ابراهيم البدراوي ابراهيم البدراوي

إمّا أن ننتصر.. أو نموت!

في خطابه بمناسبة عيد العمال، زاد مبارك مواقفه وضوحاً على كل الأصعدة. وسنتطرق باختصار إلى بعض ما تناوله هذا الخطاب، خصوصاً على الصعيد الداخلي.

رغم اعتراف مبارك بأن ما سمي «الأزمة المالية» قد تحولت الى أزمة اقتصادية، إلا أنه ادعى «أن ما حققته البلاد من سياسات الاصلاح الاقتصادي وما نفذ من سياسات مالية ونقدية خلال السنوات الخمس الماضية، ساعد على مواجهة الأزمة الحالية العاتية».

وفي هذا الصدد نذكر ما يلي:

إن ما يسميه مبارك إصلاحاً اقتصادياً كان على النقيض تماماً من المصلحة الوطنية. فإن هذا الإصلاح لم يأت بدافع تجاوز وضرب جرائم التخريب التى تمت على يد الطبقة الحاكمة النهابة، وإنما تم تنفيذاً لمطالب المؤسسات المالية الامبريالية التي استهدفت تجاوز أزمة الاقتصاد الرأسمالي العالمي الكامنة منذ ما قبل تفجرها المدوي بعقود. ومن ثم عمدت إلى تصديرها لبلداننا، ولم يتحقق الانقاذ هناك. لكن الذي جرى هو الخراب هنا. وإلا فما معنى هبوط مستوى معيشة أكثر من نصف سكان مصر الى ما دون خط الفقر، وحرمان العمال وفقراء الفلاحين  وسائر الكادحين من كل حقوقهم ومكتسباتهم الاجتماعية، وتفاقم البطالة لتصل الى 30% من قوة العمل، وتخلى الدولة عن دورها الاجتماعي، وبيع وتصفية القطاع العام، وانهيار التعليم والبحث العلمي، وانهيار مستوى معيشة شرائح هامة من الفئات الوسطى كالقضاة وأساتذة الجامعات؟

ولماذا تشتعل مظاهرات الغضب والاضرابات والاعتصامات بشكل يومي تقريباً... الخ؟ ألا يعتبر الغضب العارم بمثابة الرد على تجريف الثروة الوطنية لحساب الأجانب ودائرة ضيقة من المصريين ووصول التفاوت الطبقي إلى مستويات غير مسبوقة؟

الإصلاح الاقتصادي المزعوم أسفر عن خراب مصر اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً وثقافياً... الخ، وعن تهميش بل وتدمير دورها ومكانتها الإقليمية والدولية، وكرس التبعية والتخلف، وكان هو الوجه الآخر لما سمي «السلام»، وأضاف إلى قوة العدو الصهيوني على حساب الانتقاص من قوة مصر والعرب.

وبالرغم من اعتراف مبارك بأن الأزمة قد طالت مصر، غير أنه يصر على الاستمرار في اتباع السياسات نفسها «... سنمضي في برنامج الاصلاح الاقتصادي دون رجعة الى الوراء...» ويستطرد في سرد إجراءات مواجهة الأزمة «... برنامج للإنعاش الاقتصادي»، بمزيد من التسهيلات والاعفاءات للرأسماليين، و«مزيد من فتح الباب أمام رأس المال»... للاستثمار في مجالات جديدة بما في ذلك «مشروعات البنية الأساسية.. كالطرق والموانئ وقطاعات النقل والتجارة الداخلية.. وغيرها». أي استكمال هيمنة رأس المال (الاجنبي والمحلي) على ما تبقى من أصول.

لكنه في الوقت نفسه الذي يقدم فيه كل شيء لرأس المال فإنه يقوم بتحميل الطبقة العاملة تبعات الأزمة الخانقة: «إن عمال مصر وأرباب العمل في قارب واحد.. عليهم أن يواجهوا الرياح العاتية  لهذه الأزمة.. وعليهم أن يشاركوا في تحمل تداعياتها وتقاسم أعبائها..».

ثم ينتقل إلى مرحلة أعلى من التكبيل والخنق للعمال بما يسمى (ميثاق شرف) ينظم العلاقة بين العمال والرأسماليين. ثم يخطو خطوة واسعة  بإدانته للإضرابات (السلاح الوحيد بيد العمال)  فيقول «وليس بإضرابات واعتصامات لا تلتزم بأحكام القانون.. تعطل العمل والانتاج.. وتلحق أفدح الضرر باقتصادنا» رغم أن كل الاضرابات كانت سلمية.

ثم يتجلى بوضوح الهدف الحقيقي لمبارك وهو ولوج مرحلة جديدة من تشديد استغلال العمال، بتركيزه على «زيادة الإنتاجية» حيث يعطي «الأولوية القصوى لتدريب عمالنا» دون كلمة واحدة عن أية حقوق أو حوافز للعمال، ومتناسياً أن زيادة الانتاجية مرتبطة بمنظومة كبيرة من السياسات التي تستهدف تغييراً عميقاً  ايجابياً في حياة الناس.

فما التسلسل فيما تناوله مبارك؟

الإصرار على استمرار السياسات القائمة.

المزيد من التسهيلات والاعفاءات والدعم للرأسماليين الأجانب والمحليين وتمكينهم.

تحميل العمال أعباء الأزمة.

إخضاع العمال قسرياً للرأسماليين (ميثاق الشرف) وتجريم أي إضراب أو احتجاج سلمي.

تشديد الاستغلال تحت مسمى «زيادة الإنتاجية» دون أي حوافز أو حماية قانونية أوحقوق اجتماعية.

إن هذا التسلسل يؤكد أن خيار السلطة الوحيد الآن هو «الممارسة الفاشية» لتأمين نهب الوطن وتدميره.

***

ولم يترك مبارك فرصة عيد العمال دون أن يتناول في خطابه المقاومة وقواها, واعتبارها الخطر المحدق بمصر والمنطقة، دون أن يتفوه بحرف عن خطر الكيان الصهيوني أو الأمريكي. وكان سبق له توجيه رسالة تهنئة الى رئيس العصابات الصهيونية بمناسبة ما أسماه «عيد استقلال إسرائيل».. (يا للعار!).

على أن الخطير في الأمر هو استهداف مبارك توجيه تهديد مباشر وصريح لكل مصري يتضامن مع المقاومة. ولكن هيهات.

***

لقد وضع خيار مبارك وطبقته البلاد أمام منعطف خطير، يهدد التطور السلمي لمصر. بيد أن الشعب المصري قادر على إحباط وهزيمة هذا المخطط المعادي.

لقد سبق أن استعدنا الوطن وحررناه. وقام الملايين من العمال والفلاحين والمثقفين وسائر الكادحين ببناء نهضته الحديثة التي يجري اغتيالها، وبذل عشرات الآلاف من ضباط  وجنود مصر دماءهم وأرواحهم للتحرير، وانتصروا. لكن الانتصار والوطن كله تم سرقتهما منا.

ولم يعد أمامنا سوى الخيار الأخير..  إما أن ننتصر.. أو نموت!

آخر تعديل على الأربعاء, 17 آب/أغسطس 2016 02:01