جهاد أسعد محمد جهاد أسعد محمد

العراق النازف.. وخارطة الدم المتنقل..

سيرتبط اسم «بوش» في العالم بأسره، وفي العراق على وجه الخصوص، بالمجازر والدم وزرع الشقاق بين أبناء الشعب الواحد، وسيمر وقت طويل قبل أن تتجاوز الإنسانية جمعاء تبعات آلامها التي خلقتها قوات القتل والاحتلال في القرى والمدن والبلدات العراقية انتهاكاً وعسفاً واضطهاداً وإرهاباً.

فمن مجزرة إلى مجزرة، ومن فتنة إلى فتنة، ما يزال الشعب العراقي القابع قسراً تحت نير الاحتلال الأمريكي وحلفائه، يتعرض لأبشع مؤامرة عرفها التاريخ لزرع الفرقة بين أبنائه، تارة في إطار تزكية النزاع الطائفي، وتارة عبر سياسة تكريس التمييز القومي والإثني، وليس آخراً من خلال التشجيع الخفي للاقتتال الديني، ويجري كل ذلك من خلال قيام قوات الاحتلال برفد وتمويل وتخطيط وتحديد مواعيد، وأحياناً التنفيذ المباشر لعمليات إرهابية غاية في الدموية ضد مختلف مكونات الشعب العراقي، بغية خلط الأوراق، وزرع الفرقة والكراهية في صلب نسيجه الاجتماعي التاريخي..
ولا شك أن الأهداف هي نفسها في كل مرة، وتصب بمجملها في خدمة الاستمرار في نهب خيرات العراق وثرواته، وإدامة بقاء حالة الاحتلال أطول فترة ممكنة، ومحاولة إجهاض أي احتمال لنشوء جبهة وطنية كفاحية جامعة وحقيقية لمقاومة قوات الاحتلال، أما الذرائع فهي تختلف حسب تطور الأحداث، وظهور مستجدات ومتغيرات جديدة، فحيناً تفرض الوقائع على الأرض دعم هذا الطرف أو ذاك، وحيناً يكتشف صقور البيت الأبيض أن الظروف الدولية تسمح بضرب هذه الطائفة أو تلك، والخلاصة أن الجميع على اختلاف التقسيمات والخانات التي فرضتها عليهم الفوضى الخلاقة، يتناوبون على تجرع كؤوس الموت التي يسقيهم إياها إرهابيون لا دين لهم ولا طائفة ولا قومية ولا وطن، ترعرعوا وتدربوا في أحضان السي آي إي، والإف بي آي، ويحصلون على مكافآتهم المجزية من حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، أي دول الاعتلال العربي، وعلى رأسهم آل سعود ومن لف لفهم..
من هذا المنطلق، يمكننا اليوم فهم مجازر الموصل ضد مسيحيي العراق، فالأصوات المطالبة بخروج قوات الاحتلال من بلاد الرافدين آخذة بالتزايد والتصاعد، والظروف الداخلية الأمريكية بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية وتجليها بصورة أزمة مالية لا سابق لها، تعلو مطالبة بوقف الهدر والبذخ على الحروب اللامنتهية والأسلحة، والظروف الدولية تتعقد فاتحة احتمال توسع رقعة الحرب في عموم آسيا الوسطى والقفقاس، مع تزايد ضغط الشارع الدولي بوجوب انسحاب قوات (التحالف)، أما الظروف الإقليمية في محيط العراق، فهي بدورها ماضية نحو مزيد من التصعيد وخاصة في الشمال على الحدود العراقية - التركية، والأهم أن النزاعات المفتعلة في الداخل العراقي على خلفية صراع زعماء المرحلة على بعض مناطق الثروة والنفوذ تسير في اتجاه سيتسبب بكثير من الإرباك لقادة قوات الاحتلال.. كل هذه الظروف المعقدة أدت بشكل أو بآخر لفتح محرقة جديدة، دفع ثمنها هذه المرة أبرياء الموصل..
لقد باتت جميع الذرائع والحجج والدفاعات التي تقدمها الولايات المتحدة عبر قادة جيشها الذي يحتل العراق، في إطار شرحها لما يجري من قتل، مكشوفة.. والجميع بات يعلم أن الأمريكيين، ومهما قدموا من صكوك براءة، هم المسؤولون الوحيدون عن مسلسل الدم المتنقل الذي لا ينتهي..
والمقاومة العراقية الحقيقية، على الرغم من الظروف القاهرة التي تضطر للنضال تحت غمامتها السوداء، لا تزال صامدة، ولا تزال قادرة على إنزال أفدح الخسائر بقوات الاحتلال، والأهم أنها لا تزال تعرف بوصلتها جيداً، ولم تتورط أو تتلوث بالدم العراقي، وهي دون أدنى شك، ستنتصر عاجلاً أو آجلاً، ولكن هذا النصر لن يكون كاملاً وشاملاً إلا إذا انضم الجميع للمعركة الأساسية، معركة التحرير ضد الغزاة المجرمين التي لن تبقي منهم.. ولن تذر..