محمد الجندي محمد الجندي

«إخماد الفتن»

يبدو أن الإدارة الأمريكية الجديدة تخطط أولاً لتهدئة أفغانستان بعد إنجاز التهدئة في العراق؛ ثانياً أن تنهي «الإرهاب» الفلسطيني واللبناني؛ ثالثاً أن تجبر «العقلاء» الفلسطينيين على توقيع سلام (مصنوع في الولايات المتحدة) مع إسرائيل؛ رابعاً أن توقف بالقوة برنامجي كوريا وإيران النوويين؛ خامساً أن تجبر سورية على قطع العلاقة بإيران وبـ«الإرهاب». إذا كان ذلك صحيحاً، فإن برنامج الإدارة الأمريكية يكون حافلاً بالحروب التأديبية: ضد الشعوب العراقية والأفغانية والفلسطينية والإيرانية والكورية والسورية. ربما بأسنان مفترسة ستجري الإدارة الأمريكية «الحوارات».

حتماً، مثلما لم يكن بالمستطاع أيام الإدارة السابقة، لايستطيع أحد منع الإدارة الأمريكية الجديدة من شن الحروب. الكوارث الإنسانية وجرائم الحرب لاتعني شيئا عندما ترتكب بيد الإدارة الأمريكية. إنها تعني الكثير بالنسبة للضحايا ولكن لاتعني شيئا بالنسبة للإدارة الأمريكية، وتعني أيضا لاشيء بالنسبة للحلفاء الأشاوس الأوربيين والثالثيين، الذين دفعوا ويدفعون نسبة مئوية كبيرة من فواتير حروب الإدارة الأمريكية. الشعب الأمريكي أيضاً دفع ومازال يدفع الفواتير: ليس فقط أن الإصابات ارتفعت بأكثر من البيانات الرسمية، وإنما أيضاً الأزمة المالية الأمريكية والعالمية كانت نتيجة لحروب الإدارة الأمريكية. الشعب الأمريكي يدفع ثمناً عالياً بسبب الأزمة من اقتصاده، من ماله الاحتياطي أو المستثمر، من مستوى معيشة كل مواطن، من المستقبل. وجميع الشعوب في العالم يدفعون بشكل أعلى أيضاً فواتير الأزمة المالية والحروب الأمريكية.

من جهة أخرى لم تعد الشعوب دون دفاع، ولم يعد بالاستطاعة جرها إلى المسلخ دون أن يندى عنها صوت. ربما تتذكر الإدارة الأمريكية أن الشعب الفلسطيني، مثلاً، صمد أمام الاحتلال والإبادة منذ ثلاثينات القرن الماضي وحتى اليوم. وكل الشعوب تقريباً شنت حروب تحرير. إن إعادة غزو العالم ليس بذاك السهل: الإدارة الأمريكية احتلت قبلاً العراق وأفغانستان ولكن في الوقت نفسه غاصت في المستنقع. والآن الشعبان الإيراني والكوري ليسا فريسة سهلة.

إضافة إلى ذلك، فإن كلفة الحروب ستكون عالية جداً: فيجب أن يضيف المرء للإصابات والنفقات كون الأزمة المالية والصناعية ستتفاقم بأضعاف، والثروة البترولية ستهدر، وتلوث البيئة سيكون فظيعاً. طبعاً الإدارة الأمريكية لن تعير اهتماماً للجانب الإنساني من الكوارث، للمجازر؛ للتدمير الواسع؛ لتشرد الناس وفقدانهم المأوى؛ للجوع وللبؤس.

هيمنة الإدارة الأمريكية كان يمكن أن يرحب بها، لو كانت حضارية وتبني الحضارة، لو كانت تساعد الشعوب على التطور، على التصنيع، على تطبيق التكنولوجيات المعقدة، على بناء مؤسسات البحث العلمي. إن الشعوب الأمريكية والأوربية والثالثية بحاجة لا للاستغلال وإنما للتطور.

آخر تعديل على الإثنين, 28 تشرين2/نوفمبر 2016 22:14