انتصار تموز والمواجهة القادمة..
بعيداً عن كل ما قيل وسيقال من خصوم المقاومة حول المؤتمر الصحفي للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، لابد من العودة إلى الأشهر التي سبقت اغتيال رفيق الحريري والتي شهدت صدور قرار مجلس الأمن رقم 1559، والذي جاء كخطوة عدوانية- تصعيدية ضد سورية والمقاومة في لبنان وفلسطين بعد الاحتلال الأمريكي للعراق، وبعد رفض سورية لقائمة المطالب الأمريكية التي حملها كولن باول وزير الخارجية آنذاك.
وقد توهم- في حينه- التحالف الإمبريالي- الصهيوني أنه باغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري يمكن توجيه ضربة قاصمة لسورية والمقاومة اللبنانية عبر تنفيذ الشق الأهم في القرار 1559، أي خروج الجيش السوري من لبنان ولاحقاً نزع سلاح المقاومة، وهذا ما حاولت العمل بموجبه سياسياً وشعبياً بعض القوى اللبنانية التابعة والمرتبطة بواشنطن وتل أبيب ومعظم عواصم دول الاعتلال العربي عبر استخدام كل أشكال التجييش والتزوير والعداء لسورية والمقاومة لدرجة وصلت ببعض تلك القوى اعتبار الكيان الصهيوني (بلداً جاراً للبنان) ولا مصلحة له باغتيال الحريري!!
.. ولأن خروج الجيش السوري من لبنان لم يضعف سورية، وزاد من قوة المقاومة في لبنان وفلسطين والعراق، وانعكس كل ذلك سلباً على المشروع الأمريكي برمته في المنطقة، جاءت طلبية حرب تموز 2006 بقرار أمريكي. وهذا ما عبر عنه كوندوليسا رايس وجون بولتون صراحةً منذ بداية الحرب.
.. ولأن «حساب القرايا لم ينطبق مع حساب السرايا»، وانتصرت المقاومة وانقسمت القوى في المنطقة إلى خندقين متصادمين بالمعنى السياسي: خط الالتزام بخيار المقاومة والممانعة؛ وخط المساومة والمقامرة مع التحالف الإمبريالي- الصهيوني، غيّر هذا الأخير من تكتيكه فيما بعد نحو تخفيف العزلة عن سورية وتكثيف الجهود ضد حزب الله عبر بوابة «المحكمة الدولية»، بنسختها «البلمارية المنقحة 2010»، تحت تأثير الأوهام القائلة بإمكانية الفصل بين سورية والمقاومة وصولاً إلى «تنفيذ» الشق الآخر من القرار 1559، ألا وهو نزع سلاح المقاومة، الشيء الذي عجز عنه جيش الاحتلال في ساحة المواجهة عام 2006.
من هنا جاء القصف الإعلامي- التمهيدي لمجلة ديرشبيغل، وصحيفتي الفيغارو والليموند، وبعض الصحافة العربية التابعة، ضد حزب الله عبر سيناريوهات مفبركة مشابهة «للشاهد الملك زهير الصديق»، ولكن هذه المرة ليس ضد سورية مباشرةً، بل يجري فيها اتهام المقاومة باغتيال الحريري مع الاستمرار بتبرئة الكيان الصهيوني حتى من مجرد الشبهة بارتكاب تلك الجريمة التي لا تخدم إلاّ مخططات تل أبيب وواشنطن!
وإذا كان مسلسل اكتشاف شبكات التجسس الإسرائيلي في لبنان، والذي بلغ مجموع أفرادها- للآن- أكثر من مئة عميل موصوف، لم يردع بقايا فريق 14 آذار من المكابرة والاستمرار في نهج التبعية للأجنبي ودفع لبنان نحو الهاوية، فإن من حق حزب الله وكل القوى الوطنية اللبنانية محاسبة الفريق الآخر وفتح المعركة استباقاً لما هو آت من مواجهات كبرى مع العدو الصهيوني- الإمبريالي سواء على مستوى الساحة اللبنانية أم على مستوى المنطقة.
إن ما جاء على لسان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في إطلالاته المتكررة والمحسوبة جيداً يتعدى التذكير بما قام به العدو الصهيوني من جرائم كبرى بحق الشعب اللبناني منذ أواخر الستينيات وحتى الآن، وهي جرائم معروفة لكل من تعز عليه الكرامة الوطنية ودماء آلاف الشهداء وكذلك لم يكن المقصود بالكلام حماية حزب الله مما قد يتضمنه قرار «المحكمة الدولية» من اتهامات لا تستقيم أبداً مع ما قدمه هذا الحزب من آلاف الشهداء لتحرير الأرض من الاحتلال الصهيوني. بل الأهم من هذا كله إعادة الاعتبار إلى ملف المواجهة الشاملة مع الكيان الصهيوني وخاصةً على مستوى الجبهات الداخلية اجتماعياً وشعبياً وتحديد الممنوع والمسموح في الصراع مع هذا العدو. فمن حق وواجب الجماهير المؤيدة للمقاومة في كل المنطقة أن تستمع لما يقوله السيد حسن نصر الله عن ضرورة سحق العملاء والجواسيس دون رحمة، لأن من يعتبر أن «الخيانة وجهة نظر» هو عدو بين ظهرانينا، وبوابة عبور للعدوان الخارجي.
المسموح والمطلوب في الصراع مع العدو الصهيوني هو التزام خيار المقاومة الشاملة حتى تحرير الأرض واستعادة الحقوق الوطنية كاملةً غير منقوصة كما فعل أسلافنا العظام.
بعد انتصار المقاومة في تموز لم يعد مسموحاً التهويل بخصوص أي خلل في «ميزان القوى»، بل المطلوب الآن الاستعداد الجدي وعلى كل المستويات للانتصار الأكيد في المواجهة القادمة، دون أي خوف مما قد تصدره «محكمة بلمار» المسيطر عليها من واشنطن!
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.