواجز تفصل المقاومة عن عدوها الأساسي: شرطة، مجالس صحوة.. كيف تتعاطون مع كل ذلك، وهل تستهدفون الشرطة العراقية أو المؤسسات التي أنشأتها قوات الاحتلال؟
منذ البداية عممنا أن رجال الشرطة الذين لا يتعارضون مع مشروع المقاومة (وأكثرهم كذلك) ليسوا أهدافاً للمقاومين، أما إذا كان الشرطي يسير مع المحتل ويرشده فهو هدف لنا كالمحتل. نحن لا نرحم العملاء.. وهذا ينطبق على المترجمين فهم عيون المحتلين وآذانهم.
• في هذا الإطار ألا تحدث بعض التجاوزات؟ ألا يمكن أن يُقتل أبرياء بحجة أنهم عملاء؟
لانتخذ أي قرار من هذا النوع دون أن تكون لدينا إثباتات شخصية، ولا نأخذ بالقرارات الفردية، ونفضل وجود اعترافات شخصية. هناك عملاء متخفون لديهم ارتباطات بدوائر مخابرات المحتلين، وبالمقابل نحن أيضاً نخترقهم ولدينا تكتيكات في هذا الإطار. وبالنسبة لمجالس الصحوة (ونحن نسميها غفوة) فهي ورقة أمريكية، ولكننا نسخّرها لصالحنا. وكل فترة يبتدع بوش شيئاً من أجل إرباك وإشغال الساحة، وتبقى أخطر سياساتهم سياسة فرق تسد..
• كيف تنظرون إلى المستقبل؟ ما مصير الاحتلال؟
قوات الاحتلال أصبحت ضعيفة، وهي تستجدي وتستنجد للخروج من العراق بأي ثمن، ونحن مستمرون بمقاومتنا، ونخلق من اللاشيء شيئاً.. إذا نفد السلاح لدينا نصنع سلاحاً من أشياء بسيطة.. نصنع من الصابون والبنزين متفجرات فتاكة. ومقاومتنا هي منار أممي لكل الشعوب وأبدعت إبداعاً كبيراً من أجل إسقاط الطاغوت.. قصفنا مستمر على الأمريكان. الآن يعملون معنا عملاً مخابراتياً... ولكن المحتل عجز عن تحقيق أي هدف من أهدافه حتى الآن، وكل العراق أرض ساخنة ومشتعلة، ورسالتنا كمقاومة عراقية واضحة، لدينا برنامج سياسي وليس للمتاجرين أي دور أو مكان بيننا، إننا ندافع عن كرامة أمة، وهذا سيسجله التاريخ.. المقاومة العراقية خط دفاع حقيقي عن الأمة.. أنتم تتذكرون في بداية الحرب حين وقف بوش في البارجة يصيح ويتشدق بمشروع الشرق الأوسط الكبير.. «هذا الشرق» صار في مهب الريح.. صار محصوراً في المنطقة الخضراء.. بعض البلدان العربية يستكثرون هذا النصر العظيم على العراق يستكثرون أن يخلصهم العراقيون من هذا الطاغوت.. نحن نقاتل دفاعاً عن شرف أمة ضد الغزاة والطواغيت والمهزومين وأنصاف الرجال..