عصر جديد.. أم عشق للتبعية؟
حينما تم انتخاب «أوباما» لرئاسة الولايات المتحدة هلل عشاق التبعية في البلدان العربية والإسلامية للمخلص الذي أتى بعد طول غياب!! لكن الرئيس المبروك المبارك لم يصمت طويلاً عن إعلان مواقفه المعادية للعرب والمسلمين والمنحازة بالمطلق للكيان الصهيوني.
عندما جاء إلى القاهرة ليستخدم منبر جامعتها العريقة لتحسين وجه أمريكا، هرع الكثيرون من النخبة السياسية والمثقفون (بمن فيهم مدّعو معاداة الامبريالية والصهيونية)، متناسين أن من يصنع الرؤساء الأمريكيين كافة، ومن يعطيهم جوازات المرور إلى البيت الأبيض هم طواغيت المال الامبرياليون من أمريكيين وصهاينة.
انصرف «الدجال» وغادر مصر، ولم تتحسن صورة أمريكا بجريرة ممارساتها الوحشية المعروفة على الأرض العربية والإسلامية بالدرجة الأولى، لأن طبيعة الرأسمالية الامبريالية لا تتغير طالما بقيت على قيد الحياة، وأنها في مرحلة انحطاطها القصوى الحالية وأزمتها الراهنة التي لاحل لها واقترابها من النهاية المحتومة (عبر نضال حاسم تقوم به الشعوب)، فإن عدوانيتها ووحشيتها تتضاعف مئات المرات، وبالتبعية فإن المكون الثالث للجبهة المعادية للجنس البشري «الامبريالية والصهيونية وعملائهم المحليين» أي «العملاء المحليون» تتضاعف شراستهم وعدوانيتهم مئات المرات. ذلك ما نشاهده في العالم أجمع وفي إقليمنا العربي- الإسلامي على وجه الخصوص. ولعل «جدار العار» من أبرز تجليات هذا الأمر في مصر، إذ يزيده «أبو الغيط» وضوحا بتصريحاته مؤخرا عن ضرورة خضوع حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وكل المقاومة الفلسطينية لما يتم إملاؤه عليهم للاستسلام الكامل.
في سياق مخطط تكريس التبعية ( عبر شراسة القوة الناعمة ) حل حدث خطير لا يستهدف فحسب استئناف الخداع والدجل لتحسين صورة العدو الأمريكي التي لم تحقق أي نجاح ، ولكن لتحقيق مزيد من تكريس التبعية وإلحاق أضرار هائلة بالوطن .
عقب لقاء بين «أحمد زويل» الذي عينه «أوباما» مستشاراً له لشؤون العلوم والتكنولوجيا لمنطقة الشرق الأوسط، وبين «أحمد نظيف» رئيس مجلس الوزراء، أدلى كل منهما بتصريحات نشرت تحت مانشتات عريضة عن مبادرة أوباما و«بداية عصر جديد» التي أعلنها الرئيس الأمريكي من القاهرة «لدعم العلوم والتكنولوجيا في العالم الإسلامي ومصر».
المستشار الرئاسي «زويل» الحاصل على جائزة نوبل بعد أن قدم عوناً هائلاً للكيان الصهيوني لتطوير دفاعاته ضد الصواريخ (ولم يقدم شيئا مماثلا لمصر!!) أعلن عن انتقاده لمستوى التعليم والبحث العلمي في مصر. وفي إطار تباحثه مع رئيس الوزراء حول أفكار «أوباما» الخاصة بالتنمية الاقتصادية والبشرية في الدول الإسلامية، حيث تم إيفاده خصيصا لبحثها، أكد «أن مبادرة الرئيس الأمريكي لدعم العلوم والتكنولوجيا في العالم الإسلامي ومصر يمكن أن تجد الحلول لهذه المشكلات» لاعتمادها على «إقامة مراكز بحثية وعلمية على مستوى عالمي لتشخيص الداء وتحديد الدواء».
والأهم هو قوله: «هناك دول لها ثقل معين ولديها الخبرة البشرية، ودول أخرى لديها الموارد»،
ثم يقول: «في نهاية جولات مبعوثي أوباما في الشرق الأوسط وإفريقيا وآسيا، سيتم تقديم تقرير مفصل للرئيس الأمريكي حول الدول التي لديها استعداد فعلي للمشاركة في البداية الجديدة لعصر أوباما».
أحمد نظيف بدوره رحب بأن «تكون مصر طرفا ناشطا في المبادرة، بما يحقق الاستفادة منها، وهو بناء قاعدة قوية للابتكار وربطها بقوى السوق». وقال أيضاً: «مصر ستشكل مجموعة عمل لتمثيلها في التعامل مع الجانب الأمريكي».
الحقيقة لا أعرف إذا ما كان كل من رئيس الوزراء والمستشار الرئاسي يعلمان مدى الانهيار الذي أصاب كل شيء في مصر، بما في ذلك البحث العلمي والتعليم منذ أن استدار السادات ليبدأ مسيرة التبعية للامبريالية وبخاصة الأمريكية، وهو ما استمر وتعمق تحت حكم مبارك، إذا كانا لا يعرفان فتلك مصيبة، وإن كانا يعرفان فالمصيبة أعظم.
لكن رئيس الوزراء يهتم جداً بربط البحث العلمي بقوى السوق!! وهى والحق يقال قوى متطورة تقوم على استيراد كل شيء ولكن دون إهمال صناعة بطاطس الشيبس والشكولاتا والبسكويت وماكدونالدز والصناعات التجميعية. سوق يسيطر عليها ويرتع فيها الأفاكون واللصوص المصريون والأجانب. هي سوق للنخاسة.
يحق لنا التساؤل إزاء التحمس الفائق لرئيس الوزراء والمستشار الرئاسي عن نصيب البحث العلمي في الموازنة العامة للدولة، وعن دور الدولة في هجرة الطاقات العلمية نتيجة سوء أوضاع العلماء المعيشية وعدم توفير أدنى مقومات البحث العلمي، في بلد أنفق خمسة مليارات جنيه على خيبة «كأس الأمم الإفريقية لكرة القدم». وعن مصير آلاف الأبحاث القيمة لعلماء تقبع في أدراج المكاتب دون أي استفادة منها.
والأهم هو إيضاح سبب استكانة السلطة للأوامر الأمريكية لإيقاف المشروع النووي المصري الذي كان قد تم استئنافه بالتعاون مع الأرجنتين منذ سنوات.
ما هو رأي السلطة بخصوص اغتيال علماء مصريين كبار ومتميزين عالمياً هم الأكثر عددا على مستوى العالم. وتم اغتيالهم على الأراضي الأمريكية والأوربية وبأيد صهيونية وأمريكية لأنهم كانوا وطنيين يريدون العودة الى مصر ليسهموا في نهضتها ، ورفضوا التعاون أو أي تواصل مع العدو الصهيوني؟ وما هو رأي السلطة في السلوك الأمريكي إزاء البلدان العربية والإسلامية فيما يتعلق بالبحث العلمي الذي يعتبر المجال الذري أحد أهم مكوناته ، والحجج التي سيقت وتساق لمصادرة أي تطور علمي فيها (إيران وسورية والعراق وليبيا نماذج بارزة).. وما هو مصير البلدان التي سوف تمتنع عن التعاون حفاظا على أسرارها العلمية؟ هل يتم سوقها إلى المحرقة الأمريكية بحجة أو دون حجة؟
بيت القصيد في الأمر كله جاء على لسان زويل عن الخبرة البشرية والموارد، والذي يشير إلى الاهتمام الأمريكي باستنزاف العقول والموارد العربية والإسلامية.
البحث العلمي هو في مقدمة عناصر الأمن القومي، والمستهدف اختراق هذا المجال والهيمنة عليه.
لكنه عشق التبعية في عصر أوباما الجديد.. حفاظا على البقاء.