«كاتش توينتي تو» في الاقتصاد والسياسة والعسكريتاريا
«كاتش توينتي تو» أو Ctach-22 مصطلح يعني «المعضلة»، صاغه الروائي الأمريكي جوزيف هيلير في رواية حملت الاسم ذاته تصف معضلة في قاعدة أو ناظم أو إجراء أو وضع حيث لا يوجد هناك خيار حقيقي. وهو مصطلح يشير في النظرية الاحتمالية إلى وضع تتشابك فيه العديد من الأحداث والمعطيات الإشكالية والنتائج المرجوة منها التي ستكون بالمحصلة صفراً، لأنها ببساطة متناحرة ومتناقضة.
مضمون هذا التمهيد ينطبق بالكامل حالياً على ما تواجهه الإدارة الأمريكية الحالية واللاحقة في تداخل الأزمتين الاقتصادية والعسكرية الأمريكية وتشابكهما التناحري مع التغيير الاستراتيجي في ساحة عمليات التماس العسكرية الأمريكية المباشرة، من المتوسط- القفقاس، إلى باكستان- القفقاس، ناهيك عن ساحات الاحتكاك غير المباشر حالياً في أمريكا اللاتينية واحتمالات تطورها، بما يعكس فعلياً عمق الأزمة الأمريكية وتفاقم استعصائها، وهو ما تعبر عنه الزيارات المكوكية للمسؤولين السياسيين والعسكريين الأمريكيين بين كابول وإسلام آباد وبغداد بعد زيارات مماثلة على محور فلسطين المحتلة، لبنان، تبليسي، كييف، وبغداد أيضاً.
وفي أحد جوانب تداخل أزمة الاقتصاد-السياسة-العسكريتاريا الأمريكية يبرز تناقض شكلي يتناول تعاظم دور الدولة التدخلي في اقتصاد يتبجح بأنه خاص وحر وقادر على أن يشكل نموذجاً لقيادة العالم وتقديم المثال المحتذى(!). فقد أصبح من المفارقات الفاقعة أن تستمر واشنطن وأدواتها من المؤسسات المالية الدولية في دعوة بلدان العالم الثالث لبيع أصولها وتصفيتها في القطاع العام، في وقت تقوم فيه المصارف الحكومية الأمريكية، وبمباركة مباشرة من بوش وبيته «الأبيض»، بإجراء عمليات شراء سندات وإقراض واسعة للمصارف والمؤسسات المالية والتأمينية المفلسة في حين تلجأ مع غيرها في أوربا وحتى اليابان إلى ضخ سيولات هائلة من الأموال في الأسواق والاقتصادات من أجل منع الانهيار الشامل ووقف تداعيات الأزمة العاصفة، في وقت تسارع فيه دول أخرى (الخليج مثلاً) إلى «طمأنة» سكانها إلى متانة «اقتصاداتها»، وهي طمأنة لن تطول على اعتبار أنها اقتصادات خدمية غير إنتاجية تستفيد من الفورات النفطية واستنزاف الاحتياطي النفطي وتقوم أصلاً على تخديم الاقتصاد الأمريكي والاستثمارات الغربية.
في حل أزمتها الاقتصادية كانت واشنطن تعتمد على تصديرها للخارج وتعميم نموذجها المأزوم، ومن ثم محاولة حلها عبر السيطرة المباشرة عسكرياً على موارد الثروة والطاقة للتحكم بها وبإمداداتها، وحتى تسعيرها، أي أن الأزمة الاقتصادية كانت تستدعي حلاً حمائياً عسكرياً مباشراً باهظ التكاليف عبر التمدد والانتشار واختلاق الحروب والصراعات والتلويح بتوسيعها في جهات الأرض الأربع أو الست أو ما شئت، غير أن مستلزمات هذه الحماية وتكاليفها وضغطها على الوضع الاقتصادي المتأزم أصلاً أصبح يستدعي تقليص الميزانية العسكرية المتعاظمة، ما يعني سد الأفق أمام إمكانية التوسع العسكري إلى ما لانهاية وحتى وضع حد لأحجام الانتشار العسكري الحالي، التي تدخل بتناقض آخر ميدانياً مع المقاومات الشعبية المحلية التي تواجهها، ويبرز ذلك في أفغانستان والعراق على سبيل المثال، وهو ما يعني في محصلة المرحلة الحالية من المشروع الأمريكي في المنطقة ضمن الإحداثيات الجديدة: صفراً! يعني أن الرئيس الأمريكي الجديد، بغض النظر عن انتمائه الحزبي، لن يرث عن بوش الابن تحصيله «لا لعنب الشام ولا لبلح اليمن»(!) وهذا لا يعني بالضرورة في كل الأحوال أن البيت الأبيض والاحتكارات المأزومة التي تقف خلفه ستتوقف معلنة هزيمتها، بل ستواصل تعنتها ضمن الإحداثيات الجديدة لتتعاظم معضلتها أكثر فأكثر، ولكن مع محاولتها إيجاد «مخارج ما» تكون غير حقيقية في نهاية المطاف، وهكذا دواليك.
بالعودة إلى «Catch-22» الرواية، فإنها تتحدث عن طيار أمريكي اسمه جون يوساريان، أراد التنصل من طلعة جوية قتالية تتضمن القصف، ولكن عليه من أجل ذلك أن يبرز تقريراً طبياً ممهوراً بتوقيع الوحدة الطبية في سربه بأنه غير لائق للطيران لأنه «مجنون». غير أن القاعدة الثانية والعشرين في اللوائح الطبية العسكرية تفيد بأن الشخص المجنون لا يدرك بأنه مجنون، ولايشك بذلك، وبالتالي لا يمكنه أن يتقدم هو بطلب يثبت ذلك!!
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.