الشراكة الهندية - العربية.. قراءة أولية
تتبوأ الهند حالياً الموقع رقم 11 بين القوى الاقتصادية، ومن المتوقع أن تصبح خلال الأعوام المقبلة القوة الاقتصادية الرابعة في العالم.
تقتضي المصلحة العربية إقامة شراكات مع كل القوى المعادية للاستعمار، والتي لها مصلحة في الوقوف في وجه الامبريالية العالمية، وعلينا نحن العرب أن نفك الارتباط مع أعدائنا، لا أن نعقد معهم «شراكات» تكرس هيمنتهم الفكرية والاقتصادية على مقدراتنا، بغض النظر عن أسمائها وأشكالها مثل: الشراكة المتوسطية، أو الشرق أوسطية، الاتحاد من أجل المتوسط.. الخ.. علينا أن نسعى لعقد شراكة مع الصين وروسيا، ومع الدول الإسلامية، ومع القارة الإفريقية وقارة جنوب أمريكا، وبالتأكيد مع الهند.
تعرضت الهند مثل الدول النامية الأخرى، لهجمات الاستعمار الأوروبي، واستقلت في 15/8/1946 بعد كفاح طويل ومرير، قدمت فيه تضحيات جساماً في الأرواح والموارد، وكانت مساحتها 4.225 مليون كم2، فجزأها الاستعمار البريطاني إلى ثلاث دول، إذ انفصلت باكستان عنها عام 1947، وبنغلاديش عام 1971، على أساس ديني، فاقتصرت مساحتها على 3.28 مليون كم2، لكن بقي فيها الكثير من المسلمين، وأصبح إقليم كشمير جرحاً نازفاً في خاصرتها، يحاول الاستعمار عبره إثارة الفتن الطائفية والدينية والعرقية بين أبناء الأمة الهندية الواحدة: المسلمون من جهة، والهندوس والسيخ وغيرهم من جهة ثانية. ويتابع الاستعمار الغربي تشجيع مسلمي كشمير على محاولة الانفصال عن الوطن الأم، والانضمام إلى باكستان، أو إقامة دولة جديدة، والحبل على الجرار انطلاقاً من مبدأ: «فرق تسد» كما فعل بالأمة العربية حين جزأها إلى أكثر من 22 دويلة وإمارة، واقتطع أجزاء منها وضمها لدول مجاورة، ليخلق عداء بينها وبيننا، وتبنى، وكرّس «مشروع إسرائيل» في فلسطين.
وكما نطلب نحن العرب تأييد حقنا في تحقيق وحدتنا القومية، علينا أن نؤيد حق كل أمم الأرض المجزأة في إنجاز وحدتها القومية، كالأمة الهندية والصينية والكورية وغيرها. علينا كعرب وكمسلمين أينما كنا، مطالبة المسلمين في كل دول العالم الحفاظ على وحدة التراب الوطني. وهنا على سبيل الخصوص: وحدة التراب الهندي والصيني والروسي، بما يحقق مصالح هذه الأمم ومصلحة المسلمين والإسلام.
لا يتوقف الاستعمار الغربي عن تشجيع المسلمين سواء في الهند أو الصين أو روسيا على الانفصال عن الوطن الأم، بقصد زرع الفتن وخلق تناقض ونزاع بين أبناء الأمة الواحدة وتمزيق هذه الأمم وإضعافها. نريد نحن العرب تأييد المقاومة في تحرير العراق من الاستعمار الأمريكي وملحقاته، وتحرير كامل تراب فلسطين وإزالة الاستعمار الاستيطاني «مشروع إسرائيل»، وتحرير الجولان، ومزارع شبعا وكفر شوبا، وتحرير الصومال من القوات الإثيوبية التي دفعتها الولايات المتحدة الأمريكية إلى غزوها، ولن نجد من يناصرنا في ذلك إن لم نناصر من يكتوي بالنار ذاتها..
الهند دولة صديقة وعظمى، علاقاتنا التاريخية معها وثيقة موغلة القدم، وهناك تفاعل قوي في الفلسفة والآداب والعلوم، كما أن الكثير من القيم الاجتماعية متقاربة، هنالك لغات عديدة في الهند أوسعها انتشارا الهندية اللغة الرسمية وإلى جانبها تيلغو وبنغالي وباند شابي وأوردو التي تستخدم الحروف العربية، ونستخدم نحن العرب الأرقام الهندية. كي نعيد اللحمة الثقافية بين الأمة العربية والأمة الهندية، علينا أن نعمل على نشر اللغة العربية في الهند، فننشئ الكثير من المراكز الثقافية العربية فيها ونشجعها على إنشاء الكثير من المراكز الثقافية في الوطن العربي، وتدريس بعض اللغات الهندية في مدارسنا ومعاهدنا وجامعاتنا إلى جانب اللغات الأجنبية الأخرى، فنلغي احتكار اللغتين الانكليزية والفرنسية، ونترك الخيار للتلاميذ والطلاب في تحديد اللغات التي يودون تعلمها.
تضم الهند نحو ربع سكان العالم، ولايزال قرابة ثلثي قوة العمل في الريف، وهي فائضة، تحتاج إلى مجالات عمل خارج القطاع الزراعي، مثلها مثل الصين، لذلك انفتحت على العالم بقوة، وكسرت تقسيم العمل الدولي القديم، وهنا ثمة فرصة لنا نحن العرب أن نساهم في بناء هذا النسيج الجديد لتقسيم العمل الدولي بما فيه مصلحة الجميع، بحيث يكون بديلاً لتقسيم العمل الدولي الاستعماري. تبلغ مساحة الأراضي الزراعية في الهند 195 مليون هكتار، (في الوطن العربي 197 مليون هكتار)، وقد تطورت الزراعة فيها، وارتفع (على سبيل المثال) إنتاج الحبوب من 82 مليون طن عام 1960/61 إلى 203 مليون طن عام 2001، وتم الاعتماد على العقول الهندية المبدعة، وهم من أحسن النوابغ في العالم، فازدهرت الزراعة في الهند.
فهل نطور الزراعة في وطننا العربي اعتمادا على «الأدمغة» العربية بالدرجة الأولى ونستعين جزئياً بعلماء من دول صديقة عوضاً عن خبراء الدول الاستعمارية!
كما تطورت الصناعة في الهند كثيراً، ولا تزال مستمرة في نموها السريع.. هنالك فرصة سانحة الآن لبناء تقسيم عمل دولي جديد بين العرب والهند لا يجوز أن نضيعها، بما يخدم مصلحة الشعبين في صناعة وسائل الإنتاج، وصناعة وسائل النقل، خاصة المحركات والقاطرات والسفن، وكل ماله علاقة بالخطوط الحديدية، وصناعة الفضاء والطاقة النووية والطاقة الشمسية وصناعة الحواسب والبرمجيات وصناعة الأسمدة والورق وصناعة السلاح وشتى الصناعات عالية التقنية. وتصل صادرات الهند من السلع المصنعة إلى 67 % من إجمالي صادراتها، وخمسها سلع هندسية. يمكن تشييد العديد من المصانع برأسمال هندي-عربي في القطاع العام وفي القطاع الخاص، تشاد في الهند وفي الوطن العربي. ويمكن اعتماداً على تقسيم عمل رأسي لصناعات مختارة، تتولى الهند بعضها والدول العربية بعضها الآخر، بحيث تتشابك الصناعتان في المدخلات والمخرجات.
عوامل الإنتاج من معدات وتجهيزات، متطورة في الهند، وثمة رأسمال بشري عالي الكفاءة، كما هنالك ملايين «الأدمغة» العربية والهندية مهجرة إلى الغرب، ورؤوس الأموال العربية غير المستثمرة كبيرة، وتمتلئ بها خزائن المصارف وغيرها إلى جانب أكثر من 3000 مليار يورو موظفة في الخارج، خاصة في الغرب تتآكل، أو فوائدها زهيدة، وكلفة إدارتها باهظة. نحتاج إلى توفر الإرادة السياسة وخلق مناخ الاستثمار المناسب بضخ الدولة مبالغ ضخمة في الاستثمار وتحريك الودائع النائمة في المصارف، لنفتح الطريق أمام النهضة الصناعية التي تأخرت كثيراً، كأهم قاطرة للتنمية الاقتصادية.
هكذا نساهم أيضاً بحل مشاكل البطالة المتفاقمة كثيرا على المستوى العربي، ويتم نقل التقنيات بالتعاون مع الهند وإيجاد فرص عمل للموهوبين والعلماء تناسب ملكاتهم، فيتم تطبيق الاختراعات في المصانع والورش الخ. هنالك صناعات مقصورة على القطاع العام في الهند مثل الصناعات العسكرية والطاقة النووية، وكذلك النقل بالخطوط الحديدية وغيرها. نحن بحاجة إلى الطاقة النووية مثل باقي الأمم لاستخداماتها الكثيرة المتنوعة في الصناعة والزراعة والصحة، واكتساب الخبرة يحتاج إلى زمن طويل، وبوسعنا هنا التعاون مع الهند فهي دولة صديقة ولا يوجد أي تناقض مبدئي بيننا وبينها.. لنعتمد على العقول الهندية والعربية في استنباط استراتيجيات التنمية الاقتصادية والتعاون بما يحقق مصلحة الأمتين المشتركة المستقبلية. تقتضي مصلحة القارة الآسيوية إحياء طريق الحرير الجديد، بإنشاء شبكة كثيفة من الخطوط الحديدية المكهربة العصرية والسريعة بسرعات تصل إلى 500كم/ساعة وتتجازوها من الوطن العربي مروراً بإيران وباكستان والهند والصين وروسيا وإفريقيا لتسهيل التواصل الاجتماعي والتبادل والتعاون الاقتصادي داخل القارة، وبينها بين القارات الأخرى، ناهيك عن تنشيط تجارة العبور وتخفيض أكلاف النقل وجني أرباح طيبة عبر تجارة العبور. يمكن البدء بإقامة صناعات مشتركة بين الوطن العربي وروسيا والصين والهند لوسائل النقل السككي من قاطرات وعربات وحاويات ومستلزمات الكترونية، والصناعات الأساسية التي ترفدها من مصانع فولاذ صغيرة تعمل على الخردة وغيرها. بلغ طول شبكة الخطوط الحديدية في الهند 63 ألف كم عام 2006، وقرابة 30 ألف كم في الوطن العربي. وبلغت كثافة الخطوط الحديدية على مليون كم2 في الهند، أكثر من 11 ضعفا لمثيلتها في الوطن العربي. نخلق بذلك فرص عمل وفيرة ونحصل على الخبرة والمعرفة التقنية، ونكسب فوق ذلك حلفاء عبر تشابك المصالح الاقتصادية.
كما يمكننا التعاون في مجال البحث العلمي وتشجيع الترجمة لتصل إلى ألف كتاب سنوياً في العلوم والآداب وغيرها، وفي إنتاج الأفلام السينمائية، فالهند أكبر منتج للأفلام في العالم وفي جعل الأفلام الهندية المستوردة ناطقة باللغة العربية، والأفلام العربية المصدرة إلى الهند ناطقة ببعض لغاتها. لننشئ العديد من المحطات الإذاعية والفضائية الموجهة إلى الهند بلغاتها المختلفة، ولنخطط لتبادل آلاف الطلاب سنوياً، ولنرسل الكثير من الفرق الفنية والمسرحية والموسيقية إلى الهند، ولنشجع قدوم مثلها من الهند.
يملك الوطن العربي موارد بشرية وطبيعية واقتصادية ضخمة، لكنها لاتزال غير مفعلة بسبب التبعية والاحتلال والتجزئة الخ.. سيصبح قوة اقتصادية كبيرة عند استكمال تحرره ودحر الغزاة من العراق وفلسطين وغيرها، وبعد تحقيق الوحدة العربية والمضي قدماً في تحقيق نهضته الاقتصادية في الزراعة والصناعة وغيرها معتمداً على البحث العلمي بوصلة للمستقبل. وسيرتفع الدخل القومي العربي إلى مصاف الدول الكبرى.
إن القرن الحالي هو القرن العربي الذي بدأ يحرز انتصارات باهرة وأكيدة في العراق ولبنان وفلسطين. يحاول الغرب الاستعماري منذ قرنين إعاقة هذه النهضة وتمزيق الوطن العربي، ولايزال يبذل كل ما في وسعه، لكن الوقت قد أزف لزوال الاستعمار من العالم كله. النهوض العربي سيكون الضربة القاضية له. لا خيار لدينا نحن العرب إلا الانتصار، والشراكات مع الأصدقاء، خاصة مع الهند، أحد أسلحتنا..