تجميل صورة US AID
لا يجادل حتى المستفيدين من «يو اس إيد» فيما ورد في المقالة. لكن بودنا إضافة التالي: هذه المؤسسة الأمريكية تعلن شروطها العدوانية بوضوح. بالتالي من يقبض منها يكون هو وهي من «الشفافية» بمكان بحيث أن أوراقه واضحة. ولكن، من يدري ما هي شروط المؤسسات الأجنبية الأخرى سواء في المنح أو الخدمات العلمية والثقافية والصحية والتعليمية…الخ؟ ما الذي يدور بين الدافع والمدفوع له؟ هل «يو اس إيد» إذاً نموذج على الشفافية؟ (كنعان)
تنتشر في الضفة الغربية إعلانات دعائية خاصة بمؤسسة US AID، والتي تهدف إلى صناعة صورة جميلة لهذه المؤسسة، وترسيخ انطباع بأنها تعمل لخير الشعب الفلسطيني باسم الشعب الأمريكي. حيثما تجول المرء في الضفة الغربية يرى إعلانات دعائية ضخمة تحمل صورة فلسطيني أو فلسطينية يوجه الشكر لمؤسسة US AID، ويؤكد أو تؤكد على العمل يداً بيد بين الشعبين الفلسطيني والأمريكي، وأن بهذا يتم التقدم والرخاء، أو على الأقل تحسين أوضاع الشعب الفلسطيني المعيشية. وواضح من الصور أن ابتسامات ضخمة تظهر على وجوه الفلسطينيين مما يشير إلى أن قلوبهم مفعمة بالبهجة والسرور. والإيحاء واضح وجلي وهو أنه لولا خيرات الولايات المتحدة لما ارتسمت الابتسامات.
ما هي منظمة US AID
أنشئت هذه المنظمة في الخمسينيات كذراع من أذرع خطة مارشال لإعمار أوربا، وهي تعني الوكالة الأمريكية للتنمية العالمية. وقد أعلنت الولايات المتحدة أن الهدف من إنشائها هو تقديم المساعدات الإنسانية للدول والشعوب المحتاجة أو المنكوبة، ودعم سياسة الولايات المتحدة الخارجية من خلال الترويج للديمقراطية والرأسمالية والتجارة الحرة. هذه المنظمة منظمة حكومية، تدعي الولايات المتحدة أنها مستقلة، لكنها في الحقيقة تتبع وزارة الخارجية الأمريكية، وتنسق أعمالها مع وزير الخارجية الأمريكية بهدف دعم المصالح الأمريكية في مختلف بقاع الأرض. تخصص حكومة الولايات المتحدة تقريبا 0.005 من ميزانيتها لهذه المنظمة.
أعمال US AID
تقدم مؤسسة US AID مساعدات متنوعة الأوجه للعديد من دول وشعوب العالم. فمثلاً هي موجودة في باكستان للمساعدة في التخفيف من آلام الفيضانات، وتواجدت بسرعة في هاييتي للتغلب على آثار الزلزال المدمر، وتوجد في مناطق كثيرة منكوبة بالجوع أو الجهل أو بالكوارث الطبيعية، وتقدم الدعم المادي والمالي.
تساعد US AID في بناء الطرق والمدارس والعيادات الصحية والمراكز الاجتماعية. وتقدم مساعدات للمعوزين والمنكوبين، وتساهم في بناء شبكات الكهرباء والماء، الخ. يخطئ من يظن أن هذه المؤسسة لا ترفع المعاناة عن بعض الناس، أو يحاول تجاوز دورها الإنساني في بقاع كثيرة من العالم. لكن يجب ألا يغفل عن دورها السياسي في دعم السياسة الخارجية الأمريكية، وتوجيه صرف الأموال بالطريقة التي تخدم هذه السياسة.
عمل US AID في فلسطين
تنشط هذه المؤسسة في الضفة الغربية وقطاع غزة منذ سنوات طويلة، وهي الآن نشطة فقط بالضفة الغربية لأن غزة أصبحت خارج الاستحقاق وفق رؤية السياسة الخارجية الأمريكية. في الضفة الغربية، تمول هذه المؤسسة بناء طرق، وقد شقت بعض الطرق، وعبدت أخرى، وأعادت تأهيل عدد آخر. وهي تساهم في بناء مدارس وعيادات صحية ومراكز اجتماعية في مختلف مناطق الضفة الغربية من جنين حتى الخليل، ومن قلقيلية حتى أريحا.
في المقابل، هناك شروط تشترطها US AID من أجل صرف الأموال، وهي تتلخص بالتالي:
1 - على المؤسسة الفلسطينية التي ترغب بالحصول على عون مادي أن توقع وثيقة تسمى بوثيقة مناهضة الإرهاب. أي على الفلسطينيين أن يقروا بأنهم ضد الإرهاب (أي المقاومة الفلسطينية)، وأن يوقعوا على ذلك لكي يحصلوا على عون. وقد وقعت العديد من المؤسسات الفلسطينية على ذلك وحصلت على أموال، بينما لم توقع مؤسسات أخرى ولم تحصل على مساعدات.
2 - لا يتم توظيف أي فلسطيني في مؤسسة US AID إلا إذا كان موقفه واضحاً ضد المقاومة الفلسطينية، وحمل السلاح في وجه المحتلين.
3 - تقوم المؤسسة بفحص السجل الأمني للشخص المعني أو الجمعية، وهي تلجأ إلى مؤسسات الأمن الإسرائيلية والفلسطينية لتقدم لها المعلومات الوافية. وإذا ثبت أن للشخص أو الجهة تراثاً وطنياً ما زال يتمسك به فإن الأموال تبقى بعيدة المنال، وإذا تأكد أن الشخص أو الجهة من السقط أو ممن تخلوا عن تراثهم الوطني وجنحوا نحو اتفاق أوسلو فإن الأموال تجد طريقها إليهم.
4- يتم ربط صرف الأموال أحياناً بالتطبيع، وأن على طالب المساعدة أن يقوم بأعمال مشتركة مع الصهاينة وذلك لتعزيز التطبيع مع عدونا الصهيوني. وهناك بالطبع من يقبلون، ويقومون بنشاطات التطبيع.
مؤسسة US AID في فلسطين لا تقوم بأعمال بعيدة عن أهداف الولايات المتحدة السياسية، ولا تقدم أموالا لله كصدقة آنية أو جارية، وإنما تقدم الأموال لتحقيق أهداف واضحة منسجمة تماماً مع رؤية الولايات المتحدة، وتتلخص بالتالي:
أ- تعزيز المشروع الإسرائيلي الأمريكي بشأن القضية الفلسطينية والذي يهدف إلى تذويب القضية وليس حلها من خلال تحويل الفلسطينيين إلى عاهات تقتات من جيوب الآخرين.
ب- ملاحقة المقاومة الفلسطينية وضرب بناها التحتية، وتحويل الفلسطينيين إلى مجرد مستسلمين يتوسلون من المحتل بعض الشفقة.
ت- تعزيز مواقع المؤمنين بالسلام مع «إسرائيل» على اعتبار أن لا طريق أمام ذلك السلام إلا طريق التفاوض العبثي.
ث- تعزيز أدوار المطبعين مع «إسرائيل» وتمكينهم من رقاب الشعب الفلسطيني.
ج- دعم التابعين لها في السلطة الفلسطينية، والعمل على تحسين صورهم من أجل أن يكونوا مقبولين شعبياً.
المقصد الأمريكي واضح وهو إذلال الشعب الفلسطيني، وUS AID تستعمل الأموال للمساهمة في هذا التذليل. والهدف النهائي هو أن يصبح الشعب الفلسطيني معلقاً بأموال الغير بدل أن يكون متمسكاً بحقوقه الوطنية الثابتة، والمساهمة في تحويل شعار «نجوع ولا نركع» إلى شعار «نركع ولا نجوع».
السؤال الجوهري
سيجادل فلسطيني متمرغ بأموال US AID بأن فلسطين مباعة، وأن نضالات الشعب قد ضاعت سدى، فهل نبقى نتغنى بالحقوق الفلسطينية أم نأخذ الأموال الأمريكية التي تساهم في تحسين حياتنا اليومية وتسهيلها؟ فلسطين قد ذهبت، فهل نخسرها ونخسر المساعدات، أم نأخذ ما يمكن الحصول عليه؟
هذا منطق دمر الشعب الفلسطيني، وشعار إنقاذ ما يمكن إنقاذه ورطنا بالمزيد، وزاد همومنا وآلامنا. الشعوب الحية هي التي تأبى الاعتماد على الآخرين، وتأبى التخلي عن حريتها من أجل المال أو الطعام، وهي شعوب لا تعدم وسيلة فيما إذا قررت الحياة. وإذا لم يكن الأمر كذلك لانهارت أمم وانتهت، وتحولت إلى مجرد مطايا وعبيد تسوقها أمم أخرى تكد وتتعب وتنتج.
الشعب لا يعدم وسيلة للوقوف على أقدامه، ولا شيء يقف في طريقه إذا تسلح بالإيمان والإرادة على العمل، أما إذا بقي يتمطى ويتمغط ويسأل من أين نأتي بالمال فإنه لن يورط نفسه إلا بالمزيد من الأوحال والإذلال.
نحن لدينا قيادات امتهنت التنظير للهزيمة والتقاعس والتخاذل، وهي القيادات التي تسأل دائما: ما هو البديل؟ من أين نأكل؟ كيف نحصل على سلاح؟ الخ. هذه قيادات وُجدت من أجل بث فكر الهزيمة والتخاذل، لا شك أنها حققت نجاحاً إلى حد ما.
ليخز الله الشعب الذي لا بدائل لديه من أجل أن يبقى عزيزاً كريماً، والخبز لا يصنعه في النهاية إلا الأحرار. الأنذال يأكلون الخبز، لكنه مغمس بالعار، وسيأتي يوم يلقيهم رب خبزهم في المزبلة.
ثمن مساعدات US AID
شقت US AID شوارع جميلة، وأقامت عيادات، وبنت دور قضاء، لكن هذا ثمن الوطن أيها الناس. إنهم يستدرجون الناس إلى الهاوية، فهل نغير ما نحن فيه، أم نبقى على غي نحن به عالمون؟
■ عن «كنعان الالكترونية»