في انتظار الحرب..!
ثمة مبدأ معروف في الإستراتيجية: العدو الذي لم تتمكن من هزيمته وإملاء شروطك عليه، أو إضعاف قواه إلى حد إخراجه من ساحة الصراع، سيعود لمواجهتك، فلا تترك له الفرصة لتنظيم نفسه وتجديد قواه.
و«إسرائيل»، الدولة التي قامت على الغزو والاغتصاب والقوة، والمحاطة بضحاياها من كل جانب، هي أكثر من يعي هذا المبدأ ويعمل وفقه.. ليس لأنها تدرك عناصر ضعفها البنيوية العميقة فقط، بل لأنها لا تريد السلام مع العرب إلا بشروطها التي تأسس على قاعدتين هما: رضوخ العرب– وخاصة الفلسطينيين- لإرادتها، وبقاؤها كدولة متفوقة مهيمنة في المنطقة.
ومع طغيان الانشغال لدى مجتمعها ونخبها بالانتخابات الأخيرة، إلا أن موضوع الحرب التي شنتها على غزة ظل حاضراً بقوة, ونقدر أن الاهتمام به سيتعاظم من حيث التقييم العام لهذه الحرب ونتائجها والاستنتاجات الواجب استخلاصها.
وفي مراجعة سريعة لمعظم أقوال وكتابات السياسيين والعسكريين والأمنيين والكتاب الإسرائيليين حول الحرب، نجد أنها تدور حول فكرة محورية: عدم تحقيق أية أهداف سياسية أو عسكرية أو معنوية ذات بال.
فلا المقاومة رضخت، ولا قدراتها العسكرية تحطمت، ولا الروح المعنوية للفلسطينيين والعرب انهارت. وهو ما يعني أن الأسلوب الذي يسميه الإسرائيليون «كَيْ وَعْي» الفلسطينيين والعرب قد خاب.. بل أحدث مفعولاً عكسياً تمثل باستنهاض العرب والمسلمين وتنامي روح وعزيمة المقاومة لديهم.. وهو الأمر الذي يستدعي الإعداد لحرب جديدة تبدو ضرورية, ليس فقط لمنع المقاومين الفلسطينيين من تجديد قواهم، بل لأن الحرب هي العامل الأكبر الذي يوحد الإسرائيليين: مجتمعاً وأحزاباً وقادة. وهو أحوج ما تحتاجه «إسرائيل» التي تعاني منذ سنوات من استفحال أزمة القيادة وتفتت القرار، وتتغلغل في عقلها الأزمة الأهم والأعمق.. أعني أزمة تداعي قدرتها على إخضاع الفلسطينيين والعرب.
ولأن إسرائيل لا تفكر مثلما يفعل بعض العرب الذين يعتبرون مجرد خوضهم حرباً– بغض النظر عن النتائج- هو غاية الغايات التي يهرولون بعدها لاستجداء السلام– أي سلام، فإنها ستعد لجولة أُخرى تأمل أن تكون حاسمة.
فبالنسبة لها فإن ما لا تستطيع إنجازه في حرب، تعمل لإنجازه في حرب- أو حروب- أخرى. ولا يهم عدد هذه الحروب.. فالمهم هو نتائجها.
وستستمر «إسرائيل» في ممارسة لعبتها الدموية هذه إلى اليوم الذي يتمكن فيه العرب من تطوير قدراتهم والانتقال من مرحلة الدفاع والصد، إلى مرحلة الهجوم وتأمين شروط النصر الحاسم عليها بما يتطلبه من تهيئة ظروف وأدوات.
وحتى يحين هذا اليوم سنظل في انتظار حروب إسرائيل القادمة التي يجب أن لا يكتفى بالإعداد لمواجهتها وإفشالها فقط.. بل الانتقال إلى المبادرة.
• نشرة «كنعان» الالكترونية