نظرة على التطورات في باكستان
بين الجنرال مشرف المخذول أمريكياً وبنزير بوتو المدعومة أمريكياً ونواز شريف المنفي بموافقة أمريكية من بلاده وبقية أحزاب المعارضة بقواعدها الجماهيرية والطلابية والقضاة المسحوبة منهم صلاحياتهم يزداد اضطراب المشهد السياسي في باكستان ليبقى القاسم الأكبر هو رغبة واشنطن في استمرار حال الاستعصاء، والإبقاء على عناصر احتقان الأزمة وتنفيسها مرحلياً عبر سياسة تبديل الوجوه لا تبديل السياسات لتحقيق انفراج حقيقي في أزمة بلد متعدد الأعراق والطوائف وموجود جغرافياً على حدود دول تقوم فيها أو ستقوم حروب أمريكية (أفغانستان وإيران)، ويشكل أحد طرفي بؤرة توتر إقليمية تغذيها واشنطن وتل أبيب وتلعبان على تناقضاتها وهي الخلاف التاريخي مع الهند (حول كشمير)، وهو بلد موجود أساساً على دريئة التفتيت الأمريكية حتى ولو أصبحت قياداته السياسية حليفة لواشنطن في موضة «الحرب الكونية على الإرهاب».
وفيما يبدو أن بوتو هي معتمد واشنطن الجديد في باكستان بدليل «تمكنها» من العودة إلى إسلام آباد ولاهور - بعد تقديم أوراق اعتمادها في واشنطن- رغم فرض حالة الطوارئ في بلادها، في حين لم يتمكن نواز شريف من ذلك سابقاً قبل فرض تلك الحالة، لا يزال الغموض يحيط بالسبب الحقيقي وراء الإنهاء شبه المفاجئ للـ«تفويض» الأمريكي للجنرال برويز مشرف بحكم باكستان. وتذهب بعض الفرضيات المنطقية إلى حد توقع أن لذلك علاقة ما بالتحضيرات الأمريكية للحرب على إيران وإظهار الجنرال تردداً ما في تقديم المساعدات المطلوبة منه، خشية انعكاساتها على استقرار حكمه المضطرب أصلاً، من جهة، ولعدم قدرة مشرف على المساعدة في الحد من الهجمات المتصاعدة مجدداً ضد القوات التي تحتل أفغانستان المجاورة، والمعروف أن لباكستان دوراً لوجستياً أساساً في أية تطورات ميدانية تدور في ذلك البلد المنكوب بحكم الممرات الجغرافية والتداخل القبلي.
وعلى السطح هناك احتجاجات واعتقالات وفرض إقامات جبرية، ومطالبة باستعادة «الديمقراطية» ولكن دون تحديد مضمونها الاقتصادي الاجتماعي لخدمة أية شرائح اجتماعية باكستانية ستكون، وسط مطالب من بوتو لمشرف بتقديم استقالته، وهناك نفي مضاد منه بأنه لا ينوي ذلك في حين تبرز دعوة واشنطن له بالتخلي عن موقعه العسكري قائداً للجيش (بمعنى إعطاء إشارة عن احتمال إبقائه ولكن بدور وزي آخرين)، وهو ما يدلل على أرجحية البعد العسكري الإقليمي في التحركات الأمريكية تجاه التطورات في باكستان، بحيث تحول حليف الأمس القوي إلى معيق (لمجرد تردده) لا تجد واشنطن غضاضة في الإطاحة به «ديمقراطياً» على حساب طموحات الشعب الباكستاني بالتحرر الحقيقي.
ولابد من الإشارة هنا إلى أن أياً من الأحزاب والتحالفات والقوى المتصارعة على الساحة الباكستانية وفي مقدمتها الحركات الإسلامية لا تشكل للباكستانيين ذلك البديل المنشود حيث تتشابك لوحة تناقض المصالح الداخلية والإقليمية في باكستان ويزيدها تدخل أمريكي مباشر وغير مباشر بما يعيق قيام فرز حقيقي للقوى واصطفاف قوي يسمح لأحد الأطراف بفرض قواعده على البقية، لتبقى واشنطن ومخططاتها هي المستفيد الوحيد.