نواجه خطراً جسيماً لن ينجو أحد بنفسه، إلا إذا كان يملك سبائك من ذهب
المادة التالية، التي حملت العنوان أعلاه، تعد نموذجاً عن نمط الخطاب التطميني الموالي لواشنطن وسياساتها المالية التي أثبتت كارثيتها، وهي تحاول في الوقت ذاته تحميل فاتورة المسؤولية على الحلفاء في أوربا الغربية دون أن يغيب في طياتها معالم نية تحميلها في نهاية المطاف على فقراء المركز الإمبريالي ودول العالم الثالث والاقتصادات الناشئة حتى ولو كان ذلك بالأشكال العسكرية استشهاداً بتداعيات أزمة الثلاثينات.
سيرى المستثمرون اليوم إذا ما كانت عملية الإنقاذ التي قام بها بولسن والتي تم تسمينها في الكونغرس حتى بلغت 850 بليون دولار (480 بليون جنيه) ستستطيع إيقاف عجلة الموت في النظام الائتماني. حتى الآن تبدو الاستجابة مريعة. وألمانيا هي الكرسي الساخن حالياً.
انهيار اتفاقية إنقاذ بنك «هيبو ريل استيت» يتوعد بإفلاس قدره 400 بليون يورو (311 بليون جنيه) والذي يوازي تقريباً انهيار «ليمان براذرز» على مؤشر الانحراف.
المستشارة أنجيلا ميركل أجبرت على إخراج رأسها من الرمال، وأن تكفل كل المدخرات الألمانية، وذلك بعد يوم واحد من توبيخ ايرلندا على فعل الشيء نفسه. فالواقع يقحم نفسه.
خلال أسبوع فقط كنا نترنح على حافة الهاوية التي تقود مباشرة إلى وسط الجحيم، فانهيار الأنظمة سيكون على شكل سلسلة كاملة. هولندا اندفعت خلال ثانية نحو تأميم كامل للـ«فورتيز». ايرلندا واليونان توجب عليهما إنقاذ جميع بنوكهما. وأيسلندا تواجه وضعا يشبه عقدة الأرجنتين.
سوق الأوراق المالية الأمريكي أغلق أبوابه. تراجع بمقدار 95 مليار دولار وخسر 208 مليارات أخرى في ثلاثة أسابيع.
تم الاستيلاء على سوق القروض المتبادلة بين البنوك. ولا توجد تقريباً أية عروض. لقد أصبح سوق أشباح. والشركات الضخمة لا تستطيع تدوير الدين. البعض عليه أن يسرق الأشياء اليوم ليتجنب التخلف عن دفع ديونه.
كما صاغها «وارن بافت» بارد الأعصاب، تجميد الأرصدة هو «امتصاص لدم» الاقتصاد. «في حياتي كشخص راشد، لا أعتقد أن رأيت الناس أكثر رعباً مما هم عليه الآن».
نقترب سريعاً من نقطة اللاعودة
الطريقة الوحيدة للخروج من هذا المنحدر المفجع هو «الصدمة والرعب» على مستوى العالم، حتى هذا قد لا يكون كافياً.
ضرائب مقتطعة قاسية ستكون بداية جيدة. رجال البنوك المركزية والذين لا يزالون مشلولين بالخوف من التضخم في غير محله– سواء في أوروبا، بريطانيا أو الولايات المتحدة– أصبحوا خطراً عاماً ويجب أن تلجمهم ديمقراطيتنا بشكل صارم.
الخطر الوشيك والهائل هو الآن تفريغ الدين الذي يتغذى على نفسه، والدرس من الثلاثينات أن أي بلد يحاول أن ينكمش في عزلة سوف يعاقب، فالأزمة سوف ترتد من اقتصاد إلى آخر حتى يصبح الجميع مقعدين.
نحن نراها تمثل هذه المسرحية مرة أخرى في الوقت الذي يفشل قادتنا في الارتقاء فوق جداول أعمالهم الضيقة و المحدودة.
«البنك الأوربي المركزي»- الذي رفع الرسوم حتى أسنان الأزمة في تموز– لعب دوراً مروعاً ومدمراً في هذا السقوط المستتر.
توقعات النمو في هذا البنك لهذه السنة كانت ومازالت وهمية. ومن خلال تجاهل دوره العالمي زاد من صعوبة جهود واشنطن ومحاولاتها لإخماد الحرائق.
كان من الممكن أن يقدم «غطاءً» للاحتياطي الفيدرالي الأمريكي هذا الربيع عندما أجبرت الأحداث «بن برنانك» أن يخفض نسبة الفائدة إلى 2 %. على الأقل ممكن أن تكون هذه إشارة لانتهاء التضييق المالي. وهذه هي الطريقة التي يفترض أن يتصرف بها الحليف.
بدلاً عن هذا فقد التزم بنَصه «القوطي»، وسبب نتائج غير سعيدة لجانبي الأطلسي والصين واليابان والهند.
اليورو انتقل كالصاروخ أبعد من هذا عندما أطلق صدمة نفطية بتحول النفط الخام إلى معاد ذي نفوذ للدولار.
سياسة البنك المركزي الأوربي هزمت نفسها حتى بشروطها الخاصة، وكل ما فعلته هو أنها رفعت خط التضخم أعلى مما هو عليه، بينما القوى الأعمق لتفريغ الديون الأساسية سحبت الاقتصاد المالي لألمانيا، إيطاليا، فرنسا وإسبانيا إلى دوامة الانحسار.
بعيداً عن تقديم ضمانات أخرى. القمة المصغرة لزعماء الإتحاد الأوروبي أكدت أن لا أحد يستطيع التحكم بهذا القطار الجامح.
حتى الآن لايوجد من يعطي قرض الملاذ الأخير في منطقة اليورو. وحزمة الـ12 بليون جنيه إسترليني هي شيء مضحك.
أظهرت «أنجيلا ميركل» كل ما لديها
كانت هي التي استخدمت حق الفيتو ضد الجهود الفرنسية لإطلاق حزمة الإنقاذ الشاملة للإتحاد الأوروبي، مشككة في أن أي اعتماد مالي يقوم بعمل قارب نجاة قد يكون حصان طروادة– وسيلة لوضع دافعي الضرائب الألمان ضمن تحويل ضخم للثروة إلى أوروبا اللاتينية.
وهي محقة بهذا الشأن لكن الأوان قد فات حاليا للألعاب السياسية الأوربية المختلة.
إن مطالبة هؤلاء الذين سببوا الأضرار بدفع ثمنها، تبدو أنها تجاوزت الحد باتجاه الكاريكاتير وربما أسوأ.
تعليقاتها تحاكي حرفيا جملة «نحن بخير يا جاك» وهو موقف السياسيين الأوربيين خلال فترة الأزمة المصرفية الأولى في أميركا فيما بين 1930 – 1931 إلى أن ضربت العاصفة أوروبا وتم جرف المجموعة بكاملها إما بسبب المنتخبين الغاضبين، أو ببساطة تم إطلاق النار عليهم.
ولحسن الحظ فهذا الغباء الأوروبي يستجلب نقداً حاداً. «يجب علينا أن نتأكد أن أوروبا تتحمل مسؤولياتها، مثل الولايات المتحدة: يجب اتخاذ إجراءات بسرعة و بشكل متفق عليه» يقول رئيس صندوق النقد الدولي دومينيك شتراوس كان.
وفيما يخص الولايات المتحدة فهي لم تستنزف مستودعها السياسي تماماً بعد. فهي تستطيع أن تزيد انحدار الدرجات النووية. فالاحتياطي الفيدرالي يستطيع أن يخفض أسعار الفائدة من 2 % إلى الصفر.
وإذا لم يفلح هذا فإنه يستطيع عن طريق شراء الديون الأمريكية بالجملة أن يتركها تتمزق.
«الحكومة الأمريكية لديها تكنولوجيا تسمى الصحافة المطبوعة» قال رئيس الاحتياطي الفيدرالي «بين بيرنانك» في تشرين الثاني 2002.
(تصريح الهليكوبتر)
وعلى النقيض، فالاحتياطي الفيدرالي والخزينة تستطيع أن تنقض على أي سوق ليقوم بدعم أسعار الأصول المالية. إنهم يستطيعون شراء ملكية فلوريدا. يستطيعون شراء السيارات ذات الصرف العالي من معارض السيارات في ديترويت، وأن يحطموها في ساحات الخردة.
وكما قال برنانك فالاحتياطي الفيدرالي يستطيع «توسيع قائمة الأصول المالية التي يشتريها»، هناك تضليل شيطاني في هذه الحيلة، وهذا طبيعي.
إنه يفترض أن الدائن سوف يجيز مثل هذا التصرف.
دخلت اليابان فترة «السنوات العشر الضائعة» على أنها الدائن الأكبر في العالم، مع صندوق مشترك ضخم من مدخرات الأسر لتخفيف وطأة الأزمة.
أميركا بدأت التنظيف بدين خارجي بقيمة 3 تريليون دولار ومدخرات بقيمة تقارب الصفر.
الأجانب يملكون أكثر من نصف دين الخزينة وثلثي كل من «فاني وفريدي» وسندات الوكالات الأمريكية الأخرى. ولكن خطر انهيار الدولار هو للمستقبل البعيد. يواجه العالم حالياً الخطر المعاكس.
هناك تزاحم كبير على الدولارات لأنها تشكل هرم الـ10 تريليون دولار من الإقراض العالمي والقائم على أوراق موازنة الدولار.
هذه «فركة أذن» لهؤلاء الذين يستخدمون الدولار للتجارة الكبيرة حول العالم. والبنوك العالمية تواجه نداءات التهميش لنفوذ الدولار لديهم.
وهو السبب وراء اضطرار الاحتياطي الفيدرالي لتأمين 1.25 تريليون سيولة على شكل دولارات من أجل النظام العالمي كاملاً، وذلك بناء على تقديرات براد سيستر من مركز الدراسات الجيواقتصادية.
الأزمة تبتلع أوروبا وآسيا والأسواق مما يسهل الحياة على واشنطن. الولايات المتحدة تتخذ شكل الملاذ الآمن مرة أخرى. والاحتياطي الفيدرالي يأمل الآن أن يتابع التحفيز المالي بدون أن يتم صفعه نحو الأسفل بسبب العملة والديون وأسواق البضائع.
ترجمة سيزار عبدالله