دانييل بليتراش - ترجمة قاسيون دانييل بليتراش - ترجمة قاسيون

ملاحظات سوسيولوجية بقدر ما هي سياسية انتصار «اللا» طبقياً في أيرلندا

كلما اقترب يوم الانتخاب، تعلق الأمر بمبارزة قوية، وكان الحكم واضحاً: 53.4 بالمائة من الأيرلنديين قالوا لا. واضحة وصريحة. فلنعد إلى التاريخ: كانت هنالك المعاهدة التأسيسية التي أزاحتها «اللا» الفرنسية ثم «اللا» الهولندية في العام 2005. ثم جاءت في العام 2007 خيانة لشبونة. وقرر السياسيون بكل تلوناتهم عدم اللجوء للتشريع الشعبي وفرض إقامة هذه المعاهدة التي أصبحت معاهدة لشبونة بين الناس. هكذا فرض السياسيون هذه المعاهدة على الشعب في فرنسا. أجل، لكنّ الأيرلنديين أرغمهم دستورهم على تنظيم الاستفتاء. كان من المفترض أن تكون تلك نزهة ربيعية بالنسبة للنعم. كان يقال إنّ أيرلندا استفادت أكثر من أي بلد من اندماجها في الاتحاد الأوروبي. وقد أيد المعاهدة كل الأحزاب السياسية الكبيرة، في الموالاة والمعارضة. وقد عاش العديد من شعوب أوروبا اللا في أيرلندا بوصفها تخصهم نوعاً ما، هم الذين لم تجر استشارتهم، هم الذين جرى احتقار رأيهم.

كانت أيرلندا تعتبر بلداً محابياً لأوربا، ألم تكن أحد تلك البلدان التي استفادت من هذا الاندماج؟

حين تصدّرت صحيفة أيريش تايمز لعدد 16 حزيران «اللا»، أصبح القلق في معسكر «النعم» ملموساً، وكذلك في صفوف السياسيين الأوروبيين الذين سارعوا بصفوف مرصوصة ليحاولوا إقناع الأيرلنديين، أو تخويفهم على الأقل. أصبحت النبرة في وسائل الإعلام قوية: «هل هذا معقول؟». لكن كانت النتيجة المتخيلة متقاربة جداً، بل كان من المتوقع أن يجري صعودٌ للنعم في الدقيقة الأخيرة. 

هل ستتجرؤون على قول لا؟

في أيرلندا، كما شهدنا في فرنسا، جرى ابتزازٌ بالعزل. «ستكونون الوحيدين! هل ستتجرؤون؟» نعم، إنهم يتجرؤون...

وهنا أيضاً المسافة كبيرة بين عالم السياسيين وبين المواطن العادي في فرنسا أو هولندا أو أيرلندا. إنّ طبقتنا السياسية، وعلى رأسها مناصرو النعم ومناصرو الاتحاد الأوروبي من اليمين ومن اليسار، والأحزاب السياسية ووسائل الإعلام، وكذلك مناصرو اللا أنفسهم، أي الشيوعيون، لا يتجرؤون حتى على التفكير في الخروج من الاتحاد الأوروبي وحتى من منطقة اليورو، ولا يتجرؤون حتى على طرح مسألة هذا الخروج.

تحسم جسارة شعوبهم قضية وجلهم. وإذا كانت هذه الانتخابات أشبه بقصف الرعد فلأنّ اللا، والجميع يخمّنون ذلك، تحيل إلى رفض أعمق، إلى أمر لا يتجرأ أحدٌ من الطبقة السياسية على التطرق إليه. بالنسبة لمعظم الفرنسيين ولاسيما الطبقات الشعبية، وحتى الشباب، الاتحاد الأوروبي أمرٌ ليست لهم عليه أية سيطرة، مكانٌ يهنئ فيه السياسيون بعضهم، عملةٌ عنى تبنيها تضاعف الأسعار ثلاث مرات دون أن تتبع الأجور بها. لا يقتصر الأمر على أنّ أوربا لم تصبح أبداً وطناً، بل إنها غريبةٌ غربةً أساسية عن مصالح الطبقات الشعبية.

الأيرلنديون، مثلهم مثل الفرنسيين، لا يثقون ثقةً تامة برجالهم ونسائهم من السياسيين، لكنّ سياسيي الجيران يبدون لهم مشبوهين أكثر. وهكذا، وتحت طائلة طعن اعتزازنا الوطني كفرنسيين، ينبغي إدراك أنّ اقتراب الترؤس الفرنسي للاتحاد الأوروبي قد عزز اللا. وكان أحد المواضيع المشاريع العسكرية السرية المنسوبة لرئيسنا ساركوزي، ما يعني نهاية الحياد الأيرلندي. ناهيك عن تصريحات وزيرة اقتصادنا الخرقاء كريستين لاغارد التي أدلت بها في توقيت غير ملائم لصالح تناغم ضريبي في الاتحاد الأوروبي. حتى مكتسبات الاندماج الأوروبي كانت ستلغى، وتجد البلدان نفسها خلف داعية الحرب ساركوزي، كلب بوش الوفي.

لكن فلنطمئن، كان ذلك أحد المواضيع وليس العلّة الفاعلة، فالشعب الأيرلندي قد أنكر بدايةً طبقته السياسية. 

إنه أيضاً تصويتٌ طبقي

إليكم تشابهاً آخر: حين صوّت الفرنسيون بلا، دفعتني دراسةٌ جيوسياسية لهذا الرفض إلى إدراك ما يلي: إنه ليس رفضاً يسارياً أو يمينياً، بل هو رفضٌ طبقي. كنت قد حذّرت الهيئات المناهضة لليبرالية التي تنسب الانتصار إلى نفسها، مثلما حذّرت كل القوى السياسية: نحن أمام رفض طبقي. نتيجة الانحدار الحالي للحزب الشيوعي الفرنسي، يمر الرفض في معظمه عبر دوائر أخرى غير نشاط هذا التجمع أو ذاك، وتحمله النقاشات في أماكن العمل والأسر، بل إنّ هذا هو ما يفسّر وفق تحليلي جغرافية هذه اللا التي أعادت عملياً تمثيل مناطق نفوذ الحزب الشيوعي الفرنسي قبل ثلاثين عاماً.

نجد الظاهرة نفسها في أيرلندا: إذا نظرنا إلى أنّ دبلن والضواحي الثرية في الجنوب قد صوتت بنحو 60 بالمائة لصالح المعاهدة فالضواحي العمالية في الشمال الغربي والجنوب الشرقي قد صوتت بأكثر من 60 بالمائة ضدها. التصويت الريفي هو تصويت لصالح اللا، وينبغي أن نرى جيداً بأنّ المناطق المسماة بالريفية هي عمالية أكثر فأكثر، كما هي الحال في فرنسا. في المقابل، صوّتت كل أماكن تجمع الطبقات الوسطى والموسرة بالموافقة على المعاهدة. يخال المرء أنه في مسرحية لشين أوكاسي، الكاتب المسرحي الكبير المنتمي للبروليتاريا الأيرلندية، فالرفض ينبثق من الاستلاب، من المصاعب اليومية، إنه رفضٌ يتوافق أيضاً، نتيجة غياب الأفق، مع حالة الغضب العاجز لبروليتاريا جرى تفكيك تنظيمها وحرمت من وسائل النشاط الجماعي، وتقاد هنا مثلما في إيطاليا نحو رفض طبقة سياسية لا تكنّ لها سوى الاحتقار.

بطبيعة الحال، يكرّس تفسير وسائل الإعلام لهذا التصويت ذلك الاحتقار الطبقي، فالصحافيون برجوازيون صغار يأتمرون بأوامر الكبير وهم لم يروا في هذا التصويت إلا تنافر جبهة من المستائين العاجزين. لم يعبروا عن ذلك صراحةً، لكن النبرة تتصاعد والمقالات توحي بأنّ أولئك الذين رفضوا لم يكونوا يدركون ما يفعلونه، بأنّهم جهلة، سيئو الطباع، ويجري تقديم الشعبوية ونفوذ اليمين المتطرف مع نسيان أنّ الأمة ليست شوفينية بالضرورة وأنّ النزعة الوطنية هي وفق الكلمة الشهيرة ثروة الفقراء، ولاسيما في بلد مثل أيرلندا حيث لم يجر الحصول على أمة إلا عبر نضال ضد الاستعمار وبؤس الجماهير. 

ردّ فعل «الميسورين»

أعلنت صحيفة لوفيغارو، اليمينية التي يملكها تاجر السلاح داسو، صباح يوم الرابع عشر من آذار 2008:

«يمكن أن يخضع نصٌّ جديد، بتعديلات بسيطة تتجاوب مع مخاوف الأيرلنديين، إلى تصويت آخر في أيرلندا. وإذا ما جرى تبني هذا النص، لن تعود الأزمة سوى حادث عارض للسيرورة وستصبح معاهدة لشبونة سارية المفعول بعد تأخير بضعة أشهر. ولنا في معاهدة نيس، التي رفضها الأيرلنديون في العام 2001 ثمّ صادقوا عليها في العام 2002 بفضل بعض التغييرات، سابقة تبرر المناورة» (..) «كي تتمكن أوروبا من مواصلة طريقها، كي تتمكن من التأثير في عالم يعيش أسوأ الاضطرابات، سيتوجب إلغاء الطابع المأساوي عن اللا الأيرلندية والإبقاء على أولويات السياسة الأوروبية. سيكون ذلك تحدي الرئاسة الفرنسية للاتحاد».

كل شيء واضح وخط البرجوازية مرسوم: ينبغي إنقاص مدى هذا التصويت، إرغام الأيرلنديين على التصويت وإعادة التصويت حتى يقولوا نعم! ينبغي مواصلة التقدم في هذا البنيان الأوروبي...

تتمثل إحدى قواهم في إرغامنا على التفكير في الإطار الضيق الذي يبنونه يوماً بعد يوم، وهم يحاولون إقناعنا بأنّ عدم الانتماء إلى أوروبا هذه مجرد هرطقة، تدنيسٌ حقيقي، وبأننا لا نستطيع إلا أن نكون جزءاً من منطقة اليورو... إذاً، تكون لا الشعوب طريقةً هادئة لقول: «لا شيء مما تقترحونه إلزامي!» هنالك قوةٌ غير مسبوقة في هذا العناد، في هذا الرفض للرضا. تكمن المشكلة الحقيقية في بناء قوة سياسية قادرة هي أيضاً على الصمود أمام الإرغام الذي يعتبره رأس المال حتمياً وإلزامياً وغير قابل للتجاوز...

آخر تعديل على الثلاثاء, 29 تشرين2/نوفمبر 2016 22:36