مؤشرات جديدة لحرب أمريكية على إيران
أدّى القرار غير المسبوق، الصادر عن إدارة بوش والذي نصّ على اتهام حرس الثورة الإسلامية الإيراني بكونه عنصراً في نشر الأسلحة واتهام قوته القدس بأنها «سندٌ للإرهاب»، إلى مفاقمة التوترات مع طهران وخرّب جهود البلدان الأوروبية الهادفة إلى إجراء مفاوضات، مما أدى إلى خلق شروط هجوم أمريكي على إيران.
على الرغم من أنّ البيت الأبيض يدّعي على الدوام البحث عن حلّ دبلوماسي للمواجهة الحالية، حذّرت سلسلة من المقالات الصحفية، المدركة لطبيعة نبرة واشنطن الحربية المتزايدة، من أنّ الولايات المتحدة تبدو مصممة على إجراء عملية عسكرية ضد إيران.
في تعليق نشرته صحيفة فاينشال تايمز البريطانية مؤخراً، أعلنت أنّ «البيت الأبيض يبدو وكأنه يريد، مرةً إضافية وبأي ثمن، أن يظهر أقل ذكاءً أمام أحكام الرأي العام وربما يريد أيضاً إجراء حساب استراتيجي سيىء يمكن أن يجعل الحرب في العراق أشبه بفاصل موسيقى».
وأشار فيليب ستيفنز، الكاتب في الفاينشال تايمز، إلى أنّه "إذا كان السيد بوش ينوي الفعل، فعليه الاستعجال. ففي العام القادم، ستكون اللحظة المناسبة لشن هجوم، وفق الحكمة التقليدية، قد فاتت. وحتى هذا الرئيس لن يتمكن من جرّ الأمة إلى حرب أخرى يختارها بعد بدء الحملة الانتخابية للعام 2008. يتزامن هذا العدّ العكسي مع التأكيد في واشنطن وعاصمة أو عاصمتين أوروبيتين على التصوّر بأنّ دبلوماسية الإكراه لم تفعل شيئاً لزعزعة تصميم إيران على التزود بوسائل إنتاج قنبلة».
نشر مقال في صحيفة «صنداي تايمز» البريطانية بعنوان: «هل سيقصف بوش إيران حقاً؟»، وتضمّن أنّ سلاح الجو الأمريكي طلب مؤخراً من الكونغرس تمويلاً من أجل «حاجة عملياتية عاجلة من جانب القيادة العسكرية على الأرض» مقداره 88 مليون دولار لتجهيز قاذفات B2 Stealth بقنبلة يتجاوز وزنها ستة أطنان ومعروفة باسم MOP. هذه القنبلة هي «محطمة للتحصينات» متطورة، صممت لتدمير أهداف تتواجد على عمق كبير تحت الأرض. لا توجد مواقع في العراق أو في أفغانستان تبرر الطلب «العاجل» لمثل هذه القنبلة.
وكررت «صنداي تايمز» تعليقات بوش التي حذّر فيها من مخاطر حرب عالمية ثالثة إذا تمكنت إيران من «معرفة كيفية صنع سلاح نووي». ومثلما لاحظ المقال: «أولئك الذين يراقبون إيران اهتموا باستخدام كلمة «معرفة». ويبدو أنّ بوش مصمم على الفعل قبل أن يتوصل الإيرانيون إلى تصور إنتاج قنبلة حقيقية... يعتقد مصدرٌ رفيع من البنتاغون، يتذكر قرع الطبول قبل غزو العراق، أنّ بوش يحضر لعملية عسكرية قبل مغادرة منصبه في كانون الثاني 2009. «أصبح الأمر مؤكداً الآن. أعتقد أنّه يعلن بأنه سيفعلها»، يقول هذا المصدر.
تحضيرات متقدمة للحرب
أحد أكثر مؤشرات تحضير إدارة بوش لحرب طويلة الأمد ضد إيران خطورةً جاء من اثنين من الخبراء السابقين في الإدارة، هما فلينت ليفريت وهيلاري مان، اللذين عملا بوصفهما أخصائيين في الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي. ففي مقابلة طويلة نشرتها مجلة إسكواير، لم يكتف ليفريت ومان بالإشارة إلى خطر حدوث هجوم فوري، بل لاحظا كذلك أنّ إدارة بوش لم تشأ يوماً التفاوض جدياً مع طهران. تعليقات هذين الشخصين مهمة، فهما سياسياً من المحافظين ويقبلان التأكيد غير المثبت بوجود برنامج إيراني للسلاح النووي ودعم هذا البلد للجماعات المعادية للأمريكيين في العراق.
وفق ليفريت ومان، سوف يؤدي فشل الحصول على عقوبات جديدة من الأمم المتحدة ومواصلة تخصيب اليورانيوم و«تدخل» إيراني في العراق إلى رد فعل عسكري من البيت الأبيض. «إذا اجتمعت كافة هذه العناصر، لنقل في النصف الأول من العام 2008، ما الذي سيفعله الرئيس؟ أعتقد أنّ احتمال أن يقرر هجوماً على المنشآت النووية الإيرانية وربما هجوماً أوسع هو احتمالٌ واقعي جداً»، يقول ليفريت.
تضيف مان: «إذا كانت العراق كارثة، فيمكن لهجوم على إيران أن يزج أمريكا في حرب مع مجمل العالم الإسلامي».
كانت مان عضواً في فريق من مسؤولين أمريكيين التقوا بدبلوماسيين إيرانيين في العام 2001 بهدف نقاش أساس تعاون طهران في التدخل الأمريكي في أفغانستان. (..) ولم تقم إدارة بوش بتخفيف التوتر، بل عرقلت كل تفاوض مع إيران وسورية. في نهاية العام 2001، كتب ستيفن هادلي، الذي كان في ذلك الحين نائب مستشار الأمن القومي، مذكرةً مختصرة لتعريف كل أشكال التواصل. عرفت هذه المذكرة باسم تعليمات هادلي. وقد وصفتها إسكواير كما يلي: «إذا قدّمت دولة مثل سورية أو إيران مساعدةً نوعية، سوف نقبلها دون أن نقدم شيئاً في المقابل. سنقبلها دون شروط ولا وعود. لن نستخدمها كنقطة انطلاق لأمر آخر».
تمثّل رد بوش على المساعدة التي قدمتها إيران في إدانتها مع العراق وكوريا الشمالية، بوصفها جزءاً من «محور الشر».
وبعد عام من بدء غزو العراق، كانت طهران قد عرضت على الولايات المتحدة، عبر سفير سويسرا، مفاوضات هدفها إيجاد حلّ نهائي لجميع المشكلات القائمة بين البلدين. وأرسلت مذكرة بالفاكس تتضمن مقترحات حول كل المسائل التي يذكرها بانتظام البيت الأبيض بوصفها أسباباً لنبذ الدولة الإيرانية.
لكنّ إدارة بوش رفضت العرض الإيراني على الفور، وجرى حجب مذكرة كتبتها مان وتنصح بإرسال الولايات المتحدة لردّ سريع وإيجابي وكان رد الفعل على محاولات ليفريت ومان نشر العرض الإيراني علناً بعد تركهما لمنصبهما هو المنع والتهديد.
إنّ رفض إدارة بوش القاطع لتأييد مفاوضات مع إيران يزيد أهمية تحذيرات ليفريت ومان بصدد أخطار حرب أمريكية جديدة على إيران. لكن على الرغم من أنهما يعتبران مثل هذا الهجوم جنوناً، فهذان المسؤولان السابقان في حكومة بوش لا يستطيعان تفسير تصميم البيت الأبيض على مواصلة مثل هذا الدرب. فمثلما هي الحال بالنسبة لاحتلال العراق وأفغانستان، تحاول الولايات المتحدة فرض سيطرتها المطلقة على المناطق الغنية بالطاقة في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى. وإيران، التي تتمتع بموقع استراتيجي بفضل احتياطياتها الكبيرة من النفط والغاز، هي هدفٌ أكيد لهذه الخطط غير المسؤولة.